من المفيد نفض الصخب المتضارِب الدائر واستخلاص المعانى المهمة فى الحكم فى قضية النزاع بين جونى ديب وطليقته أمبر هيرد، فقد خلُص المحلفون إلى أنها كذبت، فيما ذكرته فى مقال منشور فى صحيفة ذائعة الصيت، عندما زعمت أنها كانت ضحية للعنف الأسرى، وأكد المحلفون أنها تصرفت بخبث حقيقى ضد ديب برغم أنها لم تشر صراحة إلى اسمه، لأنه كان سهلاً على دفاع ديب أن يثبت أنه هو المقصود، لأنها لم يكن لها زوج آخر ولا تجربة أسرية أخرى، وهو ما جعله يحرك دعواه ضدها للتشهير الذى قامت به. وهكذا، سارت القضية أساساً فى إطار أن تثبت هيرد مزاعمها، فلما عجزت كانت إدانتها، وتغريمها بمبلغ 15 مليون دولار تعويضاً لديب عن الأضرار التى لحقت بسمعته. وكان ذكاء دفاع ديب فى أن يحصر القضية فى حدود مزاعم هيرد، وأن يزيح جانباً محاولات التشتيت بخلط تطاولها بحرية التعبير، أو باستغلال التعميم الشائع بأن الرجال يمارسون العنف ضد النساء. وقد نجح الدفاع فيما خطط له، برغم قوة الحركات النسائية التى انحاز الكثير منها تلقائياً لهيرد، وبرغم ان الرأى العام الأمريكى متعاطف فى السنوات الأخيرة مع النساء بعد فضائح التحرش بهن خاصة من بعض الرجال المشاهير ذوى السلطة والنفوذ. وقد جذبت القضية أعداداً هائلة من المتابعين حتى على حساب الاهتمام بالنزاع الروسى الأوكرانى وتوابعه الذى كان متصدراً قبل نظر القضية. يؤكد مسار ونتيجة هذه القضية أن أكثر الدول ممارسة لحق حرية التعبير، تضع حدوداً فاصِلة بين هذا الحق، الذى يجب أن يُصان ويَحظى بالحماية ما دام أنه يلتزم بالمسئولية، وبين إلقاء اتهامات مرسلة يعجز القائل بها عن إثباتها، خاصة مع علمه بأنه يكذب. وكما أن هناك قضايا يكسب فيها صاحب الرأى الذى قد يحتد، ما دام أن لديه الأدلة، فإن هناك من يخسر لتطاوله، وعليه أن يُذعِن للعقاب الذى يَردّ الاعتبار لضحيته. إن التهاون مع مفتقدى المسئولية فى ممارسة حرية التعبير، لا يقل خطورة عن إفساح المجال لأعداء الحرية.
مشاركة :