إيقاف قناتي الميادين والمنار

  • 12/16/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أن آخذك معي قارئي الكريم إلى الحديث عن الحرية التي يتشدق بها كثيرون وكثيرات ومنهم أولئك الذين أوتوا من سوأة الطائفية ما أشبع أمة العرب والمسلمين ضعفاً وهواناً وهم في انتظار المزيد، لك كل الحق في أن تسألني هذا السؤال العفوي البديهي الذي يمكن أن يسألك إياه أبناؤك وأخواتك وإخوانك ومن هم معك في البيت والمدرسة والحي، سؤالاً يلامس الحس الإنساني ويؤكد على أن الحرية بصفتها عنواناً للكرامة الإنسانية والاحترام ثابت من ثوابت الإنسان منذ ولادته: هل هناك منا من لا يعشق الحرية ويهفو إليها؟ أنا متأكد أن إجابتك الفورية هنا ستكون لا قطعية، وسترفض أي نقاش يخضع مفهوم الحرية للمساومة. فليس بمستغرب على كل عاشق للحرية وساعٍ لها ومتشبث بسيادتها في كل مناويل الحياة وفي إطار ثنائية الحق والواجب، أن يدين بكل ما أوتي من حس وطني وثقافة ومعرفة، كل قرار قامع لها، وحاد من منسوبها في وجدان الناس وفي حياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. لست ممن يعتقدون، بأي حال من الأحوال، أن من تكون الكتابة الصحفية حرفته أو هوايته، لا فرق، ومن يكون المكرفون أداته يسعد عند سماعه أن هذا القلم قد تم تجفيف حبره وأوقف عن الكتابة عنوة، أو أن ذاك الصوت قد أسكت بقوة قوانين الكبت، أو بنزع موصلات الطاقة الكهربائية، وأنه منع من إبلاغ ما تتضمنه خطاباته من مقاصد إنسانية بمستوى من الحرية لا يبعث الشك في مصداقية ما كتب أو قال. لماذا أقول ذلك؟ لأنه، ببساطة يمكن أن يكون المصير نفسه هو مصير هذا الكاتب أو ذاك الإعلامي أينما حل في المكان والزمان. لكن عندما تصبح الحرية مطلقة دون قيد، ومصدر تهديد للاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي في الأوطان، أو عندما تكون مطية لبث الفرقة بين المكونات الاجتماعية فعند ذاك فحسب تكف الحرية عن أن تكون حرية لتدخل وبشكل سافر في خانة العبث والعداء الوطني ويكون ساعتها، لزاماً على كل المحبين للحرية ورافعي راياتها والمدافعين عنها أن يتصدوا لما يقوض أركان المجتمع، ويعود به القهقرى إلى ما قبل التمدن. فالحرية أيا كانت الخلفية الفلسفية التي نتناولها بها لا معنى لها من دون المسؤولية التي تعد ركناً رئيساً من أركان هوية الإنسان كائناً اجتماعياً. ما القصة من وراء الحديث عن الحرية هنا؟ أحكي لكم. في سياق الحديث عن حرية الرأي والتعبير أن بعض الآراء الشاذة من بعض السلفيين والمؤدلجين والمذهبيين قد قفزت في غضون الأيام القليلة الماضية تلطم تباكياً على قرار عربسات بوقف قناتي الميادين والمنار. والقارئ العزيز على علم بهاتين القناتين اللتين لهما الأثر الواضح في تدمير النسيج الاجتماعي في عدد كبير من بلدان مجلس التعاون خاصة والدول العربية عامة. فصيتهما بلغ عنان السماء في ضخ الكلام الكاذب والصور المزيفة والمفبركة من خلال تقارير مخابراتية أسهمت في الدفع بتسريب الدعاية الإيرانية والتبشير بحضورها في كافة ملفات المنطقة العربية المشتعلة، وكان عائدها على شعب دول مجلس التعاون عموماً وعلى المملكتين السعودية والبحرينية زرعاً طائفياً مذهبياً نحتاج إلى أزمان لتجاوز معضلاته. نعم إنها الحقيقة فقد صار الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي على صفيح ساخن ويزداد سخونة مع كل لحظة بفعل هذا الضخ المدعوم بالمال الإيراني. وصار من اللازم التدخل لوقف هذا العبث. من صور اللطم والكلام الذي لا علاقة له لا بالمنطق ولا بالحقائق القائمة على الأرض هنا، التعليق البائس الذي أوردته وزارة الإعلام السورية في بيانها ونشرته وكالة الأنباء الرسمية، إذ يقول هذا البيان إن القرار يعتبر استمراراً للنهج السعودي القمعي ضد المؤسسات الإعلامية والفكر المستنير الحر وثقافة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا البيان ينم عن كراهية وليس عن موقف منطقي إزاء ما تبثه القناتان وسائر القنوات الأخرى التي تبث من أقمار أخرى، وأيضا إزاء السوشل ميديا التي تضخ من جانبها ما يتكامل مع ما تبثه هذه القنوات. ثم أي فكر مستنير هذا الذي ترعاه دولة ملالي إيران بواسطة حزب الله الإرهابي؟! وأي ثقافة مقاومة هذه التي تصوب أسلحتها إلى الشعب السوري؟! وإني لأعجب حقيقة وأتساءل: لِمَ جمعية الوفاق لم تشارك في حفلة هذا اللطم حتى كتابة هذا المقال من خلال موقعها الالكتروني؟ وإني لمتأكد من أنها ستفعل حتماً، لإظهار تضامنها مع حزب الله الإرهابي. لا شك أن وكالة الأنباء السورية الرسمية على علم بأن المملكة العربية السعودية تمتلك أكثر من خمس وثلاثين في المئة من أسهم قمر عرب سات، وهي رئيس مجلس إدارته، وعلى علم يقيني، بحكم المتابعة اليومية، أن محتوى ما تبثه قناتا الميادين والمنار ليس إلا سياسات إيرانية حاقدة موجهة في قالب إعلامي يحاول النيل من المملكة العربية السعودية ومن دول مجلس التعاون. هذا واقع مؤكد لكل من يتابع هاتين القناتين ومن لف لفهما من القنوات الإيرانية وعلى رأسها القناة الأم، وأقصد القناة التي لا صلة شبه لها باسمها وهي قناة العالم. لقد كان البيان الصحفي الذي أصدرته عربسات صريحاً في توضيح السبب الذي دعا المؤسسة إلى وقف بث هاتين القناتين، إذ أشار إلى أن هاتين القناتين (الميادين والمنار) قامتا بالإخلال بشروط التعاقد وبنوده القانونية وتجاوز نصوص العقد وروح ميثاق الشرف الإعلامي العربي، الذي ينص بشكل واضح على عدم بث ما يثير النعرات الدينية والطائفية أو الإساءة وتجريح الرموز السياسية والدينية المعتبرة وعدم بث ما يؤدي إلى الفرقة بين أبناء الأمة العربية. هذا التصريح يرفع كل لبس يمكن أن يكون قد ترافق مع قرار الوقف. شخصياً أتمنى من كل القائمين على الأجهزة الإعلامية في دول مجلس التعاون تحديداً أن تتخذ إجراءات مماثلة تجاه كل الأصوات النشاز التي تدفع بالعلاقات الاجتماعية إلى مستويات منحطة لتقويض السلم الاجتماعي، ويفتح الطريق لانتشار الفوضى والدمار، فحريتي لا معنى لها من دون وطن آمن منيع عصي على ذوي القلوب المريضة والأجندات المشبوهة.

مشاركة :