بأسلوب بصري متفرد، يُطل الفنان المغربي الحسين إيلان على جمهوره من عشاق الفن التشكيلي والتعبير البصري، في معرضه المنظم في مدينة الدار البيضاء والذي يجمع كل أعماله الفنية المنجزة، لوحات غنية بالدلالات والتعابير الجمالية التي نهلت من التراث البصري المليئة بالإيحاء الجمالي التي تهز الكيان وتمنح المتلقي لذة بصرية تأخذه إلى عوالم السكينة والجمال، فالفنان الحسين إيلان برع، إلى حد ما، في تجاوز المألوف في اللوحة المغربية ليسبح في عالم من الألوان والأشكال، ورموز غنية بعمق دلالي وإبداع يؤشر على الفرادة والتجديد حيث الخطوط والتعابير الجمالية المشبعة بالخط والخدوش والأوشام ما يجعل تلك الأعمال تتجاوب روحياً وهندسياً مع تراث مغربي وإسلامي بأبعاد تجريدية تشكل فيه الألوان التربة المغربية وإرث الملابس التقليدية، ودلالات متنوعة راسخة في المخزون البصري والتراث المغربي المشبع بالألوان المشرقة والرؤى الصوفية والتأملية وثراء المغازي الروحية، حيث تتقابل العلامات والرموز المخزنة في ذاكرة الفنان ووعيه الباطني والتي يستلهمها من ذاكرة طفولة بعيدة، ومشبعة بالأشكال والرموز الروحية والخدوش والتزاويق التي يجترحها الفنان من ذاكرته البصرية، والتي تأخذه إلى أن يتصادم مع المألوف في التشكيل المغربي. موضوعات اللوحة، كما قال الناقد الفني محمد أشويكة، مشاغبة، فالمثلثات تتحول إلى سهام موجهة لإثارة السؤال مادامت تتضمن الأسهم، ويتأسس بناؤها التشكيلي على احتواء المثلث، فتصبحا مثلثاً داخل المثلث. وعن الفنان الحسين إيلان يقول الناقد الجمالي سمير بوسلهام، خلال افتتاح المعرض: عودنا إيلان في منجزاته التشكيلية على مواجهة الطابوهات، تلك المفارقات التي تنتمي في ثقافة كل مجتمع إلى هامش الخطاب، وتكون محتجبة عن اللغة والتداول، حيث يؤكد إيلان على تمكنه من جعل المحتجب مرئياً، ليصير كل معرض يقيمه، فرصة يفسح لنا فيها المجال لرؤية ما کنا راغبين عن رؤيته. أما الباحث في الجماليات حسن الوفاء فيقول عن أعمال إيلان: لقد بات اللون متحكماً فيه، كما أن الفنان يستشعر هنا أهمية التناغم داخل اللوحة، تناغم بين الفراغ والامتلاء يسمح للعين برؤية البياضات والتخوم لكي تقبض على تلك الرموز السحرية (حدوة حصان، قفل) بعد أن تم تعليقها في الفراغ والإمساك بها بقوة الألوان. زهد صباغي يعرض إيلان في هذه المحطة من مساره التشكيلي، 24 عملاً على أسندة مثلثة دائماً، بأسلوب يبدو عليه الزهد الصباغي، فهو لا يراهن على خلق تناغم بين الألوان كما لا يراهن على تمثيل مشهد يعكس البهجة في نفوس الناظرين. تقنية إيلان الصباغية بعيدة كل البعد عن وظيفة «الديكور»، لكنه في الوقت نفسه عمل غني بالدلالات التي يخلقها بواسطة الاشتغال بالرموز المقتبسة، فالفنان قادر على أن يجعله يفصح عن أبعاد استطيقية، بما يضمره من قبح ومن تناقضات وإحراجات، يصير المدخل إليها هو العمل البصري بوصفه عملاً إبداعياً يقتضي مقاومة، فالفعل الإبداعي هو بالدرجة الأولى مقاومة لكل أشكال الموت، كما يقول جيل ديلوز.
مشاركة :