حسابات سياسية تقوض دور الآلية الثلاثية لحل الأزمة السودانية

  • 6/11/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حسابات سياسية تقوض دور الآلية الثلاثية لحل الأزمة السودانية الخرطوم – كشف الاجتماع الذي عقده عسكريون سودانيون مع قيادات من تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في منزل السفير السعودي بالخرطوم وبوساطة أميركية عن حسابات خاطئة وقعت فيها الآلية الثلاثية التي تضم البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد)، وقادت إلى مقاطعة قوى رئيسية لحوار مباشر انطلقت جلساته الأربعاء الماضي. ولم تستطع الآلية الثلاثية إقناع القوى المؤثرة بالجلوس على طاولة مفاوضات واحدة، ووقفت في منطقة رمادية بين مشاركتها كمسهل لعملية التفاوض وبين رعايتها بشكل رسمي للمباحثات، وابتعدت عن الأسباب الحقيقية التي قادت إلى الانسداد السياسي. ولم تراع الأوزان السياسية للقوى الموجودة على الأرض وتعاملت مع جميع الأطراف باعتبارها تحمل شعبية متساوية وأفسحت المجال أمام مشاركة فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير، ما سهل قرار المقاطعة الذي توافقت عليه غالبية القوى المدنية. وبدا واضحًا أن الآلية بحاجة إلى جهود أخرى تستطيع أن تختصر طريق التفاوض، وفي هذا الاتجاه صبت الجهود الأميركية والسعودية الأخيرة، لأن الطرفين يشكلان أضلاعا رئيسية في الآلية السياسية لمساعدة العملية الانتقالية. ويعد الاجتماع هو الأول من نوعه الذي يتم الإعلان عنه بشكل رسمي بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري منذ الانقلاب على السلطة في أكتوبر الماضي بدعوة من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في، وسفير السعودية في الخرطوم علي بن حسن جعفر. وشارك في الاجتماع من المكون العسكري محمد حمدان دقلو (حميدتي) وشمس الدين كباشي وإبراهيم جابر، وعن الحرية والتغيير الواثق البرير وطه عثمان وياسر عرمان. وأصر تحالف الحرية والتغيير على إنهاء الانقلاب وتسليم السُّلطة للشعب من خلال خارطة طريق واضحة في إطار عملية سياسية تضم الحرية والتغيير ومن قاموا بالانقلاب. ورغم تأكيدات صدرت عن السفارتين الأميركية والسعودية في الخرطوم بأن الاجتماع لا يتجاوز الآلية الثلاثية وليس بديلاً عنها، غير أن الواقع يشير إلى أن هناك مسارا جديدا تسير فيه المباحثات بين الطرفين الأكثر تأثيراً في الساحة السودانية. ويقول مراقبون إن ما ستخلص إليه الاجتماعات التي استمرت الجمعة وستشهد المزيد من الحوار حول إجراءات إنهاء الانقلاب، ستكون محور إجماع داخلي وخارجي قد يخلق وضعية مغايرة لما تسير فيه الاجتماعات التي تشرف عليها الآلية الثلاثية. واعتبرت القائمة بأعمال السفارة الأميركية في السودان لوسي تاملين أن المشاركين في اجتماع السفارة السعودية أبدوا استعدادهم لإنهاء الأزمة السياسية وبناء وطن سلمي عادل وديمقراطي، مشددة على أنه “ليس بديلاً عن الآلية الثلاثية ويتسق مع جهود بناء الثقة بين الأطراف”. وقالت القيادية بتجمع القوى المدنية ميرفت حمد النيل إن طريق الآلية الثلاثية لا يمكن أن يُفضي إلى نتائج إيجابية لأنها اختارت تصنيف كافة الفاعلين على الساحة باعتبارهم فرقاء في حين أن هناك قوى محسوبة على النظام السابق وأخرى تحالفت مع الجيش ووقفت في صف الانقلاب، وهو أمر لم يكن ممكنا تجاوزه في ظل الوضعية الثورية التي تعيشها البلاد. وأضافت أن نجاح أي محاولات تفاوضية تتوقف على إبعاد الجيش عن السلطة، وعدم التأسيس لشراكات جديدة مع الجيش بعد أن أثبتت التجربة السابقة أن تلك الصيغة لا تحقق مطالب الشارع، وهو ما يتطلب رؤية واضحة تعبر عن مطالب القوى الرئيسية. وبدت دوافع الحرية والتغيير للمشاركة في الاجتماع هذه المرة منطقية إلى درجة كبيرة، ورغم الهجوم الذي تعرضت له من قوى ثورية تصر على التمسك باللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا مشاركة، لا شرعية) إلا أنها حظيت بترحيب دوائر محلية عديدة رأت أن هناك وضعية مواتية لتوظيف الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية للضغط على العسكريين لتسليم السلطة من خلال إجراءات متفق عليها. الآلية الثلاثية لم تستطع إقناع القوى المؤثرة بالجلوس على طاولة مفاوضات واحدة، ووقفت في منطقة رمادية بين مشاركتها كمسهل لعملية التفاوض وبين رعايتها بشكل رسمي للمباحثات وأعاد اجتماع السفارة السعودية ترميم بعض الشقوق السياسية في جدران التحالف الحكومي السابق، فهناك تيار داخله تبنى فكرة المشاركة في اجتماعات الآلية الثلاثية، وانتصر الطرف الآخر لقرار عدم المشاركة وجاء اللقاء الأخير كحل وسط مقبول. كما أن رعاية الولايات المتحدة ومشاركة الرياض في الحوار تؤكدان وجود ضغوط مضاعفة على الجيش للوصول إلى صيغة تضمن له الحد الأدنى من المكاسب. وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إلى أن قبول الحرية والتغيير بالجلوس مع وفد من المكون العسكري أمر يقتضيه التقدير السياسي العقلاني للأوضاع الحالية، والتي تحتم الجلوس مع الانقلابيين للوصول إلى درجة من التوافق والاستفادة من الضغوط الداخلية والخارجية لتحقيق أهداف الثورة، وإن كان هذا أمرا مشكوكا فيه نتيجة نقض التعهدات التي قطعها العسكريون على أنفسهم في مرات سابقة وأوضح أن الجهود الأميركية – السعودية يمكن أن تكون مكملة لما تسير فيه الآلية الثلاثية وليست منفصلة عنها، والأيام الماضية جرت خلالها تحركات غير معلنة بين أطراف سياسية فاعلة لضمان الوصول إلى المشهد الحالي. وليس من المستبعد أن تشهد الأيام المقبلة تغييرا في مواقف بعض القوى التي ما تزال ترفض الحوار، لأن شدة الضغوط المسلطة على الجميع تفرض التوافق هذه المرة. ووجه القيادي في تجمع المهنيين محمد ناجي الأصم انتقادات لاذعة للحرية والتغيير، مؤكدا أنها لا تعبر وحدها عن القوى الديمقراطية، وكان من الأجدى أن تكون أكثر حرصا على تقوية وتعزيز التنسيق والتفاهم مع أطياف القوى الديمقراطية الأخرى. وأشار في تغريدات له على تويتر إلى أن تكرار الائتلاف الحاكم السابق للأخطاء وسوء التقدير أمر مؤسف وغير مبرر، و”لا يعقل أن يكون السبب المعلن من التحالف لقبوله الجلوس بصورة مباشرة مع المجلس العسكري الانقلابي هو دعوة المبعوثة الأميركية والسفير السعودي فقط”. وأكدت حمد النيل التي انسحب تجمعها من الحرية والتغيير في تصريح لـ”العرب” أن تحالف الحرية والتغيير أقدم على “سلوك مراوغ مجدداً ولا يمكن أن يذهب باتجاه الجلوس مع العسكريين ثم يوضح الأسباب التي دفعت إلى ذلك”، قائلة “كان يجب إعلان ذلك من البداية، فأي جلوس مع العسكريين يأتي بعد تسليم السلطة للمدنيين”، متوقعة فشل الجهود الحالية كما حدث مع الاتفاق السياسي سابقًا.

مشاركة :