انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما وصفه بتزايد التواجد العسكري الأميركي في الجارة اليونان وتدفق الأسلحة الأوروبية على أثينا، في خطوات قال مراقبون إنها تلجم أطماع أنقرة في شرق المتوسط. وتشعر تركيا بإحباط متزايد بسبب ما ترى أنه دعم عسكري غربي متنام لليونان، العضو هي الأخرى في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، في ظل وجود صراع قائم منذ أمد بعيد على الأراضي بين البلدين. وتتهم السلطات التركية اليونانيين بتسليح جزر بحر إيجه في انتهاك على حد قولها لمعاهدتين، بينما تبرر أثينا عسكرة الجزر التي يفترض أنها منزوعة السلاح، بالتهديد الذي تمثله تركيا والتي انتهكت مقاتلاتها مرارا المجال الجوي اليوناني وحلقت على ارتفاع منخفض جدا فوق جزرها. وتصاعدت التوترات خلال السنوات الأخيرة، في ظل قيام تركيا بتعبئة قواتها البحرية للمطالبة بحقوق في الموارد الهيدروكربونية المحتملة في منطقة شرق البحر المتوسط. وقال أردوغان “هناك تسع قواعد أميركية الآن تمت إقامتها في اليونان. تمت إقامتها ضد من؟ الجواب الذي يقولونه هو أنها ضد روسيا. ولكن هذا لا يقنعنا". وتزيد الولايات المتحدة من وصولها إلى القواعد اليونانية منذ قام البلدان بتحديث اتفاقية للتعاون الدفاعي المشترك في أكتوبر الماضي. كما اتهم أردوغان الولايات المتحدة والدول الأوروبية، دون أن يسميها، بنقل كميات كبيرة من الأسلحة والطائرات والمروحيات إلى اليونان. وألمح في الوقت نفسه إلى أن هدف الحشد الذي يتحدث عنه قد يكون مواجهة بلاده. وأعلنت تركيا في الأسبوع الماضي وقف المحادثات مع اليونان، لأسباب من ضمنها خلاف مع رئيس الوزراء اليوناني وما تقول أنقرة إنه انتهاكات للمجال الجوي. رجب طيب أردوغان: القول بأن القواعد الأميركية في اليونان ضد روسيا لا يقنعنا واستأنف البلدان المحادثات في العام الماضي بعد توقف لمدة خمسة أعوام لحل الخلافات في منطقة البحر المتوسط وقضايا ثنائية أخرى. ولم تحرز المحادثات تقدما يذكر، وتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن ذلك. ويختلف البلدان منذ أمد بعيد بشأن قضايا مثل الحدود البحرية ومطالب بالسيادة على الجرف القاري لكليهما، والمهاجرين وقبرص المقسمة على أساس عرقي. واندلع التوتر مرة أخرى الأسبوع الماضي عندما قال أردوغان إن رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس “لم يعد موجودا” بالنسبة إليه، واتهم الزعيم اليوناني بمحاولة عرقلة بيع طائرات أف – 16 لتركيا خلال زيارة قام بها للولايات المتحدة. والثلاثاء قال ميتسوتاكيس للصحافيين بعد قمة للاتحاد الأوروبي إنه أطلع نظراءه في الاتحاد الأوروبي على "عدوانية" تركيا و"استفزازاتها التي لا يمكن أن تتسامح معها اليونان أو الاتحاد الأوروبي". وقال "لن أشارك في لعبة الإهانات الشخصية". ودعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء اليونان في نزاعها مع تركيا حول جزر بحر إيجه، منددا بأي تشكيك في "السيادة” اليونانية عليها. وقال بعد قمة أوروبية في بروكسل “أعرب رئيس الوزراء اليوناني بشدة عن قلق اليونان ومخاوفها المشروعة، وأدان التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الأتراك الذين شككوا في سيادة اليونان على عدة جزر". وأضاف "أود أن أؤكد هنا دعم كل الأوروبيين وخاصة فرنسا". وشدد على أنه "لا يمكن لأحد أن يعرض للخطر سيادة أي دولة عضو، وأعتقد أنه تجب إدانة هذه التصريحات في أسرع وقت". وتتهم السلطات التركية اليونانيين بتسليح جزر بحر إيجه في انتهاك على حد قولها لمعاهدتين. وكرر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الثلاثاء أن أنقرة ستشكك في سيادة اليونان على الجزر إذا استمرت في إرسال قوات إليها. وقال "انتهكت اليونان وضع هذه الجزر وعليها نزع أسلحتها، وإلا سيبدأ نقاش حول سيادتها". والعلاقة المتوترة بين البلدين الجارين العضوين في الحلف الأطلسي، فاقمتها في السنوات الأخيرة محاولات التنقيب التركية في شرق المتوسط. وفي أغسطس 2020 أرسلت فرنسا مقاتلتين من طراز رافال وسفينتين تابعتين للبحرية الوطنية إلى شرق المتوسط إلى جانب اليونان، بعد نشر سفينة الأبحاث الزلزالية عروج ريس في منطقة متنازع عليها بين أنقرة وأثينا. وقف الأطماع التوسعية لأنقرة في المياه الإقليمية بات ملحا وقف الأطماع التوسعية لأنقرة في المياه الإقليمية بات ملحا ويقول مراقبون إن أنقرة تعلم أن الهدف من وراء هذا التعاون العسكري هو وقف الاستعراض التركي في المياه الإقليمية، وخاصة على حدود قبرص. وأبرمت اليونان وفرنسا في يناير 2021 صفقة بقيمة 2.5 مليار يورو (3 مليارات دولار) لشراء 18 طائرة رافال – 12 مستخدمة وستّ جديدة، كجزء من برنامج تعزيز دفاعي لمواجهة التوتر مع تركيا في شرق البحر المتوسط. ويمثل هذا العقد أول عملية بيع لطائرات رافال الفرنسية في أوروبا، والتي تسعى باريس إلى توجيه صادراتها من الأسلحة إليها وتشجيع التعاون معها. وتوسعت دائرة التوتر بين تركيا وفرنسا إلى خارج منطقة شرق المتوسط، حيث عارضت باريس التدخل العسكري التركي في إقليم قرة باغ إلى جانب أذربيجان. كما وقفت في وجه التدخل التركي في ليبيا وعارضت اتفاقية ترسيم الحدود بين أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا التي ترأسها فايز السراج. وتنظر أنقرة إلى التقارب الفرنسي - اليوناني خاصة في مجال التسلح، بقلق شديد وسط توترات مع أثينا الخصم الإقليمي حول أكثر من ملف، وعلاقات لا تبدو جيدة مع شركاء أوروبيين وعلى وجه الدقة مع باريس التي توجه انتقادات باستمرار لممارسات النظام التركي داخل تركيا وخارجها، بداية بملف حقوق الإنسان وصولا إلى تدخلات أنقرة الخارجية في شرق المتوسط وفي العراق وليبيا والحرب الأذرية – الأرمنية، وهي فضاءات جيوساسية حيوية بالنسبة لباريس. دائرة التوتر بين تركيا وفرنسا توسعت إلى خارج منطقة شرق المتوسط حيث عارضت باريس التدخل العسكري التركي في إقليم قرة باغ إلى جانب أذربيجان وفي مقابل انتقاد تركيا لتسليح اليونان، تعمل أنقرة على بناء ثلاث فرقاطات بدلا من واحدة، في وقت يشهد قيودا مالية. وقال أوزجور أكيشي، رئيس تحرير موقع أخبار الدفاع توردف “السلطة السياسية تقول للخصوم الإقليميين لتركيا، إنها لن تتخذ نهجا تصالحيا في نزاعات جيواستراتيجية في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط". وهناك برامج بحرية تركية أخرى تشير إلى عودة التوترات في بحر إيجه. ففي شهر أغسطس الماضي، أعلنت ترسانة حوض "آريس" لبناء السفن التركية، عن تصميم وتطوير سفينة حربية مسيّرة مضادة للغواصات. وفي شهر أكتوبر الماضي، أطلقت آريس وشركة تكنولوجيا الدفاع ميتيكسان سافونما نسخة من السفينة "يو.أل.أي.كيو"، وهي أول سفينة مسلحة مسيّرة تركية للحرب فوق سطح الماء. وترددت تقارير مفادها أن السفينة يبلغ مداها 400 كيلومتر، ويمكن أن تنطلق بسرعة تصل إلى 65 كيلومترا في الساعة. وفي شهر يناير الماضي، أدخلت تركيا في الخدمة أول سفينة لها لجمع المعلومات الاستخباراتية، وهي السفينة "تي.سي.جي أوفوك"، التي سوف تقوم بتشغيلها على نحو مشترك هيئة الاستخبارات الوطنية والبحرية التركية. وفي يناير الماضي أيضا، أعلنت الحكومة أنها سوف تبدأ في بناء نموذج أولي لسفينة سوف تصبح جزءا من أسطول، مخطط إنشاؤه من الزوارق الهجومية التركية.
مشاركة :