انتهى المؤتمر السادس لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى انتخاب قيادة جديدة، وسط تكهنات متضاربة حول مصير ومستقبل العقيدة السياسية للحزب الذي شكل في السنوات الأخيرة قاطرة الأحزاب السياسية الراديكالية بسبب مواقفه المناهضة للسلطة والمنخرطة كليا في صف المطالبين بالتغيير السياسي الشامل والدخول في مرحلة انتقالية تأسيسية. وانتخب المؤتمر السادس للحزب القيادي عثمان معزوز أمينا عاما جديدا، خلفا لمحسن بلعباس، وسط حضور لافت لرموز المعارضة السياسية من أحزاب وجمعيات وشخصيات مستقلة، مما أعطى الانطباع بأن مؤتمر الحزب هو ندوة سياسية للمعارضة التي أفل نشاطها وحضورها منذ انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للجمهورية في أواخر عام 2019. وعلى غير عادة الأحزاب السياسية الجزائرية التي دأبت على اتباع نمط تزكية القائد، أو تفصيل المؤتمرات لحساب شخصية معينة، فإن أمانة حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية تنافس عليها مرشحان هما عثمان معزوز، الذي كان مكلفا في وقت سابق بمهمة الاتصال والإعلام، ومراد بياتور القيادي المكلف سابقا بشؤون التنظيم. ونال الرئيس الجديد للحزب 374 صوتا، فيما حصل منافسه الوحيد على 300 صوت، ليكون بذلك معزوز ثالث أمين عام للحزب المذكور، بعد كل من محسن بلعباس وسعيد سعدي، ويجري تكريس مبدأ التداول على القيادة رغم الاختلافات في الرؤية السياسية والخطاب والهوية. مؤتمر الحزب تحول إلى ندوة سياسية بعدما وجهت الدعوة للعديد من رموز المعارضة مثل عبدالعزيز رحابي وكريم طابو ويعد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من أقدم الأحزاب السياسية في البلاد، تبنى في بداية الأمر مسألة الدفاع عن الهوية الأمازيغية وكان من خصوم الإسلاميين، كما دعم مؤسسة الجيش في التدخل مطلع التسعينات لوقف المسار الانتخابي الذي استحوذت عليه آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ضمن مجموعة “إنقاذ الجمهورية”. وظل الحزب وفيا لمبادئه العلمانية والديمقراطية، ولمعاداة الإسلاميين؛ ولذلك ظل حزبا جهويا يرتكز على وعائه في منطقة القبائل فقط. إلا أنه منذ المؤتمر الرابع الذي جاء بمحسن بلعباس أمينا عاما بدأ الحزب يراجع عقيدته السياسية ومواقفه تجاه المعارضة والسلطة؛ حيث فتح أبواب الحوار مع جميع الفعاليات السياسية والأيديولوجية -بما فيها الإسلامية- المؤمنة بحتمية التغيير السياسي في البلاد للخروج من عزلته، في حين صعّد خطابه تجاه السلطة. وكان الحزب أول المنددين بنشاط حركة استقلال القبائل “ماك”، وبموقف الداعمين لها في المنطقة، وشدد على حتمية الوحدة الوطنية والترابية للجزائر بقوله “لا قبائل بدون الجزائر ولا جزائر بدون القبائل”. وشغل الرئيس الجديد منصب مسؤول الإعلام والاتصال، كما كان نائبا للحزب في البرلمان، وكان من الناشطين البارزين في مختلف الفعاليات الحزبية والشعبية رغم المضايقات التي تعرض لها الحزب، حيث كان محل تحذير في العديد من المرات من طرف وزارة الداخلية حول ما أسمته بـ”الأنشطة غير المرخصة” و”فتح مقار الحزب لفعاليات غير شرعية”. وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر التي مثلت آخر ظهور له في قيادة الحزب الراديكالي، دعا محسن بلعباس إلى “تنظيم حوار وطني حقيقي لتجاوز انعدام الثقة بين السلطة والشعب”. محسن بلعباس: السلطة في الجزائر تفتقد إلى خطة إصلاح اقتصادي وقال بلعباس “السلطة تفتقد إلى خطة إصلاح اقتصادي تساهم في تحرير المجال من قيود سياسة الريع، الذي تسبب في انهيار القدرة الشرائية والبطالة وارتفاع الأسعار وتراجع الدينار مقابل العملة الصعبة”. وطالب الحكومة بتحديد أسباب تفاقم الهجرة غير الشرعية والعمل على معالجتها في أسرع وقت، لاسيما وأن العدد الحقيقي للأدمغة الجزائرية -خاصة الأطباء- التي هاجرت أكبر بكثير من الأرقام الرسمية المقدمة. وتزامن خطاب رئيس “الأرسيدي” (الاختصار اللاتيني لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) مع عثور مصالح مطار الجزائر الدولي على جثتي شابين جزائريين داخل طائرة، بعدما حاولا الهجرة بالتخفي في مكان عجلتي طائرة مملوكة للخطوط الجوية الجزائرية المتوجهة إلى مدينة برشلونة الإسبانية. ولفت إلى أن الحكومة تماطل في إقرار تعويضات مالية للعديد من الفئات التي تضررت من جائحة فايروس كورونا. وتحول مؤتمر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى ندوة سياسية غير معلنة للمعارضة، بعدما وجهت الدعوة للعديد من رموز المعارضة الحزبية والشخصيات المستقلة والجمعيات، على غرار عبدالعزيز رحابي وأحمد بن بيتور ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المرخص له كريم طابو والقيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية علي العسكري وعدد من المحامين والحقوقيين، كنور الدين بن يسعد ومصطفى بوشاشي وزبيدة عسول. وتناوب هؤلاء على منصة المؤتمر للإدلاء بأفكارهم وتصوراتهم السياسية، فكان الإجماع على ضرورة فتح حوار وطني شامل وجاد وإطلاق حزمة من الإجراءات للتهدئة السياسية وإطلاق سراح معتقلي الرأي، كما انتقد بعضهم ما أسموه بـ”انفراد السلطة بالقرار والإفراط في سياسة الغلق والتضييق السياسي والإعلامي على المعارضة”. ولم يحد الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي عما عبر عنه نظراؤه، ولئن كان من ضمن ضيوف الرئيس تبون مؤخرا في إطار سلسلة من المشاورات السياسية، فقد ظل يمثل أحد رموز المعارضة خلال السنوات الأخيرة. وكشف رحباني عن موقف وُصف بـ”المفاجئ” عندما قال “أطالب بإطلاق سراح معتقلي الرأي وليس مرتكبي جرم القذف”، وهو المصطلح الذي تبرر به السلطة توقيف وسجن هؤلاء في الغالب.
مشاركة :