بقلم | خلود السالمي اصبر على مُرّ الجفا من معلّمٍ، فإن رُسوبُ العلم في نَفراتِهِ، ومن لَم يذُق مُرَّ التّعلُّمِ ساعةً، تَذَرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حياتِهِ . يقولون إنّ أُمّة تقود الأُمم لا بدّ أن تبدأ بالصغار، وكيف نبدأ بالصغار إلّا إذا بدأنا بالمعلِّمين؟ ونحن حينما نحتفل بيوم المعلم، فلم نحتفل بهم من فراغ، بقدر ما نحتفل بهم بسبب قيمتهم الدينية، والوطنية، والاجتماعية، تتعدّد الوظائف من حولنا، فالمحامي مثلاً معنيٌّ بإحقاق الحق، والطبيب حريص على علاج المرضى وتقديم ما يلزم صحتهم، والمهندس مسؤول عن إعمار الجسور والطّرق، ورجل الأمن يقوم بمهامه الأمنية، أمّا المعلّم فهو من صنع ويصنع كلُّ هؤلاء وغيرهم، ولأجل ذلك يجب أن يكون للمعلّم شأنٌ عظيم ومكانة مرموقة بين أفراد مجتمعه. أعلم بأنّ مُنظّمة اليونيسكو في عام 1994م قررت الاحتفال بالمُعلّم؛ نظرً لدوره الكبير الذي يقوم به تعليماً وتربية، كما أعلم أنها قررت يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول من كُلّ عام للإحتفال بالمعلم على مستوى العالم، وكان السّبب في اختيار هذا اليوم تحديداً مصادفته اليوم الذي تم فيه التّوقيع على التّوصيّة المُشتركة المُتعلّقة بأمور المُعلِّمين، وذلك في عام 1966م ورغم احترامي لهذه المنظمة وهذا اليوم والتاريخ ، إلّا أنّني أرى أيام المعلم والمعلمة كلها أعياد، لأنهم يومياً يساهمون في بناء الوطن وطنه، وصنع الأجيال العاشقة لدينها ووطنها . المعلم له مكانة ذُكِرت في القرآن الكريم حيث قال تعالى : “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب، وعلى مستوى الأحاديث النبوية قال صلى الله عليه وسلم متحدثاً عن نفسه : ( إِنّ الله لم يبعثني مُعْنِتا ولا مُتَعَنِّتا ولكن بعثني مُعَلِّما مُيَسِّرا). ورسالتي هنا أوجهها للمعلمين والمعلمات: ليس هناك أعظمُ مكانةً مِن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو سيِّدُ ولَد آدم، وخلِيلُ ربِّ العالَمين، وأولُ شافِعٍ ومُشفَّع، وأولُ مَن تُفتَحُ له أبوابُ الجِنان، وهو صاحِبُ الحَوضِ المَورُود، والمقامِ المحمُود، ومع ذلك كلِّه لم يكُن أحدٌ أكثرَ تواضُعًا مِنه -صلى الله عليه وسلم-. فيجب علينا أن نتواضع مهما وصلنا في مراحل تعليمنا، لأن من أعظم صفات المعلم حُسن الخلق. والاقتداء بنبيّ الأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، إنّ التواضع من خصال المتقي، وبه التقي إلى المعالي يرتقي . ومن أبجديات التواضع وحسن الخلق احترام الطلاب والطالبات، والاستماع لهم بعنايةٍ واهتمام، ومبادلتهم التَّحيةَ والسَّلامَ، والسؤال عن مريضِهم ويعودَهم إن تيسَّرَ له ذلك، ليتفقد أحوالَهم، ويمدَّ يدَ العون والمساعدة لمحتاجهم، ويقبلّ هديتَهم مهما صَغُرَت ويكافئهم عليها، ويباسطَهُم في بعض الأحيان ولا يأنَفَ من ذلك، ويكون معهم هيناً ليِّناً لا فظَّاً غَلِيْظَاً. كم أتمنى أن لا يكون يوم المعلم مجرد يوم حفيل بالعبارات والتكريمات والإهداءات بل نطبقه دوماً لأنّ أيام المعلم كلها أعياد.
مشاركة :