بين حين وآخر نشهد اتهامات كثيرة ومتجددة تكال للدين الإسلامي ومن خلفه الحضارة الإسلامية ككل، تصم المسلمين بالتطرف والإرهاب والعنف والتكفير، فيما تكفي لحظة تأمل واحدة في منجزات الحضارة الإسلامية الهامة في العلم والفن والثقافة والأدب والعمارة وغيرها، ولحظة تأمل أخرى في النص الديني، للإقرار بمحدودية النظرة الخاطئة وجهلها بحقيقة الإسلام والمسلمين. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الباحثة المغربية بشرى إقليش حول الأخلاق والدين وتجديد التراث العربي الإسلامي. أسست الباحثة والأكاديمية أستاذة الفلسفة المغربية بشرى إقليش مشروعها البحثي على نقد التراث والبحث في جذوره عن مكامن الخلل، لإصلاحه وتخليص المسلمين من حالات التبعية الشاملة التي يعيشونها، من خلال إعادة الاعتبار لأهمية الدين في مثالياته ولضرورة نقد التراث. وتواصل الباحثة مشروعها سواء من خلال كتبها مثل “الإسلام السياسي ودولة الخلافة” و”قيم الحداثة في القرآن الكريم” و”نقد نظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية”، أو من خلال عملها كرئيسة منتدى تحالف الحضارات وحوار الديانات ورئيسة للمجلس الدولي للحوار الديني والإنساني (فرع المغرب) وفي عضوية مؤسسات عديدة مثل المنتدى الاجتماعي المغاربي والمنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى جانب تأليفها لمجموعة من المقالات بمجلات محكمة حول سؤال التراث والحداثة وسؤال العقل والنقل في الفكر الإسلامي. الدين وقدسية التراث العرب: الأهم لنا كعرب في بناء مجتمع متقدم الدين أم الأخلاق؟ بشرى أقليش: نحتاج إلى الإنسان الذي تنادي به الأخلاق والأديان. لأن الإشكال ليس في الدين ولا في أية منظومة أخلاقية، إنما في الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على البشرية باسم هذا المعتقد أو ذاك. كما أن مفهوم الأخلاق ذاته عندما نسعى إلى مقاربته، نجد أنه يحضر في كثير من المعاجم والمقاربات بمعنى الدين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يطلق أيضا لفظ أخلاق على “جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة”. لكن عندما ننظر إلى الأخلاق باعتبارها مجموعة قواعد تهذب السلوك، فأكيد أننا نلامس هذا التلاقي أو التكامل بين الدين والأخلاق. لأن الدين إيمان وممارسة وتنظيم للسلوك، ولربما ما يميزه عن الأخلاق كمفهوم وكسلوك، أنه اعتقاد ذو بعد روحي. الذي يطرح لنا سؤال الدين، أننا نتمثل الأديان من خلال المتدينين، وهنا المشكل، المتدين إنسان، قد يصيب، وقد يخطئ. سلوكياته، وصراع قوى الخير والشر فيه، أكيد لا علاقة لها بالمنظومة الأخلاقية-الدينية التي ينتمي إليها. لهذا علينا التمييز، وعلينا الإيمان أيضا بالبعد المثالي للقيم الأخلاقية والدينية. وبين هذا البعد المثالي والطبيعة البشرية، هناك جهد الفرد للارتقاء بذاته نحو الإنسانية بأسمى معانيها. وفي الأخير، لا تعارض بين الدين والقيم الأخلاقية، وإن انطلقنا من مرجعيتنا الدينية مثلا، يقول عليه الصلاة والسلام “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ثم إن الدين نظام أخلاقي بالدرجة الأولى. العرب: “تجاوز ثنائية كفر- إيمان، في حواراتنا مع الآخر” كيف نحقق هذا التجاوز فعليا؟ بشرى أقليش: تجاوز ثنائية كفر- إيمان، يقتضي منا فهم واستيعاب منطوق النص الديني القرآني، المؤسس لعلاقة المسلم بغيره، وأيضا استيعاب كونية الرسالة المحمدية، وتكاملها مع باقي الديانات السماوية، وأيضا باقي المعتقدات على اعتبار أن الخير واحد. وأن الطبيعة الخيرة في الإنسان لا ولن تتنافى مع القيم النبيلة التي تتوحد عندها كل الأديان والمعتقدات. وبالعودة إلى النص الديني القرآني، فقد أسس بل دافع عن الحق في الاختلاف، والحق في التدين، والحق في اختيار الكفر أو الإيمان. وعلى سبيل المثال لا الحصر: أولا على مستوى التأسيس لثقافة/ سنة الاختلاف: يقول عز وجل “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”. الروم، الآية 22. “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين” هود، الآية 118. الإختلاف إذن، إرادة الله في الكون. ثانيا على مستوى الحرية الدينية يقول عز وجل: “لا إكراه في الدين” البقرة، الآية 256. وأيضا “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون”. المائدة، الآية 105. الدين إذن براء من كل أشكال الوصاية الدينية التي تعتبر إيديولوجية الإسلام السياسي، ومبررا لثنائية كفر-إيمان. ولئن كانت حرية الإنسان قيمة من أبرز القيم العليا، فإنها أيضا مقصد من أهم مقاصد الشريعة. ثالثا على مستوى سنة الإيمان والكفر: يقول عز وجل: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”. يونس، الآية 99. لقد كفلت الشريعة الإسلامية حرية المعتقد للأفراد، وما كان لأحد أن يصادر هذا الحق حتى وإن كان باسم الله. لهذا فثنائية كفر- إيمان، فيها تحد صريح للإرادة الإلهية: “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” الكهف 29. من هنا فلا مجال لفتح الباب أمام ذهنية التكفير التي تهدد أركان التعايش السلمي بين أتباع مختلف الديانات والمعتقدات. هناك أيضا من يختزل مفهوم الإيمان في مرجعيته الدينية، في حين أن الإيمان سيرورة وجود، وجدلية كفر- إيمان، أيضا جدلية وجود. لكن الخطير أن تقطع مع إنسانيتك، وترى في نفسك الإيمان وترى في الآخر الكفر. العرب: أين تكمن المشكلة في عدم إيصال مفهوم الإسلام الحقيقي إلى العالم الآخر أو الآخر المختلف؟ بشرى أقليش: أولا، هي أزمة أفهام. كل يسلك وفق فهمه وقناعاته، ويصرف هذه القناعات على أنها حقائق مطلقة. ثانيا، سأعود للفكرة السابقة، وهي اختزال الدين في السلوكيات الفردية أو حتى الجماعية. في حين الدين عموما، منظومة قيمية – أخلاقية – مثالية، موجهة للفرد ولتهذيب السلوك الفردي. الفرد هنا تتنازعه قوى الخير والشر، يقول عز وجل “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”. وبعيدا عن التأصيل الديني للذات البشرية، الطبيعة الإنسانية غير متعالية عن الأنانية، وإيثار المصلحة الخاصة وحب التملك، إلى جانب الميل أيضا إلى الخير، ومن ثمة فالسلوك البشري يبقى بشريا، في حين الدين كقيم ومبادئ وقواعد ، يبقى دينا. لهذا كي تقترب من دين ما باشره كنصوص ومبادئ مسطرة، وانظر للمتدين وفق طبيعته البشرية حيث الصواب والخطأ. هناك أيضا منطق الوصاية، الذي يحول دون حوار إنساني بناء يقربنا ويقرب منظومتنا الدينية من الآخر. الشيء الذي يتنافى وجوهر الدين الإسلامي، القائم على الحوار والكلمة الطيبة والإيمان بحق الآخر في التواجد والعيش وفق ما يراه هو مناسبا. أيضا غياب فقه الواقع، جعل من الشخصية المسلمة شخصية فصامية – إن جاز القول- عاجزة عن محاورة احتياجاتها الدنيوية والروحية. ما يجعل السلوك منافيا للمبدأ الديني. لهذا نحتاج فقها يصل الواقعي بالمثالي، ويصل المبادئ الدينية بالحياة العامة المليئة بالمتناقضات والتي جعلت أغلب المسلمين مسلمين بالإنتماء فقط، أو كما نقول دوما تعبد العادة الذي لا يفتح المجال لمراجعة سلوكياتنا وقناعاتنا. العرب: ”إنه ليس من الحداثة أن نظل حبيسي تراث مليء بالتناقضات إلى درجة أننا أصبحنا بحاجة لآليات ومناهج خاصة، لفهم هذا الكم من الاجتهادات والمعارف الدينية التي ورثناها عمن ادعوا قدرتهم على فك شفرات الخطاب الرباني، ليظل السؤال ماذا بعد الماضي؟” ورد هذا في كتابك هل استطعت أن تضعي يدك على موضع الألم بالكامل وبالتالي وصف علاج له؟ بشرى أقليش: طرحت إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر بقوة، ليطرح معها أكثر من سؤال، خاصة وأن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الأمة العربية – الإسلامية، يكمن في مدى قدرتها على استشراف المستقبل والصمود أمام سيل العولمة الجارف. لهذا حضرت إشكالية التراث بقوة لتحضر معها حقيقة عجز الفكر العربي عن التحرر من قيود الماضي ومعطياته المتناقضة في كثير من الأحيان. إشكالية التراث أنه ارتبط بما هو ديني، ليحظى بقدسية حالت دون إخضاعه للمساءلة. قدس التراث- خاصة الديني- وقدست معه كل الأحداث والمعطيات التاريخية، التي جعلت المسلمين عاجزين عن استثمار الإنتاجات الفكرية-الدينية الماضية لأجل خلق واقع مُرضي والتطلع إلى مستقبل زاهر، قادر على منحنا حضورا حضاريا قويا. من هنا تاهت الرؤى الفكرية بين الخجل أحيانا وعدم الجرأة على المقدس أحيانا أخرى. لأن ما ميز الثقافة العربية الإسلامية، كما أشار إلى ذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أنها ثقافة دين، ومن ثم فأي حراك فكري/ معرفي، لم يتجاوز النص القرآني، وهذا ما حال دون الوقوف من التراث مواقف ناقدة بناءة تنتشل المعطيات الدينية من الجمود، وتتجه نحو خلق فضاء للتحرك الإيجابي بالديني ومعه. لهذا وحسب فهمي نحتاج للفصل بين قدسية الدين وما أنتج وفق مرجعية دينية كي يتسنى لنا تشخيص مآزقنا المعرفية والوجودية أيضا. لتحرير فكرنا ولرؤية مزالقنا الحضارية بعيدا عن المقاربات الوجدانية ونظريات المؤامرة. لهذا أنا مع طرح المفكر المغربي عبدالله العروي، القائل بضرورة تجاوز تراثنا الفكري، لأن علامات التأخر يقول عبدالله العروي، هي”تخلف الوعي عن الواقع”. قضايا فكرية العرب: النخب العربية وبنية تفكيرها ومهامها ومشكلاتها وجهت لها الكثير من الانتقادات حول عدم توجهها إلى أكثر التحديات الحضارية والسياسية الكبرى التي نواجهها كيف ترين أداء النخب العربية؟ بشرى أقليش: بداية النقد ظاهرة معرفية صحية، لأنها دليل تفاعل النخب العالمة مع ما ينتج، ودليل رغبة أيضا في المضي قدما لأجل وجود حضاري لائق. لا أراني مؤهلة لتقييم أداء النخب العربية، فأنا لازلت أتلمس الطريق، وهذه النخب فتحت لنا أفق التفكير في وضعياتنا الفكرية والمعرفية الشائكة. يعود لها الفضل أيضا في رصد مواطن الداء. ولئن أخفقت حسب بعض الآراء في مقاربة التحديات الحضارية التي نواجهها، فأعتقد أنه يكفيها شرفا أنها حاولت. في المقابل لي أن أقول إن النقد ونقد النقد استنزفنا أو استنزف القوى المفكرة. في حين المطلوب الاستمرارية لأجل التقدم على مستوى رصد المشاكل وأيضا على مستوى تقديم أطاريح ورؤى جديدة. العرب: دراسات كثيرة تنشر عن “عوائق التقدم الحضاري” وتحتل مجموعة من الموضوعات الاهتمام الأكبر في هذه الدراسات (الإصلاح الديني/ الاستشراف/ الأنتلجنسيا) بينما تغيب قضايا أخرى قد تبدو أهم في هذه المرحلة ومراحل قبلها كباحثة ومتخصصة كيف تنظرين إلى هذا الأمر؟ بشرى أقليش: في الحقيقة لدينا أزمة “المثقف الشمولي”، القادر على رصد التجديد والتأطير لثورة علمية في الآن ذاته. في المقابل لدينا المفكر والمثقف المتخصص-إن جاز القول- ولأن الحضارة المتفوقة اليوم هي النموذج، فالثورة العلمية مطلب حضاري لا يستقيم التنظير لنهضة حضارية أو جهد نرتقي به إلى عوالم التقدم والتطور خارج دوائر العلوم الحقة. وهذا ما جعل من الغرب غربا؛ أن التنوير والتحديث اقترنا بالثورة العلمية وبتطور مناهج العلوم، وبظهور علوم جديدة هي “العلوم الإنسانية”. ثم إن سيرورة البناء العلمي لازالت مستمرة لدى الغرب، في حين نعاني نحن أزمة علوم حقيقية. اللهم بعض الإشعاعات الفردية المرتبطة بتفوق بين الفينة والأخرى في بعض المجالات الاقتصادية والعلمية. العرب: اهتمام بعض الباحثين/ الباحثات بموضوع الجندر ومحاولة طرحه كقضية أساسية في المجتمع العربي كيف ترينه أنت؟ نحتاج إلى الفصل بين قدسية الدين وما أنتج وفق مرجعية دينية كي نشخص مآزقنا المعرفية والوجودية أيضا بشرى أقليش: سؤال النوع الاجتماعي، سؤال ملح أمام ما نراه من تمييز على أساس النوع، بالرغم من كل الجهود المبذولة لأجل الرقي بوضعية المرأة وتجاوز التمثلات السلبية التي تستثني بعدها الإنساني. وإن كنا نطمح إلى ازدهار حضاري، فالأمر لن يستقيم ونحن لا نؤمن بقدرات المرأة وأهليتها للتسيير والتدبير. فوضع المرأة بماضيه وحاضره هو حلقات متواصلة من العنف والإيذاء، ما يدفعنا في كل مرة إلى الدعوة إلى ضرورة مراجعة ونقد كل ما أنتجته البشرية من أفكار وقيم وعادات وتقاليد تهم المرأة، خاصة وأن تمثلات الناس للمرأة ولقدراتها تستند في الغالب إلى ما حمله التراث الإنساني من أفكار ضدها. وعندما نقول التراث الإنساني فإننا نضمن ما هو فلسفي وما هو ديني وما هو سياسي، إلى ما غير ذلك. لقد اختزل التراث الإنساني المرأة في الغواية والشر، فهي أخرجت آدم من الجنة، وهي التي تسببت في حضور ثقافة القتل في العالم، على اعتبار أن أول جريمة في تاريخ الإنسانية ارتكبت لأجلها. وغيرها من التهم والصفات التي أسست للأوضاع المهينة التي مست المرأة. لقد استنكرت المجتمعات قدرات المرأة، وغض التاريخ الطرف عن كل النساء اللائي استطعن فرض هيمنتهن فكريا وسياسيا، بل في كل المجالات، في جحود تام لجهودها، بل وإنكار لإنسانيتها. بل هذا الجحود كان المشترك بين الإنتاجات الفلسفية الكلاسيكية وبعض الاجتهادات الفقهية الضيقة. استطاع الغرب في إطار إعادة بناء الذات، تجاوز مجموعة من التمثلات والأفكار. في المقابل مازالت المفاضلة على أساس النوع تحكم معاملاتنا. لهذا سؤال النوع الاجتماعي سيظل قائما إلى أن تعامل المرأة كإنسان. ولئن ارتبطت فلسفة حقوق الإنسان بتطور مبادئ وقيم الديمقراطية والعدالة والتسامح، فإنها اكتست طابع العالمية والشمولية لأنها دافعت عن كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ديانته أو عرقه أو مكانته الاجتماعية والاقتصادية. الخطاب الديني المغربي الفكر-أي فكر- يعكس هواجس المجتمعات بكل فئاتها، بل ويرصد مكامن الخلل لأجل بناء الفرد ومن ثمة بناء المجتمع العرب: الخطاب الديني المطروح في الإعلام والمنابر الدينية ولنأخذ المغرب نموذجا هل يتناسب مع الواقع وعقلية المتلقي العادي أم أنه يحتاج إلى إعادة نظر؟ بشرى أقليش: الحديث عن الخطاب الديني المطروح في الإعلام والمنابر الدينية بصفة عامة، لي أن أقول إن بعضها، يحتاج إلى مراجعة. أما إذا وقفنا عند التجربة المغربية، فكما هو معلوم، تبقى تجربة رائدة. فخطاب التكفير مثلا، لن تجد، ثنائية كفر- إيمان، وغيرها من عوائق التعايش والحوار مع الآخر. والفضل في ذلك يعود إلى الثوابت الدينية للمملكة التي ساهمت في التأسيس لهوية دينية تمثل الإسلام الحقيقي بمبادئه السمحة. وكما تعلمون تستند هويتنا الدينية على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد. وهذا ما جعل الشخصية المغربية بحمولتها الدينية منسجمة مع الواقع. نزيد على هذا كله الإصلاحات المهمة التي نهجها المغرب، خاصة بعد تدفق الفكر المتطرف، وأحداث”16 ماي”، وهو فكر دخيل على الثقافة والشعب المغربيين. حيث ستعتمد المملكة مجموعة مشاريع أبرزها سيرتبط بالعالم الرقمي، ولنا أن نقف عند جهود الرابطة المحمدية، التي عمدت إلى إطلاق برامج رقمية لأجل حماية كل فئات المجتمع وخاصة الأطفال والشباب من خطر التطرف، خاصة في العالم الرقمي. هي إذن خصوصية التدين المغربي، والجهود المبذولة جعلت من المغرب نموذجا يحتذى به، بل جعلته في منأى عن الصراعات الدينية الضيقة. العرب: بعيدا عن النخب في رأيك كيف يمكننا الوصول إلى العامة من الناس ونجعلهم يشاركون في حوار هم طرف أساسي فيه؟ بشرى أقليش: عندما يرتبط الأمر بالخطاب الديني، أعتقد إنه بالإمكان وصل الوجداني بالمعرفي لدى الناس، متى اخترنا لغة سهلة قادرة على خلق التواصل المنشود مع الآخر بغض النظر عن إمكاناته المعرفية. وهذه وظيفة المفكر عموما الذي يسعى إلى التغيير. لكن نحتاج أيضا بالموازاة لهذا الجهد غير اليسير، إلى أن نعمل على الرقي بالمستوى المعرفي للجميع، عبر، محو الأمية، الانخراط إلى جانب المؤسسات في عمليات التوعية والمبادرات التطوعية سواء بتنظيم لقاءات خارج ما هو أكاديمي لأجل مد جسور التواصل مع الجميع وكسر الصورة النمطية للمثقف والمفكر النخبوي. ففي نهاية الأمر الفكر-أي فكر- يعكس هواجس المجتمعات بكل فئاتها، بل ويرصد مكامن الخلل لأجل بناء الفرد ومن ثمة بناء المجتمع. فيما هو عام، يعني كمعارف عامة، بل وحتى أكاديمية أعتقد أن التكنولوجيا اليوم ساعدت في إخراج المعرفة من النخبوية. المعلومة تصل بأكثر من طريقة. نحتاج فقط آليات ضبط وتنقيح ومراقبة، وإبداع طرق جديدة لتبسيط المعلومة وجعلها في متناول الجميع. علنا نتجاوز أزمة استغلال الأمية خاصة في إنتاج خطابات العنف والكراهية والتطرف الديني.
مشاركة :