أصبحت الطائرات المسيرة خلال السنوات الأخيرة، «عنصرًا بارزًا»، في صناعة الدفاع العالمية، و«بديلاً»، للطائرات الهجومية المتقدمة باهظة الثمن والمعقدة لوجستيًا. وعلى وجه الخصوص، أصبح الشرق الأوسط «مركزًا»، و«مسرحا»، لاختبارات فعالية استخدامها في النزاعات المختلفة. ومن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إلى الحرب الأهلية السورية، والحرب في اليمن، والصراع بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020، تم استخدام هذه الطائرات، كأسلحة قتالية قصيرة وطويلة المدى، فضلا عن مهام الاستطلاع والأدوار اللوجستية. ومع اعتماد دول الشرق الأوسط تاريخيًا على استيراد الأسلحة، وخاصة من الولايات المتحدة، وروسيا والصين، فقد أتاح إدخال الطائرات المسيرة -المنخفضة التقنية نسبيًا والفعالة من حيث الكلفة- الفرصة للقوى الإقليمية، مثل السعودية، والإمارات، ومصر، وتركيا، وإسرائيل، وإيران، لتطوير وتصنيع أنظمة الأسلحة الخاصة بها بكلفة أقل، فضلا عن إمكانية تصديرها إلى الخارج، مع فائدة إضافية تتمثل في تحسين العلاقات والشبكات الدفاعية مع البلدان الأخرى المستوردة لهذه الأنظمة. ومع ذلك، تُثبت نجاحات العديد من البلدان في هذه العملية حتى الآن؛ الكثير من العواقب الجيوسياسية الواضحة لانتشار الطائرات المُسيرة الهجومية في المنطقة. ولتوضيح كيف تختلف الطائرات التقليدية عن الطائرات المسيرة، أوضحت شبكة «بي بي سي نيوز»، أن الأخيرة يتم استخدامها عادة «في المواقف التي تعتبر فيها العملية محفوفة بالمخاطر أو صعبة للغاية»، وبالتالي، فهي مناسبة للمهام القتالية حتى لا تخاطر بسقوط ضحايا بشرية». ونظرًا لأن بعضها لا يتطلب سوى وحدة تحكم واحدة موجودة على الأرض، يتم أيضًا توفير الوقت والمال اللازمين لتدريب أطقم الطيران للتعامل مع الأسلحة المعقدة. وتتباين أنواع الطائرات المسيرة بدرجة كبيرة. وكما أوضح «جون تشيبمان»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، فإن المُستخدم منها في جميع أنحاء العالم «يتراوح من الأنظمة الصغيرة، التي تستخدمها المجموعات غير الحكومية، إلى الكبيرة بعيدة المدى، التي يُمكن تزويدها بأجهزة استشعار وأسلحة جو - أرض». وفي حين أن أكثر الطائرات المسيرة «تقدمًا»، المتوافرة حاليًا لا يمكن مضاهاتها بالمقاتلات التقليدية من حيث السرعة أو المدى أو القوة النارية؛ فقد أوضح «كريستيان هيتزنر»، في مجلة «فورتشن»، أنه في حالة الطائرة المسيرة التركية «بيرقدار تي بي 2»، فإن «سعرها يقدر بأقل من مليون دولار، وقابلة للاستخدام بسهولة مقارنة بالأسلحة الأخرى العالية التقنية»، حيث لا يُقارن هذا السعر بالكلفة العالية لطائرة «اف 35»، الأمريكية العالية التقنية، والتي حددتها مجلة «فوربس»، بأنها لا تقل عن 78 مليون دولار، فضلًا عن كلفة الصيانة العالية. وعليه، تبنى العديد من دول الشرق الأوسط، برامج الطائرات المسيرة المصنعة محليًا لتوفير قدرات فعالة من حيث الكلفة. يضاف إلى ذلك، الواقع الحالي المتمثل في أن الدفاع ضد الطائرات المسيرة -بما في ذلك ما يُسمى بـالطائرات الانتحارية، التي تهدف إلى الاصطدام عمدًا بالهدف وهي محملة بالمتفجرات - قد مثلت «تحديًا كبيرا». وأوضح «دوج باري»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن الدفاع ضد الهجمات المشتركة للطائرات المسيرة والصواريخ لها «مشكلة مزعجة، وستصبح أكثر إلحاحًا». وفي السنوات الأخيرة، هناك دلائل واضحة على القيمة القتالية للطائرات المسيرة الهجومية. وأشار «بول إيدون»، في مجلة «فوربس»، إلى استخدام «أذربيجان»، الناجح لها ضد «أرمينيا» عام 2020، ما جعل هناك اهتماما متزايدا باستخدامها. وأضاف «فيديريكو بورساري»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، أن الطائرات المسيرة، وما يُطلق عليها «الذخيرة المتساقطة» - وهي صواريخ قادرة على البقاء في الجو حتى يتم تحديد الهدف- قد «حققت أداءً جيدًا في مناطق الحرب، مثل ليبيا، وسوريا»، و«جذبت الانتباه كونها أكثر فعالية من حيث الكلفة بين أنظمة الضربات الدقيقة المتوسطة وطويلة المدى». وخلال الحرب في أوكرانيا، تم الاعتراف بأن الطائرة التركية «بيرقدار تي بي 2»، قد مثلت عونا كبيرا للمدافعين. وأشار «إيدون»، إلى أن «أداءها الناجح في القتال، ضد الوحدات البرية الروسية، لم يخيب آمال الأوكرانيين»، كما عزز من مكانة صناعة الدفاع التركية. وفي إدراك لفعاليتها الواضحة، سعى العديد من بلدان الشرق الأوسط إلى تطوير وإنتاج ترساناتها من الطائرات المسيرة. وأشار «بورساري»، إلى أن «الرياض»، و«أبو ظبي»، و«القاهرة»، و«طهران»، هي «الأكثر نشاطًا»، في تعزيز أساطيل الدفاع الخاصة بها من الطائرات المحلية الصنع». وتجدر الإشارة إلى أن «تركيا»، هي التي «قادت الطريق» في هذا المجال، حيث جنت «الفوائد الجيوسياسية من إنتاج وبيع الطائرات المسيرة». وأوضح «بورساي»، أن «سنوات تطوير الخبرة التكنولوجية القوية والقاعدة الصناعية»، كانت حاسمة لنجاحها في هذا الصدد، مضيفا أن «بيرقدار تي بي 2»، هي «الأكثر مبيعًا في التاريخ»، حيث تستخدمها بالفعل عشر دول، و«يتفاوض الكثيرون للحصول عليها»، كما أن شركة «بايكار»، المُصنعة لها، «ارتقت في صفوف الشركات العالمية المصنعة للطائرات المسيرة»، من خلال تقديم «أنظمة مبتكرة ورخيصة نسبيًا»، كبدائل للأسلحة الأمريكية، أو الروسية، أو الصينية. نتيجة ذلك، أكد أن أنقرة أصبحت الآن «قوة عالمية في صناعة الطائرات المسيرة». وبالإشارة إلى اعتماد «السعودية»، و«الإمارات»، حتى الآن على الطائرات المسيرة الصينية»؛ توقع «بورساري»، أن الدولتين «يمكن أن تتحولا تدريجيا نحو الأنظمة المحلية، التي يسهل صيانتها ودمجها في هياكل القيادة والسيطرة الخاصة بهما». وتعد «مصر»، و«قطر» من بين أولئك الذين يصممون ويصنعون طائراتهم المسيرة. ومؤخرًا، عرضت «القاهرة»، طائرتها القتالية الجديدة من طراز «طيبة 30» في معرض دفاعي، فيما تعمل شركة «برزان» القطرية، على العديد من أنظمة الطائرات المُسيرة التي تحلق على ارتفاعات عالية طويلة البقاء في الجو»، بالإضافة إلى إنتاج «مركبات أرضية غير مأهولة»، بالتعاون مع شركة «راينميتال» الدفاعية الألمانية. وفي الوقت الحالي، أصبحت مسألة تطوير القدرات الدفاعية الإقليمية ذات أهمية متزايدة لدول الشرق الأوسط. وتسعى «السعودية»، إلى زيادة توطين احتياجاتها الدفاعية من أقل من 2% في عام 2018، إلى توطين 50% من صناعاتها العسكرية بحلول عام 2030. وأصبح واضحًا، أن مستوردي الأسلحة التقليديين الآن من كبار المصدرين. وأشار «بورساري، إلى تطوير «الإمارات»، قدراتها على تصنيع أسلحتها محليًا من خلال شركة «إيدج» المملوكة للدولة. وبعد أن حققت مبيعات عسكرية بلغت 4.8 مليارات دولار في عام 2020، أصبحت الآن في المرتبة 18 عالميًا بين أكبر مصدري الأسلحة. من ناحية أخرى، يفتح انتشار الطائرات المسيرة الباب للتصعيد، وخلق سباق تسلح محتمل، ولا سيما أن «إيران» لها باع في هذا المجال. وفي مارس 2022، أشار «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن «أنشطة إيران العسكرية من الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز وتقنيات الطائرات المسيرة»، قد قوضت الأمن وزعزعت استقرار المنطقة»، فضلا عن «زيادة وتيرة سباق التسلح» مع منافسيها الإقليميين. وأشار «بورساري»، إلى أن طهران استطاعت «استنساخ بطريقة الهندسة العكسية عددا من الطائرات القتالية الأمريكية المسيرة وتهريبها لوكلائها»، بما في ذلك التي تتمتع «بقدرات وأمدية بعيدة المدى»، مثل الطائرة طراز «إم كيو-9 ريبر»، المعروفة الآن بعد استنساخها باسم «غزة». ومع ذلك، أوضح «بورساري»، أن برنامج تطوير الطائرات المسيرة لطهران، «يختلف عن برنامج جيرانها»، حيث إنها بدلاً من استكمال تحديث أنظمتها الدفاعية الجوية الحالية، تقوم بالترويج لإنتاج طائرات مسيرة مطورة منخفضة التكلفة للتعويض عن قوتها الجوية القديمة والمتحللة». وتم التأكيد أيضًا على قيامها بتصدير تقنيات طائراتها المسيرة إلى سوريا، وحزب الله، وإثيوبيا، والحوثيين في اليمن. وأشار «المعهد الدولي»، إلى استخدام شبكتها من الوكلاء لاختبار أنظمتها التسلحية الجديدة»، بما في ذلك الطائرات المسيرة، بشكل ميداني. ويبقى واضحًا، أن «المغرب» و«الجزائر»، «بلدان مرشحان لانتشار الطائرات المسيرة»، حيث تعزز كل منهما قدرتها عبر الاستيراد من الخارج. وأوضح «بورساري»، أن الأخيرة اشترت طائرات مسيرة من تركيا والصين، وأشار أيضًا إلى الاتفاق الموقع بين «وزارة الصناعة المغربية»، و«شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية»، للتعاون في مجال صناعة الطيران المدني؛ على أنه «مهم»، و«من المحتمل أن يغطي تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيرة». وبالمثل، علق «إيدون»، بأن الجمع بين الطائرات المسيرة التركية، التي يمتلكها المغرب بالفعل، وطائرات هاروب الإسرائيلية، «ممكن أن تكون بمثابة سلاح فتاك في ترسانة أي جيش». الأهم من ذلك، أن انتشار تقنيات الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط، أدى إلى توسيع نطاق نفوذها خارج المنطقة. وأشار «إيدون»، إلى أن إيران افتتحت مصنعا لإنتاج هذه الطائرات في «طاجيكستان»، مايو الماضي، فيما اتفقت «شركة الصناعات الجوية والفضائية» التركية، «توساش»، مع شركة «كازاخستان إنجينيرينغ» الهندسية لإنتاج مسيرات «العنقاء» التركية في كازاخستان. ونتيجة لذلك، أشار «إيدون»، إلى أن انتشارا غير مسبوق للطائرات المسيرة، بدأ يتكشف في آسيا الوسطى، مع طلب «قيرغيزستان»، شراء المزيد من الطائرات المسيرة تركية الصنع. ومع ذلك، يظل استيراد الأسلحة من الشركات الأجنبية المعترف بها، ممارسة معتادة بين العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتشير إحصائيات «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، إلى أن السعودية، ومصر عام 2021، كانتا من بين أكثر خمس دول استيرادًا للأسلحة عالميًا، كما جاءت «قطر» و«الإمارات» ضمن العشرة الأوائل أيضا. ووثق «المعهد»، زيادة واردات الأسلحة بالسعودية بنسبة 27%، بين عامي 2016 و2021، احتلت أمريكا نسبة 82% منها. وبلغت نسبة 76% من واردات الأسلحة في الشرق الأوسط للفترة (2017-2021) ما مجموعه 53% من الولايات المتحدة، بينما جاءت 12% من فرنسا، و11% من روسيا. ويعزز تطوير أنظمة تسلح محلية، مثل الطائرات المسيرة من قبل العديد من دول الشرق الأوسط فكرة استقلالية هذه الدول عن القوى التقليدية المؤثرة في المنطقة، وعلى الأخص الولايات المتحدة، وروسيا. وفي حالة «تركيا»، و«إيران»، وهما دولتان لديهما برامج تطوير طائرات قتالية مسيرة، فمن الواضح أنهما اكتسبا المزيد من المزايا الجيوسياسية جراء ذلك، حيث مازالت تعزز «أنقرة»، علاقات دفاعية أوثق مع الدول التي اشترت أنظمتها، كما تمكنت «طهران»، من توفير المزيد من طائراتها المطورة لوكلائها بصورة منخفضة التكلفة. على العموم، لا تزال الطائرات المسيرة، قيد البحث والتطوير بسرعة كبيرة. ولعل الطبيعة غير المنظمة لهذه العملية، قد دفعت المحللين إلى التحذير من أن هذا الاتجاه المتطور سيكون له «عواقب ليس فقط على الأمن في المنطقة»، ولكن أيضًا على «أوروبا»، في ضوء عدم ضمان التزام الدول المتطرفة، بنفس المعايير الأخلاقية للدول الأوروبية. لذلك، رأى «بورساري»، أن المجتمع الدولي، يجب أن «يضطلع بدور رائد في ضمان أن يفي استخدام الطائرات المسيرة بالمعايير المعترف بها دوليًا من حيث أوجه الرقابة والشفافية والمساءلة حال وقوع هجمات ما». وسواء كان مثل هذا الاقتراح سيؤتي ثماره أم لا، فمن الواضح أن الطائرات المسيرة، أصبحت بالفعل «عنصرا جوهريا»، لزيادة التوترات الجيوسياسية بالشرق الأوسط، كما أنها الدعامة الأساسية وراء تعزيز المبيعات الدفاعية الإقليمية مؤخرًا.
مشاركة :