يعتبر المجتمع في العالم العربي فتيّاً، إذ يبلغ حوالي ثلث العرب أقل من 15 عاماً وثلثهم الآخر ما بين 15 و29 عاماً. ووفقاً لبيانات مبادرة منظمة التمويل الدولية الإقليمية بعنوان “التعليم من أجل التوظيف”، فإن 25 في المئة من الشباب العربي عاطلون عن العمل، وهي أعلى نسبة في العالم، وتكلف هذه البطالة وانعدام الإنتاجية المنطقة ما بين 40 و50 مليار دولار سنوياً بسبب الفرص المهدورة، وهي أموال كان بالإمكان إنفاقها على إصلاح الوضع القائم الصعب والدقيق. نقص المهارات ذكرت العديد من التقارير والخطط الاستراتيجية والدراسات أن نقص المهارات الفنية التي تؤثر على قابلية التوظيف لدى القوى العاملة يشكل عائقاً كبيراً ويحد من التنمية الاقتصادية وتحسين التنافسية العالمية في معظم دول المنطقة. وتجادل هذه التقارير تحديداً أن هناك حاجة ماسة لتغيير العقلية التي تعتقد أن التدريب والتعليم المهني والتقني هما أداة هامشية للتقليل من الأثر الاجتماعي للمتسربين من المدارس وذوي الأداء الضعيف حتى تنظر إلى هذا الفرع كأداة لجعل جانب العرض في العمل متناسباً مع طلبات القطاع من العمال المهرة المطلوبين لتيسير التنمية الاقتصادية المستدامة. إن سوء أداء قطاع التدريب والتعليم المهني والتقني بشكل عام والفجوات بين المهارات من جهة والمطلوب في سوق العمل من جهة أخرى ما هي إلا نتاج ممارسات متجذرة في النظام أو نتجت عن غياب بعض جوانب الممارسات الحسنة التي أثبتت نجاعتها في بعض الأقاليم في إنشاء بيئة تعلّم قائمة على الطلب. وتفتقر معظم أنظمة التدريب والتعليم المهني والتقني في المنطقة إلى النوعية المطلوبة والارتباط المطلوب بسوق العمل وتفشل في خلق قوى عاملة تنافسية. وفي ظل المنافسة العالمية المتنامية، والتغيرات الديمغرافية التي بدأت تظهر، والتقدم التكنولوجي المتسارع، والعوامل السياسية في المنطقة التي تشهد انتفاضات شبابية، فإن قضية الفجوة بين المهارات وسوق العمل أصبحت في واجهة الجدل السياسي في معظم الدول العربية. وهذا التنافر بين المهارات ومتطلبات سوق العمل لا يقتصر فقط على نقصها، وإنما يشير أيضاً إلى حالة يكون فيها الخريجون يتمتعون بمؤهلات ومعرفة ومهارات تفوق متطلبات الوظيفة في بعض الأحيان، فقد تعاني بعض القطاعات من النقص، بينما تواجه أخرى فائضاً في التعليم الذي يفوق الحاجة. كلما استغرقت هذه الفجوة وقتاً لردمها، فإنها تفرض تكاليف حقيقية على الأفراد والمؤسسات والمجتمعات. ووفًقا لتحليل قام به البنك الدولي، فإن المشتغلين الحاصلين علي قدر ضئيل من التعليم أو غير المتعلمين وأولئك الحاصلين على مؤهل عالي يشكلون نصيباً أصغر من المتعطلين في معظم دول المنطقة. بالإضافة إلى أن معظم المتعطلين من العمال إما ليس لديهم مهارات كافية أو حاصلون على تعليم متوسط أو ثانوي، وهو ما يشير إلى قلة تقييم مهاراتهم في المجتمع الاقتصادي. وحتى بالنسبة للعمال الحاصلين على أعلى مستويات التعليم، وقد أشار التحليل إلى أن تقدير القطاع الخاص للتعليم الذي حصلوا عليه أقل من تقدير القطاع العام له. وقد أوضحت دراسة تحليلية في مصر أن أعلى معدلات البطالة انتقلت الآن إلى صفوف خريجي الجامعات، وهناك سببان لهذا التحول إذ أن مجموعة خريجي الجامعات هي الأسرع نمواً بين الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وهي أيضاً المجموعة الأكثر اعتماداً على التعيين الحكومي والذي لا يتناسب مع هذا النمو السريع بل إنه صار يتقلص في الآونة الأخيرة. وفقاً لتقرير مهارات المستقبل 2030 الصادر من قبل أسبوع أبوظبي للاستدامة، يوجد خمسة محاور تقود مستقبل الوظائف والمهارات في العالم، من بينها التقدم التكنولوجي الهائل الذي سيفتح آفاقًا جديدة لفرص غير موجودة، وبشكل خاص في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة، والتصنيع المتقدم، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والبيانات الضخمة وتحليل البيانات. "جاهز" للتوظيف العربي ◙ مهارات طائشة متوفرة عربيا ◙ مهارات طائشة متوفرة عربيا هدفت النسخة الثانية من منتدى “جاهز” للتوظيف العربي إلى تعزيز مهارات التوظيف لدى الشباب العربي وزيادة الوعي بالأدوار الناشئة والمستقبلية في سوق العمل اليوم. من المتوقع أن ينضم ما يقدر بنحو 127 مليون شاب عربي إلى القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2040، وأن ما يصل إلى 17 في المئة من جميع الوظائف معرضة لخطر الاختفاء بحلول عام 2030 بسبب الرقمنة وغيرها من اتجاهات الثورة الصناعية الرابعة. وانضمت مؤسسة إنجاز البحرين إلى المنظمة الأم إنجاز العرب، وهي عضو في جونيور أتشيفمنت (JA) العالمية، أكبر منظمة غير ربحية لتعليم إدارة الأعمال في العالم، حيث استضافت المنتدى في الفترة من 17 إلى 19 مايو الماضي، لتعريف شباب اليوم بصناعات الغد وإعدادهم للمساهمة في التنمية الاقتصادية لدولهم ومناطقهم. تم بث المنتدى على الهواء مباشرة من خلال قنوات إنجاز العرب على فيسبوك ويوتيوب، وكذلك عبر 13 فرعًا من قنوات إنجاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستضاف شخصيات بارزة من المنطقة والمجتمع الدولي. وقالت الشيخة حصة بنت خليفة آل خليفة، رئيس مجلس إدارة إنجاز البحرين، في تعليقها على النسخة الثانية من منتدى “جاهز” للتوظيف العربي “يتمثل أحد المبادئ الأساسية لعملياتنا في إنجاز البحرين ومنظمة إنجاز العرب الأوسع في تحسين قدرات وتطوير المهارات والانخراط مع شباب وطلاب اليوم حيث نوفر لهم المنصة والشبكة والتوجيه والفرص المعدة لدفع حياتهم المهنية إلى الأمام. يوفر جاهز النظام الأساسي الأمثل للتفاعل مع الموجهين والأقران في بيئة تعليمية تتناول الاتجاهات والأدوات اللازمة لإلقاء الضوء على مساراتهم إلى الأمام“. خمسة محاور تقود مستقبل الوظائف والمهارات في العالم، من بينها التقدم التكنولوجي الهائل الذي سيفتح آفاقًا جديدة لفرص غير موجودة وبينت سابقا أن “الاستثمار في الشباب وإلهامهم هدفنا الأول الذي نسعى من خلاله لتمكينهم مستقبلا“. وقال عاكف العقرباوي، الرئيس التنفيذي لإنجاز العرب “يستمر سوق العمل اليوم في النمو بوتيرة سريعة في جميع أنحاء المنطقة، ولكن وفقًا لاستطلاع الشباب العربي، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حاليًا ضعف المتوسط العالمي لبطالة الشباب عند 25 في المئة. من خلال جاهز، أنشأنا مبادرة تعليمية فريدة من نوعها ستساعد وتشكل الشباب في المنطقة، وتزودهم بفرصة استكشاف مجموعة واسعة من فرص العمل ودعمهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للتنقل في مستقبلهم“. وأضاف “وصل منتدى العام الماضي إلى أكثر من 38000 شاب وشابة في جميع أنحاء المنطقة، مع توسع هذا العام بهدف توسيع بصمة تأثيرنا من خلال جلسات مخصصة عبر فروعنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تقديرًا كبيرًا لشركائنا وشبكتنا على دعمهم ، نتطلع إلى مواصلة النمو وتوسيع نطاق وصولنا لدفع شباب اليوم ليصبحوا قادة الغد”. ويواجه الشباب الذين يدخلون إلى سوق العمل في الوقت الراهن مهمة شاقة لإيجاد فرص عمل لائق دائمة. فمعدلات البطالة ترتفع باستمرار في ظل ازدياد فرص العمل المؤقت وغير المنظم وغيرها من أشكال العمل غير الثابت. وهناك اثنان من بين كل خمسة شباب أو شابات في العالم إما عاطلون عن العمل أو يعملون ولكن يعيشون في فقر. ووفقاً لرئيس مجموعة البنك الدولي السابق، جيم يونغ كيم، فإن طبيعة العمل في تغير سريع ومستمر، ويتمثل التحدي الرئيسي في تسليح طلاب المدارس بما سيحتاجونه من مهارات بصرف النظر عما ستكون عليه مهارات المستقبل. تشمل هذه المهارات حل المشكلات والتفكير الناقد، وكذلك مهارات التفاعل الشخصي مثل التعاطف والتآزر، وعلى الحكومات اتخاذ خطوات نشطة لتحسين إعداد مواطنيها للتنافس في اقتصاد المستقبل. مهمة شاقة ◙ تشجيع مشاريع العمل الفردي الجيدة وروح الريادة ◙ تشجيع مشاريع العمل الفردي الجيدة وروح الريادة تستطيع الحكومات التدخل بفعالية لتعزيز فرص عمل الشباب وتخفيض البطالة في صفوفهم من خلال تدابير على مستوى الاقتصاد الكلي. فالتوسع في الإنفاق العام مثلاً، عن طريق برامج توظيف وتدريب ضخمة مدعومة، يعتبر سياسة مجدية لتعزيز تشغيل الشباب في فترات تراجع النشاط الاقتصادي. ولكي يصبح التمويل الحكومي أكثر جدوى، يجب أن يكون منظماً. لهذا عندما يحل الركود الاقتصادي، يجب المباشرة فوراً في التوسع المالي قبل أن يؤدي التدهور الاقتصادي نفسه إلى تفاقم توازن الميزانية. ومن الأمثلة على هذه المقاربة برنامج الضمان الشبابي الذي طبقه الاتحاد الأوروبي عام 2014، ويهدف إلى توفير التعليم المتميز والتدريب للفئات الشابة التي لا تحظى بفرص العمل أو التعليم. والبرنامج المذكور مصمم للتأقلم مع الدورات الاقتصادية حيث يتوسع أثناء تدهورها عندما ترتفع معدلات البطالة بين الشباب. يمكن أن تلعب برامج مماثلة لبرنامج الضمان الشبابي، وتتضمن دعما مالياً للشركات التي توظف الشباب، دوراً فاعلاً في تحفيز توظيف الشباب. ويلعب التصميم دوراً أساسيا في هذا المجال. إذ تظهر الأدلة بوضوح أنه لضمان فعالية برامج دعم الأجور في المدى البعيد، من المهم إدخال عناصر تعزز عملية اكتساب الشباب المشاركين، بشكل رسمي وغير رسمي، لمهارات وكفاءات الحصول على عمل. ولابد من أن تدوم هذه البرامج فترة طويلة تسمح للمشاركين باكتساب المهارات اللازمة و”إثبات ذواتهم” في بيئة العمل المحددة. كما يجب أن يكون الدعم سخياً لدرجة تجعله أكثر جذباً للشركات. ولكي يكون هذا الدعم فعالاً ومجدياً، يجب أن تستهدف فئات محددة من الشباب، مثل المعرضين لفترات بطالة مديدة. والأكثر أهمية من ذلك، يجب أن تتجنب برامج الدعم استبدال عاملين قدامي بشباب توظفوا حديثاً عبر تلك البرامج. إن دعم الأجور مهم وفعال بوجه خاص في فترات الركود الاقتصادي عندما يكون الطلب على العمالة متدنياً. تثبت النظرة المتفحصة بأن تدني الأجور في أغلب الحالات يترك أثراً قليلاً أو غير سلبي على تشغيل الشباب. كما يمكن تقليل الأثر السلبي المحتمل عبر تعزيز تشريعات حماية العمل. والقضية ليست حاجتنا إلى اللوائح أكثر أو أقل، وإنما في كيفية تحقيق التكامل الفعال بين مختلف مؤسسات سوق العمل. ويطالب خبراء أيضا بضرورة التركيز على تشجيع مشاريع العمل الفردي الجيدة وروح الريادة. ورغم أن هذا التوجه غالباً ما يكون حلا للمشاكل بالنسبة إلى الأفراد والأسر التي تفتقر إلى فرص بديلة، فإنه ليس مجدياً على الإطلاق على المستوى الشامل. كما أنه من الواضح أيضا أن برامج العمل الحر لا تستطيع بمفردها حل مشكلة توفير فرص العمل للشباب، لكنها جانب مكمل مفيد لبرامج التشغيل الأخرى كالتدريب ودعم الأجور. في الدول ذات الدخول المرتفعة غالباً ما يتضمن بحث الشباب عن عمل أعمالا مؤقتة أو فرص عمل وتدريب دون أجر. أما في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط فإن ثلاثة من بين كل أربعة شباب يعملون في القطاع غير المنظم دون حماية أو مزايا أخرى كتلك الموجودة في القطاع المنظم، حيث ليس لديهم رواتب تقاعد أو تأمين صحي. وبالنسبة إلى الشباب ذوي الشهادات العليا، تشكل الأعمال المؤقتة أو غير الرسمية مدخلا نحو وظائف أفضل. أما بالنسبة إلى الفئات الأخرى، خاصة ذوي التعليم المتدني، فغالباً ما تكون ورطة يعلقون بها. وتساعد سياسات العمل الذكية في تجنب هذا الوضع. فمثلاً، تلعب برامج سوق العمل الفعالة دوراً أساسياً في تنظيم العمل. كما أن الدعم المالي الحكومي للرواتب و/أو جعل التشغيل الذاتي شرطاً للتسجيل القانوني يجعلان العمل المنظم خياراً جاذباً للشباب والشركات على حد سواء.
مشاركة :