أعاد السودانيون، أمس، إحياء الذكرى الثالثة لحادثة «فض الاعتصام» أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم في 3 يونيو (حزيران) 2019، التي بلغ ضحاياها مئات القتلى والجرحى والمفقودين، والتي لم تصل التحقيقات بشأنها إلى تحديد الجناة، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على الحدث الذي هز الضمير السوداني، وظل يعكر صفو المناخ السياسي في البلاد، خصوصاً بين المدنيين والعسكريين. ونظم عشرات الآلاف مسيرات سلمية في الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد تلبية لدعوة «لجان المقاومة الشعبية» والقوى السياسية، للمطالبة بمحاسبة الجناة في فض الاعتصام، فضلاً عن المطالبة بالحكم المدني، فيما اتخذت السلطات العسكرية إجراءات أمنية فوق العادة، وأغلقت غالبية الجسور والمداخل الرئيسية المؤدية إلى وسط العاصمة، ونشرت أعداداً كبيرة من قوات الجيش والشرطة. وأعلنت «لجنة أطباء السودان المركزية»، غير الحكومية، مقتل متظاهر يبلغ من العمر عشرين عاماً إثر إصابته بالرصاص الحي في التجمع الرئيسي بمنطقة الصحافة جنوب الخرطوم، ليرتفع العدد الكلى للقتلى إلى 99 منذ أن تولى الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقالت اللجنة في بيان على صفحتها الرسمية في «فيسبوك»، إن قوات الأمن «تتعمد استخدام العنف المميت، وكل أنواع الأسلحة ضد المتظاهرين السلميين». - غلق الجسور بسبب غلق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاثة، تحول وسط العاصمة المكتظ إلى «خلاء فسيح» بدون سكان، تسير فيه السيارات العسكرية بسرعات عالية، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها، وكادت السيارات والمدنيون ينعدمون من وسط الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وتحول إلى ما يشبه «الثكنة العسكرية». وفي 3 يونيو 2019 الذي وافق 29 من رمضان، هاجمت قوات كبيرة بأزياء نظامية على متن مئات السيارات والمدرعات، ساحة الاعتصام في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، واستخدمت الرصاص الحي والهراوات لتفريق المعتصمين. وتجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في مواكب لامركزية بضاحية الصحافة جنوب الخرطوم، وفي منطقة «المؤسسة» بمدينة بحري، وفي العديد من الأحياء بالعاصمة، يرددون شعارات مناوئة للحكم العسكري ويطالبون بعودة مسار الحكم المدني الانتقالي. ووثق نشطاء عبر «فيسبوك» اللحظات الأولى لاقتحام تلك القوات ساحة الاعتصام قبل وقت قصير من حجب الاتصالات والإنترنت، والمشاهد المروعة والصادمة لعملية فض الاعتصام بالرصاص الحي، وإلقاء بعض الجثث في نهر النيل. وبدأ الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني في 6 أبريل (نيسان) 2019، بعد أشهر من الاحتجاجات المستمرة ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وشكل الاعتصام الذي استمر لقرابة الشهرين مصدر ضغط كبير على قادة الجيش، ما اضطرهم لعزل البشير وتكوين مجلس عسكري انتقالي تولى زمام الحكم، ولاحقاً شارك تحالف «الحرية والتغيير» عبر تفاوض مارثوني أدى لتكوين حكومة انتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. - مطالب بالمحاسبة طالب تحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير»، في بيان، أمس، بالقصاص في قضايا العدالة والمحاسبة، مندداً بالعنف المفرط المستمر من قبل السلطة الانقلابية، الذي تمارسه تجاه المواكب السلمية. وأكد التحالف المعارض على أهمية معالجة قضايا العدالة كأولوية ضمن قضايا التأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي بعد إسقاط الحكم العسكري الحالي. من جانبها، قالت السفارة الأميركية في الخرطوم على صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك» قبل ثلاث سنوات، خلال فترة حكم المجلس العسكري، «استهدفت قوات الأمن السودانية احتجاجات سلمية خارج المقرات العسكرية بالخرطوم، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص». وأعلنت دول الترويكا (أميركا، بريطانيا، والنرويج) تضامنها مع الناجين والضحايا، داعية إلى حل سريع للتحقيق الذي عينته الحكومة في المذبحة والكشف عن النتائج للجمهور. وحثت الترويكا السلطات العسكرية على محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة ضد المتظاهرين المدنيين السلميين إلى العدالة. ودعت السلطات إلى اتخاذ المزيد من تدابير بناء الثقة، ودعم العملية السياسية الميسرة بين البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيقاد»، وتعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وقيام قوات الأمن بالامتناع عن الإفراط في العنف ضد المتظاهرين السلميين. - الاحتجاج السلمي وقالت الطالبة نسرين علي، إنها خرجت للقول للسلطات إن المحتجين لن ينسوا الشهداء، وإنهم سيواصلون الضغط الشعبي والاحتجاج السلمي حتى استعادة الحكم المدني، وتحقيق مطالب الحرية والعدالة والمساواة التي ينادي بها المحتجون. ووصف المواطن عبد الله آدم ذكرى فض الاعتصام بأنها أكبر جريمة حدثت في تاريخ السودان، قائلاً «لكن للأسف رغم مرور ثلاث سنوات على تلك الجريمة، وعلى الرغم من أن القاتل معروف ومعترف، لم يتم تقديمه للمحاكمة». وشكل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، في أكتوبر 2019، لجنة للتحقيق في فض الاعتصام، لتحديد المسؤولين بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى، وحصر الضحايا من الشهداء والمصابين والجرحى والمفقودين. وقالت اللجنة إنها استمعت اللجنة إلى شهادة أكثر من 3 آلاف، من بينهم كبار القادة العسكريين في الجيش و«قوات الدعم السريع»، وواجهت اللجنة التي يترأسها المحامي نبيل أديب، ضغوطاً شعبية متزايدة لتسريع إعلان نتائج تحقيقاتها، بيد أن لجنة أديب أعلنت التوقف عن العمل عقب إجراءات 25 أكتوبر الماضي، التي حل بموجبها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الحكومة وحكومات الولايات، وحل مجلس السيادة المشترك، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد. - منظمة حقوقية واتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية أجهزة الأمن السودانية، بارتكاب انتهاكات في فض الاعتصام، وفي التعامل مع المتظاهرين في الخرطوم ومدن أخرى، في الوقت الذي تنفي فيه تلك الأجهزة صلتها بالعملية، وتنسبها إلى «طرف ثالث» قالت إنه استغل عملية تفريق مجموعة متفلتة اتخذت من مكان قرب الاعتصام مقراً لها، ونفذت عمليات القتل في ميدان الاعتصام. ووقتها قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الفريق شمس الدين كباشي، إن القوة كانت تستهدف تفريق المتجمعين في منطقة «كولومبيا» المتاخمة لمكان الاعتصام، لكنها انحرفت إلى مكان الاعتصام و«حدث ما حدث».
مشاركة :