لا يجب أن نعتقد الحريات الدينية مثالية في كل دول العالم بما فيها فرنسا قانون الانفصالية لا يستهدف المسلمين في فرنسا بل من صنعوا «الإسلاموفوبيا» 3000 مسجد في فرنسا أُغلق منها 17 مسجدًا استُخدمت لتجنيد «دواعش» «السوشال ميديا» لعبت دورًا كبيرًا في إذكاء التطرف والتجنيد في صفوف داعش أسوأ واعظ ديني هو «غوغل» وأسوأ إمام هو «تويتر» وصف مستشار الشؤون الدينية في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية جان كريستوف بوسيل وضع الحريات والتعددية الدينية في مملكة البحرين بالوضع «المبهر». وقال المستشار بوسيل في مقابلة خص بها «الأيام»، على هامش زيارته الأولى إلى مملكة البحرين للمشاركة في مؤتمر حول حريات الأديان والمعتقد، إنه قد زار عدة أماكن للعبادة في المملكة، حيث توجد كنائس ومعابد لأديان مختلفة، وتمارس الطقوس الدينية بحرية، معتبرًا أن سمة التعايش الديني في المجتمع البحريني هي أمر إيجابي. وأشار المستشار بوسيل -الذي عاش في عدة دول عربية وإسلامية- إلى عدم إمكانية الاعتقاد التام بأن وضع الحريات الدينية في أي بلد هو مثالي -بما فيها بلاده فرنسا-، حيث تبقى هناك قضايا تشكل جدلية واختلافات حول الحريات الدينية في مختلف انحاء العالم. على صعيد متصل، دافع المستشار بوسيل عن «قانون الانفصالية» الذي كان قد اقر العام الماضي في فرنسا، مشددًا على أن القانون لا يستهدف الإسلام والمسلمين في فرنسا، بل يستهدف اقلية متطرفة هي من أساءت للإسلام والمسلمين، وصنعت ما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا». واعتبر المستشار بوسيل أن وسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورًا خطيرًا بالتأثير على الشباب الذين انضموا إلى جماعات متطرفة، معلقًا بالقول: أسوأ واعظ ديني هو «غوغل» وأسوأ «إمام» هو «تويتر». وفيما يلي نص المقابلة: ] حدثنا عن زيارتكم إلى مملكة البحرين. - هذه اول زيارة لي الى مملكة البحرين، لقد زرت جميع دول الخليج، وكان من المقرر زيارة البحرين في العام 2020، لكن بسبب جائحة كوفيد-19 لم تتم الزيارة. اليوم انا سعيد بوجودي في البحرين، والالتقاء بالناس، ومشاركتهم رؤيتي وانطباعاتي حول حرية الأديان والمعتقد الذي يشكل موضوعا مهما جدا. ] من وجهة نظركم، كيف ترون واقع الحريات الدينية في مملكة البحرين، لا سيما أنكم مطلعون بشكل جيد على دول المنطقة فيما يتعلق بالحريات الدينية؟ - بلا شك ان الوضع هنا مبهر، لقد قمت بزيارة عدد من أماكن العبادة هنا حيث توجد كنائس ومعابد وتعددية دينية، وهذا امر إيجابي لا سيما اذا قارنا هذا الواقع بدول أخرى في المنطقة، وفي العالم بشكل عام. ولكن ما اكدت عليه خلال مداخلتي في المؤتمر انه لا ينبغي ان نعتقد ان كل شيء مثالي في أي بلد في العالم بما فيها فرنسا، بالطبع حرية الدين والاعتقاد امر مهم جدا، وهو حق أساسي، والجميع يدعو إليه، لكن لا يتم دائما تنفيذه بالشكل الصحيح. اذ ان هناك عدة مسائل تتعلق بحرية الأديان، منها على سبيل المثال تغيير الفرد لدينه، او الزواج بين الافراد من ديانات مختلفة، جميعها قضايا ترتبط بحرية الأديان، لذا اعتقد ان كل دولة لديها وضعها الخاص، وموقفها من حرية الدين وتستطيع ان تقيمه. ] سأنتقل إلى فرنسا.. بتقديركم، كيف تقيمون أوضاع المسلمين داخل المجتمع الفرنسي؟ - بالطبع معظم المسلمين في فرنسا هم من أصول عائلات هاجرت الى فرنسا، لكن غالبيتهم اليوم ليسوا مهاجرين، بل هم مواطنون فرنسيون، ولدوا في فرنسا، وهم من الجيل الثاني من المهاجرين، وينتمون إلى المجتمع الفرنسي. بتقديري، ان معظم المسلمين الفرنسيين سعداء ان يكونوا في فرنسا، واشاهد ذلك بالكثير منهم، حيث الغالبية منهم يدرسون في ظروف جيدة، ويجدون وظائف، ويؤسسون شركاتهم الخاصة، واذا نظرت الى وزارة الخارجية الفرنسية ستجد ان لدينا عددا جيدا من الزملاء من الأجيال الجديدة الذين انضموا للعمل في الوزارة، وهم يحملون أسماء عربية ومسلمة تماما، لذا اعتقد ان المسألة الأساسية هي الاندماج. بالطبع الاعلام لا يتحدث عن ذلك، وهذا ما ينطبق عليه المثل الصيني «عندما تسقط شجرة يسمع الجميع، ولكن عندما تنمو الأعشاب فلا يسمع بها احد». لذا كما اسلفت، المسلمون في فرنسا غالبيتهم أتوا من المهاجرين، لكنهم ليسوا مهاجرين، وعادة تكون أوضاع عائلاتهم الاجتماعية متدنية الدخل، لكنهم يعملون بجدية، وفي وظائف غير جيدة، بالطبع ليس هناك ربط بين كونه مسلما ووضعه او هويته الاجتماعية، لكن الذي يحدث ان المهاجر عندما يأتي فيشتغل بوظيفة لا يرغب الناس بها لأنفسهم، لذلك ينتهي الامر بهم في الجانب غير المؤهل من المجتمع. كذلك الجانب الاخر يتعلق بظاهرة التطرف، فمثل جميع المجتمعات المسلمة، نجد ان المجتمع المسلم في فرنسا متأثر بهذه الظاهرة العالمية، حيث لا يوجد مجتمع محصن ضد ذلك، فمثلا لو افترضنا ان هناك 100 الف متطرف مسلم في فرنسا -مجرد افتراض- فهذا الرقم قادر على احداث مشكلة كبيرة واعمال تخريبية، لكن هذا الرقم قليل عندما نقارنه بـ7 ملايين شخص. لكن بالطبع يبقى الرقم مؤثرا ويخلق تحيزا في نظرة المجتمع. ] بصراحة، هل يعامل الفرنسيون مواطنيهم المسلمين على أنهم متطرفون مفترضون؟ - سأضعها في هذا الاطار، عندما انظر الى والدتي -وهي امراة كبيرة بالسن- تشاهد التلفاز وتسمع فقط عن مشاكل من اقلية صغيرة، فهذا يؤثر في انطباعات المجتمع، واعتقد ان مسؤوليتنا كسياسيين، ودبلوماسيين، وسلطات مدنية، واي شخص لديه مسؤولية مجتمعية تقوم على إعادة بعض الحكمة إلى الحوار العام. بالطبع الحكمة تعني عدم الإنكار، بل التحليل الموضوعي دون تعميم وتوظيف، وهذا يتطلب الحكمة من الجميع. ] خلال العقود الماضية ظهرت جماعات إسلامية متطرفة، لكن تنظيم داعش برز على نحو مختلف، لا سيما أنه نجح باستقطاب شباب ولدوا وعاشوا وأصبحوا مواطنين في مجتمعات مدنية علمانية -من بينها فرنسا- ومع ذلك اعتنقوا أفكارًا متشددة مبنية على الكراهية والعنف.. بتقديركم، أين الخلل؟ - هل أخفقت المجتمعات الأوروبية بشكل خاص باحتواء المهاجرين من المسلمين تحديدًا ودمجهم دون تمييز؟ أم أن الجماعات المتطرفة هي من نجحت بالتغلغل وسط مجتمعات المهاجرين من المسلمين واستغلال مشاعر العنصرية اتجاههم وتوجيههم نحو التطرف؟ لا تنسي ان الكثير من الذين قاتلوا في صفوف داعش أتوا ايضا من دول مغاربية، ومن القوقاز وجورجيا، وبالتالي نحن امام ظاهرة عالمية، لكنني واقعيا لست متأكدا على تقديم فهم أساسي لهذه الظاهرة. لكن من خلال العمل عليها مع المختصين، اعتقد ان الارهابيين مثل الأسلحة الكيمائية، تتكون من عدة عناصر، وعند تجميعها تنفجر، لذا اميل الى الراي ان لكل منتمٍ لداعش قصته، وشخصيته ومشاكله الخاصة، ومنها مشاكل نفسية، وأخرى اسرية، مثل انفصال الاب عن الام، او ان الاب اكبر من الام بكثير، وعاد الى بلده الأصلي، وعاش الولد منفردا، او وجود العنف في الاسرة. اما الفئة الثانية فهي ترتبط بعامل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فمثلا نعرف انه في فرنسا هناك الضواحي قرب مدن عظيمة، وفيها المواصلات العامة ضعيفة، والبطالة مرتفعة، والمدارس سيئة، وعندما تكون اجنبيا ستجد صعوبة بالعثور على فرصة عمل، لذا يجب ان يكون هناك تدريب للمعلمين والاسرة لتحديد المشكلة في الفئة الأولى، اما الثانية فبتقديري هذا تحدٍّ امام الحكومة. بالطبع هذا لا يعني ان كل شخص قادم من الضواحي هو إرهابي مفترض، كذلك هناك فئة ثالثة وهي الناتجة عن الازمة السورية التي اعتبرها «كارثة عالمية» وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في ذلك عبر استقاء المعلومات منها. بالطبع، ما حدث في سوريا اثر على الكثير من الشباب، يضاف الى ذلك القضية الفلسطينية التي لم تحل بعد والتي تبقى قضية مؤثرة لا سيما عند الشباب المستعدين لخوض أي مغامرة، اما الفئة الرابعة فهي المرتبطة بالتطرف الديني، عندما نتحدث عن نحو 70 عاما من نمو تأثير الإسلام السياسي، سواء الاخوان المسلمين او السلفين او الوهابية، وهي أنماط دينية لا تعني ان كل من يعتنقها سوف يصبح إرهابيا. وهذا النوع من المشاكل يوجد بنسب وطرق مختلفة، ولكل فرد طيف من الأسباب. اعتقد انه لكي نحارب هذه الظاهرة، يجب علينا ان نحارب أسبابها، سواء ايديولوجيا او اقتصاديا. ] لكن ألا تعتقد أن هناك تقصيرًا من قبل الجانب الرسمي في مسألة احتواء فئات كثيرة من المجتمع الفرنسي المسلم الذين شعروا أنهم فئات مهمشة، ما جعلهم يجدون هويتهم بالانتماء لجماعات متشددة؟ - كل المشكلات لم تأتِ من الحكومة، لكن هذا لا يعني أن الحكومة لا يجب عليها مراجعة ما إذا كان ما فعلته جيدا أو كافيا، اعتقد ان هناك مسؤولية جماعية تتعلق بالأب والام والمدرسة، والحكومة يجب ان نتعاون لايجاد حل للمشكلة. ] سأنتقل إلى قانون الانفصالية الذي كان قد أقر العام الماضي. فعلى الرغم من تأكيدات الحكومة الفرنسية أن القانون الذي اصطلح عليه «معزز مبادئ الجمهورية الفرنسية» ليس «ضد الأديان» بل يستهدف «الفكر الخبيث الذي يحمل اسم الإسلام المتطرف»، إلا أن ذلك لم يحد من حالة الجدل حوله. بتقديركم، هل القانون جاء ضد أنشطة الإرهابيين الذين يجعلون من الإسلام غطاءً لهم وبالتالي عمدوا إلى شيطنه القانون، أم أن فرنسا كانت بحاجة لقانون صارم يكافح الكراهية والتمويلات المشبوهة، لا سيما التي تأتي تحت غطاء عمل خيري، أم أن القانون فعلاً يستهدف المسلمين كما أثير حوله؟ - الحقيقة تفاجأت باعتقادك ان القانون يستهدف المسلمين. أؤكد لك انني اتقبل فكرة ان فرنسا ليست مثالية، ولكن في المشهد العالمي نشكل حقيقة في جانب الديمقراطية وحقوق الانسان، لذا لا يمكن ان يكون القانون يستهدف المسلمين، لكننا فعليا نواجه اقلية متطرفة ترفض القانون العام للمجتمع، هذا التطرف ليس له هوية محددة، فقد شهدت فرنسا أسوأ هجمات إرهابية في تاريخها من هذه المجموعات. انا شخصيا لدي الكثير من الأصدقاء المسلمين واتحدث معهم بانفتاح، لذلك لا يوجد ارتباط بين الإسلام وبين الإرهاب، وهذا الرابط لا اصنعه انا، بل يصنعه الإرهابي الذي يقتل الأبرياء وهو يردد «الله اكبر». انا لا اؤمن ان هذا الإسلام، بل هم من يؤمنون ان ما يفعلونه من جرائم هو الإسلام، وهم من صنعوا هذا الالتباس و«الاسلاموفوبيا» وبالتالي العداء للاسلام يأتي منهم. وهذا التأثير في المجتمع كان خطيرا جدا وكان يستوجب التحرك، ليس ضد الإسلام -كما تم الترويج- بل ضد من صنعوا العداء ضد المسلمين وارتكبوا جرائم ونسبوها للاسلام. في الحقيقة ان القانون لم يغير شيئا من واقع اساسيات حرية الدين والتعبير، وانما اعطى سلطات اكبر للحكومة لاغلاق حركات اتخذت من دور عبادة مقرات لها، واستخدمتها ضد اديان أخرى. اليوم لدينا في فرنسا نحو 3000 مسجد، في مقابل 17 مسجدا أغلقت لأنها أصبحت مراكز تجنيد لتنظيم «داعش». احيانا الأمر يتعلق بالواعظ. هل تعرفين ما نقوله في فرنسا؛ ما هو أسوأ واعظ؟ انه الشيخ «غوغل» والإمام «تويتر»، وهذا يعني ان مواقع التواصل الاجتماعي هي تقنيا وقانونيا صعبة جدا، وهي تعمل أدوات عابرة للحدود، لذا كنا سعداء عندما توصل الاتحاد الأوروبي قبل أسابيع لاتفاقية من اجل وضع تشريع جديد يعطي صلاحية اكبر لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي. نعم مواقع التواصل الاجتماعي عليها مسؤولية، لكنها ليس لديها سلطة سياسية، لذلك تقنيا الموضوع معقد جدا، كما اننا لا نريد ان نحارب الإرهاب بوسائل غير ديمقراطية. نحن ديمقراطيون، إذا تركنا الديمقراطية وتركنا قواعدنا القانونية لمحاربة الإرهاب، فإن الإرهاب يكون قد انتصر. يجب ان تكون هناك دائما ممارسات قضائية عادلة، ولأن الحكومة قد تتخذ قرارات خاطئة، وليس كارثة ان تخطئ الحكومة، لكن المهم ان يكون لديك القدرة ان تذهب الى القضاء لتحصل على حكم عادل. اعطي لك مثالا، في الشهر الماضي أغلق مسجد في مدينة بوفية، لكن المحكمة النهائية ألغت قرار الإغلاق لعدم وجود ادلة كافية على ان المسجد كان يستخدم للتجنيد، وهذا يعني اننا نعيش في دولة تتمتع بنظام قانوني. الامر الاخر، هو ان الغالبية من المسلمين الفرنسيين يوافقون على القانون لأنهم يعرفون انه يحمي الإسلام والمسلمين في فرنسا مما يمارس تحت اسم الإسلام، ولا يتركون هذا التوجه الشمولي يتحكم بدينهم. ] ماذا عن التمويلات في القانون، لا سيما أن الجماعات الإرهابية تستغل مفهوم التبرع والزكاة في الإسلام لتمويل إرهابها؟ - هناك التزام في القانون الجديد على المجموعات الدينية لأي دين بالشفافية المالية. بالطبع ليس ممنوعا استلام الأموال من الخارج، ولكن عليك ان تكون واضحا، واي جمعية او مجموعة في فرنسا يجب عليها نشر حساباتها، بحيث يمكن لأعضاء المجموعة معرفة أن التمويل واضح ونظامي. كما يعطي القانون للحكومة الإمكانية في تحديد إن كان هناك مصدر للمال غير واضح. كذلك بالنسبة للزكاة التي تدفع في المساجد، بحيث يكون معلوما الى أين تذهب هذه الأموال.
مشاركة :