تسلك علاقات المغرب مع إسبانيا ونيجيريا طريقها الصحيح سياسيا واقتصاديا، بعيدا عن محاولات الجزائر استعمال ورقة الغاز للضغط وتقويض تفاهمات الدول الثلاث، وخصوصا في ما يتعلق بمشروع أنبوب الغاز الذي تعتزم هذه القوى مده. وعمدت الجزائر في سياق مسار تصعيدي بدأته ضد مدريد على خلفية تقاربها مع الرباط، إلى تجميد عمليات التصدير والاستيراد مع إسبانيا وتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها مع الدولة الأوروبية قبل عشرين عاما، وذلك بعد ساعات فقط من بيان صدر عن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دافع من خلاله على مواقف حكومته المتفق عليها مع المغرب. وأكد سانشيز الأربعاء، في جلسة للبرلمان الإسباني، أن موقف بلاده ثابت من قضية الصحراء المغربية، ويندرج ضمن الاحترام التام للوحدة الترابية للمملكة، مشيرا إلى دعم حكومته لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلا أساسيا ووحيدا للنزاع المفتعل. ناصر بوريطة: مرتاحون لهذه العلاقة التي أثمرت بعض المشاريع في إطار الشراكة بين نيجيريا والمغرب وأثار الموقف الإسباني بشأن تأييد المغرب في قضية الصحراء غضب الجزائر التي سارعت إلى اتخاذ خطوة دراماتيكية استفزت مدريد وأثارت قلق الاتحاد الأوروبي. وصرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال لقائه وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس الجمعة في بروكسل إن "حظر الجزائر للتعاملات التجارية مع إسبانيا ربما يمثل انتهاكا لقانون التجارة في الاتحاد". وكان ألباريس اضطر إلى إلغاء مشاركته في "قمة الأميركتين" في الولايات المتحدة، لحضور اجتماع طارئ في العاصمة البلجيكية لمناقشة الأزمة المتفاعلة مع الجزائر. وتدخل العلاقات المغربية - الإسبانية ضمن المصالح الاستراتيجية التي تدافع عنها مدريد، لهذا يعتقد محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي أن التصعيد الجزائري الحالي ضد مدريد لن يغير من الموقف الإسباني الداعم لمغربية الصحراء، مشيرا إلى أن الجزائر لن تستطيع الدخول من بوابة الغاز للتشويش على العلاقات بين مدريد والرباط في ما يخص عددا من الملفات، والأكثر من ذلك أن عددا كبيرا من الدول الأوروبية تسير أيضا في منحى دعم المبادرة المغربية وتمتين العلاقات مع المملكة كشريك موثوق. وفي مارس الماضي عاد الدفء للعلاقات بعد إعلان إسبانيا دعمها مبادرةَ الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء، لتدخل العلاقات بين البلدين منعطفا تعاونيا متجاوزا التوتر الذي كان سائدا بينهما. وفي إطار تثبيت مسار العلاقات الثنائية، شدد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا على أن علاقات بلاده مع المغرب "موثوقة وأخوية للغاية، وسيتم الحفاظ عليها مستقبلا"، مؤكدا أن المغرب شريك "استراتيجي ووفي تماما". ويعد أنبوب الغاز النيجيري الذي يربط القارة الأفريقية مع إسبانيا عبر المغرب واحدا من أهم المشاريع التي ستعزز العلاقات بين الدول الثلاث، بعدما صادقت قبل أسبوع على دخول شركة البترول الوطنية النيجيرية في اتفاقية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سيدياو"، لبناء خط الأنابيب. وعلى المستوى النيجيري، وصف وزير الشؤون الخارجية النيجيري جيوفري أونياما، خلال زيارة الأربعاء إلى الرباط، التعاون الاقتصادي الذي يربط بلاده بالمغرب بـ"الثوري"، مؤكدا خلال ندوة صحافية مشتركة مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، عقب مباحثاتهما على هامش أشغال الاجتماع الوزاري الأول لدول أفريقيا الأطلسية "إننا جد مرتاحون لهذه العلاقة التي أثمرت عن بعض المشاريع في إطار الشراكة بين نيجيريا والمغرب". ويحمل مشروع مد أنبوب الغاز بين الدول الثلاث إرادة قوية للربط بين نيجيريا وإسبانيا والمغرب وتسهيل القدرة التنافسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، على الخصوص، تسريع الكهرباء وتطوير الاستقلال الطاقي ودعم التنمية وتحسين ظروف الحياة وشروط العيش للتجمعات المجاورة للمشروع، وهذا سيقلل من ظاهرة الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر إسبانيا. محمد لكريني: التعاون بين الرباط وأبوجا مدخل لتأييد وحدة المغرب الترابية وفي هذا الصدد، أشاد بوريطة بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تدعمها العلاقات الشخصية القائمة على الثقة والصداقة والأخوة بين الملك والرئيس بوهاري، مسجلا أن البلدين يرغبان في إرساء نموذج متفرد للتعاون بين البلدين الأفريقيين. ومن مؤشرات فشل الجزائر في التأثير سلبا على علاقات المغرب ونيجيريا اقتصاديا وسياسيا، أن أبوجا لم تعد تتطرق إلى موضوع الصحراء خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا تدعو كما كان سابقا إلى تنظيم "استفتاء لتقرير المصير"، بل تؤكد على ضرورة توصل أطراف النزاع لحل سياسي متوافق عليه. وقال لكريني في تصريحات لـ"العرب"، إنه في فترات قريبة كانت نيجيريا تعد من ركائز المحور الثلاثي الذي يتضمن الجزائر وجنوب أفريقيا، لكن اعتراف وزير الشؤون الخارجية النيجيري بتطور العلاقات بين البلدين وتعزيزها في مجالات ومشاريع عدة يندرج في مسار إيجابي بإقرار بتمتين العلاقات بين البلدين لأن هذا التعاون هو المدخل الأساسي لتأييد المغرب في وحدته الترابية. واستطاع المغرب الحد من تأثير الجزائر على قرارات مجموعة من الدول الأفريقية في تطوير علاقاتها مع الرباط، حيث استطاع المغرب إقناع نيجيريا بالالتزام بالحياد الإيجابي في ملف الصحراء، والأكثر من ذلك أن المغرب استطاع تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع نيجيريا. ورغم التشويش الجزائري، إلا أن هناك تقاربا بين نيجيريا والمغرب والذي ترجم من خلال المحادثة الهاتفية التي أجراها الملك محمد السادس مع الرئيس محمد بوهاري نهاية يناير الماضي، وأكد فيها الطرفان على عزمهما البناء على الزخم الذي تم تحقيقه في العلاقات بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية والمضي قدما في بناء أنبوب النفط الرابط بين البلدين، والذي سيمكن نيجيريا من تصدير مواردها الطاقية إلى أوروبا، بالإضافة إلى معمل صناعة الأسمدة الذي سيقوم المكتب الشريف للفوسفاط ببنائه بحلول عام 2032.
مشاركة :