أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد 57 قاضيا دفعة واحدة، ليضيف عقبة جديدة في طريق الديمقراطية الفتية ودولة القانون في البلد المغاربي. قرارات سعيّد تستدعي اتخاذ موقف أكثر حزما من الاتحاد الأوروبي، كما يرى راينر زوليش في تعليقه. يرى راينر زوليش أن تونس تحولت من نموذج يحتذى به إلى مشكلة، ويطالب الاتحاد الأوروبي بأن يكون أكثر حزما مع الرئيس سعيّد. أحد الأسباب الرئيسية لانتخاب قيس سعيد رئيسا لتونس في 2019، كان وعده بمكافحة الفساد. فوزه بالانتخابات يمكن تفهمه، لأن غياب العدالة الاجتماعية وتفشي المحسوبية أمر يتوق له كثير من الناس في تونس وفي المنطقة عموما، ويتحركون من أجله. ولكن مكافحة الفساد تتطلب أيضا هيكلية شفافة وواضحة من جانب الدولة – ولعل ذلك يكون من خلال نظام ديمقراطي يتضمن تقاسم السلطات بطريقة عملية، بما يشمل قضاء مستقلا. نكسة لتونس تونس – مهد ما يعرف بالربيع العربي – كانت تسير على هذا الدرب الصعب، وحتى وقت قصير كانت قد قطعت أشواطا تتفوق بها على بقية دول المنطقة. مواطنو دول أخرى من "بلدان الربيع العربي" واجهوا قبل تونس بكثير واقع تراجع حقوقهم الديمقراطية بشكل كاسح، كما هو الحال في مصر. وفي دول أخرى كالجزائر والسعودية وسوريا استمرت الأنظمة هناك في تمثيل نقيض الشفافية ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية. راينر زوليش، خبير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة DW ومنذ تولي قيس سعيّد سدة الرئاسة، انقلبت الحال في تونس: في العام الماضي فرض سعيد حالة الطوارئ وأقال الحكومة. وفي فبراير/شباط 2022 حلّ سعيّد – وهو نفسه مختص بالقانون الدستوري – مجلس القضاء الأعلى. وفي نهاية مارس/ آذار حل البرلمان، الذي كان قد جمده قبل ثمانية أشهر. تبعتها مؤخرا إقالة 57 قاضيا دفعة واحدة. في قرار اتخذه أيضا الرئيس المتفرد بالسلطة، الذي حدد نهاية شهر يوليو/تموز موعدا للتصويت على تعديل الدستور. هذا الاستفتاء لا يمكن، وفق الظروف الراهنة، أن يتم بصور حرة وشفافة. أين موقف أوروبا؟ الأوروبيون الذين يدعمون تونس منذ ثورة الياسمين 2010/2011، بوصفها مشروعا ديمقراطيا رائدا في المنطقة، يتابعون هذه التطورات الأخيرة بصمت حتى الآن. بينما يتطور النموذج القدوة إلى حالة تستدعي القلق الشديد. إذن يجب على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ التطورات الأخيرة، وخصوصا إمكانية الصدام بين سعيّد والإسلاميين الذين تصرفوا حتى الآن باعتدال، على محمل الجد. خصوصا وأن هذه الدولة مجاورة للاتحاد الأوروبي وإحدى الدول الهامة فيما يتعلق بالهجرة نحو أوروبا. قد يبدو الصمت الأوروبي من جانب الأوروبيين مفهوما حتى الآن، إلى حد ما، لأن جائحة كورونا والحرب على أوكرانيا غيرتا الأولويات في الاهتمام العالمي بشكل كبير. كما يمكن أن يلعب التأييد الذي يتمتع به النهج المستبد لقيس سعيّد من قبل قسم كبير من الشعب التونسي، وليس كل الشعب، دورا هنا. وحتى منتقدو سعيّد قد يوافقونه في قرار عزله لبعض السياسيين والقضاة لأنهم مشتبه بتورطهم في الفساد. ومع ذلك يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقف بشكل أكثر حزما في وجه قيس سعيّد وأن ينبهه بكلمات واضحة لخطورة هذا النهج، وخاصة ضرورة الالتزام بقواعد دولة القانون. وأيضا تقديم المساعدات الضرورية لتونس التي يعاني اقتصادها من أزمة، ولكن ربط المساعدات بشروط الإصلاح السياسي في تونس. راينر زوليش
مشاركة :