الزراعة المستدامة سلاح يحمي من مخاطر التغير المناخي

  • 6/7/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تزور مزرعة سامبسون كيلي ستشعر بأنك انتقلت إلى العيش في البرية بمنطقة ساحرة، فالمكان سيغمر كيانك بأحاسيس الفتنة والجمال، حيث تنمو حولك الأشجار العملاقة في الحديقة الأمامية، بينما يتطاول نبات البامبو الضخم إلى عنان السماء، وتنمو بينها أشجار صغيرة من التين والليمون والخروب إلى جانب شجيرات البن والزنجبيل. وعلى مسافة أخرى، يمكن للمرء سماع صياح الإوز والدجاج، وقد يبدو في المشهد نوع من الفوضى، ولكن النظام يسود بالتأكيد في هذه المزرعة التي أطلق عليها اسم “سيلك فارم” (مزرعة الحرير)، والكائنة ببلدة مونت كمبلا بإقليم نيو ساوث ويلز الأسترالي. وأقامت سامبسون كيلي، وهي أم لطفلين وتبلغ من العمر 55 عاما، هذه المزرعة الحديثة التي تبعد عن مدينة سيدني من ناحية الجنوب بمسافة تقطعها السيارة في ساعتين. وتم تصميم المزرعة على أسس مبادئ الزراعة المستدامة، وهي منهاج يراعي الحفاظ على البيئة والاعتبارات الأخلاقية في ما يتعلق بإدارة الأراضي. وتفخر كيلي بما لديها في المزرعة من حياة نباتية خصبة ووفيرة، حيث ينمو 200 نوع من النباتات في مزرعتها البالغة مساحتها 1600 متر مربع، ومن بينها أشجار الموز والجوافة والمانغو، ومحاصيل القلقاس والبطاطا الحلوة، ومجموعات من الأعشاب المتنوعة، وبذلك حققت أسرتها الاكتفاء الذاتي من الطعام. التركيز على قدر أكبر من المرونة والاعتماد على الذات مهمّان عندما يطبق المرء تصميما متكاملا لمنهاج الزراعة المستدامة ويقول ديفيد هولمغرن، المؤسس المشارك لحركة الزراعة المستدامة منذ أكثر من 40 عاما، إن أهداف الحركة تشمل إتاحة الأغذية لأسرتك مباشرة من حديقة منزلك، ويضيف “بعض الناس يصفونها بأنها شكل رائع من أشكال زراعة الحدائق بطريقة عضوية، وهي نظام لتصميم الحديقة أو المزرعة من أجل الاستخدام المستدام والمرن للأرض والمعيشة”. ونشر هولمغرن، وهو خبير في شؤون البيئة ومصمم للمساحات الزراعية بشكل يحافظ على البيئة بالاشتراك مع عالم الأحياء بيل موليسون كتاب “الزراعة المستدامة أولا” في عام 1978، والذي أوضح فيه 12 أساسا لهذه النوعية من الزراعة. ويتضمن الكتاب الذي يعد دليلا استرشاديا عدة أفكار عملية، مثل استخدام الطاقة المتجددة وتجنب إلقاء النفايات، مع تطبيق شعارات مثل “ابحث عن الحلول الصغيرة ذات الإيقاع البطيء”، وكل هذه الأسس تهدف إلى تحقيق الإنتاج الزراعي الذي يمكن الناس من البقاء على قيد الحياة في تناغم مع الطبيعة. وقال هولمغرن “يتم تطبيق الزراعة المستدامة بالعديد من الطرق اعتبارا من المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية إلى البيئات الريفية، ومن المناطق ذات الشرائح الاجتماعية الأكثر ثراء، إلى بعض أكثر المناطق فقرا على كوكب الأرض”، موضحا أن أسس الزراعة المستدامة ذات طابع عالمي، ومع ذلك تختلف التصميمات على الأرض، بشكل يتوقف على نوعية النباتات التي ترغب في زراعتها، وأيضا على الموقع في حالة ما إذا كنت في المنطقة المدارية بشمالي أستراليا، أو في وسط أوروبا حيث المناخ المعتدل. ورغم أن مزرعة “سيلك فارم” ببلدة مونت كمبلا تبدو وكأنها جزء من البرية البكر، يمكن في الحقيقة تطبيق تصميم دقيق للزراعة بها، حيث يتم تزويد النباتات التي تحتاج إلى مياه كثيرة بمياه أعيد تدويرها، بينما تكفل مجموعة الأشجار العالية ظلالا للنباتات، كما أن النباتات ذات الأشواك المزروعة كسياج حول المزرعة، تحول دون دخول الحيوانات غير المرحب بها. Thumbnail ويتزايد باطراد الاهتمام بالزراعة المستدامة على مستوى العالم، ويتم أيضا تدريسها حاليا في الجامعات، كما أصبح الشغف يتملك الناس لمعرفة أسس هذه الطريقة، مع تزايد مخاوفهم من حدوث نقص في المواد الغذائية مستقبلا، وتزايدت جاذبية فكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وسط توقعات بحدوث ندرة في الأغذية. وأضاف هولمغرن “من الناحية العملية، عندما يطبق المرء تصميما متكاملا لمنهاج الزراعة المستدامة، يتم التركيز على قدر أكبر من الاعتماد على الذات، وعلى قدر أكبر من المرونة، وهو ما يعني بلغة التغير المناخي التكيف مع الأوضاع المستجدة، وتجد أيضا أنك تعمل تلقائيا على تخفيف كمية الانبعاثات الغازية التي تسبب الاحتباس الحراري، حتى لو لم يكن هذا هو دافعك الأصلي”. ويتساءل الكثيرون في مختلف أنحاء العالم حاليا عما إذا يمكن للزراعة المستدامة أن تصبح حلا في إطار الكفاح ضد التغير المناخي، وعما إذا كانت مفيدة من الناحية التجارية عند تطبيقها على نطاق واسع. الكتاب يعد دليلا استرشاديا ويتضمن عدة أفكار عملية ويرى فلوريان ويتشرن، أستاذ الزراعة المستدامة بجامعة راين وال للعلوم التطبيقية في ألمانيا، أن الزراعة المستدامة لم تشهد خطوات تنفيذية ملحوظة على المستوى السياسي، غير أن مفهومها وصل إلى الكثير من المواطنين. ويقول إن أولئك المواطنين تدفعهم الرغبة في دعم وجود عالم أفضل، إلى جانب “إدراك أنه يجب أن يحدث أيضا تغيير في الأفعال بسبب الأزمات البيئية المختلفة”. ويرى هولمغرن أن الأسس التي أوضحها للزراعة المستدامة لديها إمكانية للإسهام في إحداث تغيير في طريقة التفكير على مستوى العالم، ويقول “وصف بعض الناس الزراعة المستدامة بأنها بمثابة ثورة متنكرة على هيئة زراعة البساتين والحدائق”، غير أنه يتعين الانتظار لنرى ما إذا بإمكان هذه التعليمات أن تحدث تغييرات على أرض الواقع وعلى مستوى العالم. ومهما كان الأمر، يمكن لأي شخص، بل لكل شخص، أن يبدأ بإحداث التغييرات المطلوبة على نطاق صغير. وتوضح سامبسون كيلي التي تقدم أيضا ورش عمل حول الزراعة المستدامة بمزرعتها، قائلة “يجب أولا الإجابة على هذا السؤال: ما الذي يجعلني أفقد المغذيات التي أضعها في التربة، وأخسر كمية الطاقة التي أستخدمها؟ وكيف يمكنني منع ذلك؟”. وتنصح كيلي من يرغب في استخدام طريقة الزراعة المستدامة بأن يبدأ بالاستفادة من بقايا الأطعمة الموجودة في المطبخ على سبيل المثال، وتقول “توجد دائما فضلات للأطعمة في المطبخ، وهذه تعد مصدرا لتغذية النباتات يمكن نقله بسهولة إلى مزرعة للديدان”، وتضيف أن الدود يقوم بتحويل فضلات الطعام إلى كومبوست، أي سماد عضوي لتغذية نباتات الحديقة، وهكذا تدور دورة حياة النباتات.

مشاركة :