تتمثل أكبر مشكلة تواجه المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي في أنه لاعب محترف. لا يزال يتبقى عام واحد على عقده مع بايرن ميونيخ ويريد الرحيل، لكن لا يعتقد أي شخص أن اللاعب سيثير المشاكل ويلجأ لحيل أو أدوات غير جيدة إذا قرر النادي الألماني التمسك به لمدة عام آخر، وتصريحاته الأخيرة لموقع «أونيت» سبورت البولندي تؤكد ذلك: «شيء ما مات بداخلي. أرغب في الرحيل عن بايرن ميونيخ للبحث عن مشاعر جديدة في حياتي. أرغب فقط في الرحيل عن بايرن. الولاء والاحترام أكثر أهمية من العمل، وأفضل طريق هو إيجاد حل للطرفين». من المؤكد والواضح للجميع أن ليفاندوفسكي يحب عمله ويحب زملاءه، ولديه مستوى معين من احترام الذات يعني أنه سيواصل العمل بكل جدية حتى لو عامله رؤساؤه معاملة شائنة. إنه لا يريد أن يخذل أحداً، لا سيما نفسه. وعلاوة على كل هذا، فإن هذا المهاجم الفذ يكرس حياته تماماً لكرة القدم ويركز بشكل كامل على كيفية التحسن والتطور طوال الوقت، لدرجة أنه يأكل وجباته بشكل معاكس، بمعنى أنه يبدأ الطعام بالحلوى أولاً، لأنه يعتقد أن ذلك يساعد في تقليل الدهون بجسده! سيكمل المهاجم البولندي عامه الرابع والثلاثين في أغسطس (آب) المقبل، لكنه يبدو أصغر سناً من عمره الحقيقي. ومنذ عام 2013، غاب ليفاندوفسكي عن 24 مباراة فقط بسبب الإصابة، ومن المؤكد أنه لن يدخل في إضراب أو يستخدم أي وسائل غير جيدة للضغط على بايرن ميونيخ من أجل السماح له بالرحيل، والدليل على ذلك أنه عندما بقي موسماً أطول مما أراد في بوروسيا دورتموند قبل الانتقال إلى بايرن ميونيخ، كان ملتزماً تماماً وسجل 20 هدفاً في 31 مباراة بالدوري الألماني الممتاز في ذلك الموسم. ربما يجعله هذا الالتزام الشديد عرضة للاستغلال من قبل الآخرين - وكرة القدم عالم قذر يسعى فيه الجميع لاستغلال أي شخص آخر! دائماً ما تتم الإشادة باللاعبين الذين يتمتعون بالولاء وروح الفريق ويخدمون النادي قدر استطاعتهم، لكن لا يوجد أدنى شك في أن مسؤولي الأندية سوف ينقلبون على الفور على هؤلاء اللاعبين في حال كانت رغبتهم غير رغبة النادي. ولهذا السبب يحتاج اللاعبون إلى الحماية، كما أن وكلاء اللاعبين أصبحوا شراً لا بد منه، إن جاز التعبير - حتى لو كان الوضع الاقتصادي الحالي لكرة القدم قد يعني بشكل متزايد أن كيليان مبابي كان محقاً فيما فعله عندما قرر البقاء في ناديه الأصلي باريس سان جيرمان، وأن اللاعبين محقون في إصرارهم على عدم التوقيع على عقود جديدة والانتظار حتى نهاية عقودهم الحالية من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال! يعمل ليفاندوفسكي مع وكيل أعمال اللاعبين بيني زهافي منذ فبراير (شباط) 2018، ومنذ ذلك الحين، تتكرر الأحاديث عن رغبة المهاجم البولندي في الرحيل عن بايرن ميونيخ. من المعروف أن زهافي صحافي سابق، ويدرك جيداً أن أفضل طريقة لزيادة أرباحه هي تغيير الصحيفة التي يعمل بها كل أربع أو خمس سنوات. من المؤكد أن الأموال تعد أحد المحركات الأساسية لذلك بالطبع، لكن هناك أيضاً شعوراً بأن ليفاندوفسكي بحاجة إلى تحدٍ جديد. لقد فاز بلقب الدوري الألماني الممتاز عشر مرات، بما في ذلك ثماني مرات متتالية مع بايرن ميونيخ، الذي يعد أغنى نادٍ في ألمانيا. وبالتالي، فإن الفوز باللقب للمرة الحادية عشرة قد لا يعني له الكثير أو يجعله يشعر بمزيد من الرضا عن نفسه. وليس لديه أي شعور بأن هناك عملاً غير مكتمل يسعى لإنجازه، خصوصاً أنه فاز بالفعل بلقب دوري أبطال أوروبا مع بايرن ميونيخ في عام 2020. ربما يمكنه اللعب لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى، أو تسجيل 100 هدف آخر في الدوري الألماني الممتاز، أو جمع مزيد من الميداليات، لكن ما الذي سيعنيه كل هذا بالنسبة له؟ الحقيقة هي أن هذا الأمر يتعلق ببايرن ميونيخ بقدر ما يتعلق بليفاندوفسكي، خصوصاً أن النادي الألماني قد تعامل مع ملف ليفاندوفسكي بشكل أحمق. ودائماً ما يعاني المدير الرياضي لبايرن ميونيخ، حسن صالح حميديتش، من الجانب السياسي لوظيفته، والدليل على ذلك أنه عندما رحل هانسي فليك لتولي القيادة الفنية لمنتخب ألمانيا الصيف الماضي، فإنه وجه الشكر لقائمة من الشخصيات التي لم يكن من بينها صالح حميديتش! لقد انهارت العلاقة بينهما عندما لم يقدم النادي عقداً جديداً لجيروم بواتينغ، وهو القرار الذي قدم إلى فليك على أنه قرار نهائي من دون معرفة رأيه في ذلك رغم أنه المدير الفني للفريق! وكان ليفاندوفسكي منزعجاً من ملاحقة بايرن ميونيخ للمهاجم النرويجي إيرلينغ هالاند خلال المفاوضات بشأن تمديد عقده. وأعلن ليفاندوفسكي عن عدم ارتياحه بعد المباراة الأخيرة في الدوري هذا الموسم، قائلاً إنه لم يتم تقديم «عرض ملموس» له. وجاء رد صالح حميديتش لكي يشعل النار فقط، حيث قال المدير الرياضي لقناة «سبورت وان»: «لقد حصل على عرض، وأجرينا محادثات معه وشرحنا بوضوح كيف نتخيل المستقبل، بضوابط وشروط واضحة للغاية. لديه مستشار أدار رأسه وغير رأيه». وفي عطلة نهاية الأسبوع نفسها، قال أوليفر كان، الرئيس التنفيذي لبايرن ميونيخ، بصراحة، إن ليفاندوفسكي لديه عام متبقٍ في عقده مع النادي، ومن المتوقع أن يلتزم به. لقد حل أوليفر كان، محل كارل هاينز رومينيغه في هذا المنصب خلال الصيف الماضي فقط، وعلى الرغم من عدم وجود قدر كبير من الدبلوماسية في طريقة التعامل ببايرن ميونيخ، هناك شعور بأن سلفه ربما كان يتصرف بشكل مختلف. لقد أصيب ليفاندوفسكي، الذي سجل 50 هدفاً للفريق الموسم الماضي، بالصدمة جراء المعاملة التي يتلقاها من النادي، وقال مصدر مقرب من المهاجم البولندي، إن «بايرن ميونيخ لم يخسره لاعباً، وإنما خسره إنساناً». ربما تكون هذه الرواية من الأحداث هي التي روج لها ليفاندوفسكي ومحبوه، وقد تكون كلها جزءاً من عملية تفاوض أطول، لكن الشيء الواضح تماماً هو أن لهجة ليفاندوفسكي تغيرت قبل أسبوعين، فبعدما كان زهافي يرفض العروض المقدمة للاعب، أصبح فجأة يرحب بها. وظهر برشلونة في الصورة على أنه الوجهة المفضلة للاعب (على الرغم من أنه من غير الواضح كيف سيتعاقد برشلونة مع اللاعب ويتحمل تكاليف الصفقة في ظل الوضع المالي الصعب للنادي)، لكنّ هناك أيضاً اهتماماً من تشيلسي وباريس سان جيرمان وآرسنال - على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينتقل إلى نادٍ لا يلعب في دوري أبطال أوروبا. وقال ليفاندوفسكي الأسبوع الماضي: «بدءاً من اليوم، انتهت قصتي مع بايرن ميونيخ. بعد ما حدث في الأشهر القليلة الماضية، لا أرى أي فرصة لمواصلة مسيرتي في النادي. آمل ألا يجبرونني على البقاء لمجرد أنهم يستطيعون ذلك». وجاء رد أوليفر كان سريعاً، حيث أصدر بياناً قال فيه: «التصريحات العامة من هذا القبيل لا تساعدك في الوصول إلى أي مكان. ويجب أن يعرف ما لديه في بايرن ميونيخ، فالتقدير ليس طريقاً يسير في اتجاه واحد». ربما يكون ذلك صحيحاً، لكن الطريقة التي دخل بها بايرن ميونيخ في خلافات مع ديفيد ألابا ونيكلاس سولي قبل رحيل كل منهما بشكل مجاني تشير إلى أن النادي لديه مشكلة حقيقية فيما يتعلق بطريقة التعامل مع اللاعبين. لقد أوضح أولي هونيس، الرئيس الفخري للنادي، أنه يعتقد أنه يتعين على بايرن ميونيخ أن يحتفظ بخدمات ليفاندوفسكي لمدة عام آخر حتى انتهاء عقده (وفي سن الرابعة والثلاثين، قد لا يكون هناك عدد كبير من الأندية التي ترغب في ضمه، وبالتالي فمن المرجح أن يوافق بعد ذلك على التوقيع على عقد جديد). لكن هذا متجذر في الاعتقاد بأن ليفاندوفسكي سيواصل اللعب بأقصى طاقته. ربما يكون من المعقول أن نتوقع أن يحترم اللاعبون العقود التي وقعوا عليها، لكن بعد ثماني سنوات قدم خلالها اللاعب مستويات رائعة مع بايرن ميونيخ، من المنطقي أيضاً الاعتقاد بأن ليفاندوفسكي يستحق أفضل من أن يُطلب منه أن يصمت ويفعل ما يقال له فقط! إنه عالم بائس أصبح يتم فيه استغلال الاحترام والالتزام والاحترافية ضد اللاعب!
مشاركة :