الحج لبيت الله الحرام هو أمنية كل مسلم في كل بقاع الدنيا خاصة لمن لم يحج حجة الفريضة ( الأولى ) لأنه يعد الركن الخامس من أركان الإسلام والذي فُرِضَ في السنة التاسعة للهجرة، ويعرف الحج بأنه حج المسلم ( أي توجه المسلم ) لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة في موسم محدد من كل عام، وهو عبادة مفروضة منذ زمن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام وقد دخلت على هذه العبادة بعض البدع والأركان غير الصحيحة مع مرور الزمن، فجاء الإسلام وأقر تنظيمها وأعاد ترتيب خطواتها وجعلها عبادة رئيسية لا يشوبها أي زيادة أو نقصان وجعل الحج واجب لمرة واحدة في العمر لكل مسلم بالغ قادر لعدم المشقة على المسلمين وحث من لديه قدرة وطاقة أن يكثر منه كما في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ” تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرة، فإنَّ متابعةً بينهما تنفي الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ ” ( جامع المسانيد والسنن ). وللحج شروط محددة لابد من توافرها لقبوله وهي :- * الإسلام : لأنه لا يصح من غير المسلم ولا يجب عليه . * التكليف : بمعنى أن يكون المسلم بالغا عاقلا . * الحرية : فالحج لا يجب على العبد لأنه مشغول بحق سيده، ولو حج لصح عنه الحج، ولكن يلزمه حجة بعد حريته . * الاستطاعة : وتعنى توفر المال وصحة البدن لأداء المناسك وبدونها لا يجب عليه الحج وهي رحمة من الله للمسلمين . * المحرم للمرأة : وهو وجوب وجود محرم مع المرأة لحفظها وصيانتها في أداء مناسك الحج . أركان الحج لبيت الله :- للحج أربعة أركان لا يصح الحج إلا بها ويشترط الترتيب فيها ونلخصها في الآتي : 1- الإحرام للحج : بداية بنية الحج الخالصة لله تعالى ثم بالاغتسال والتطيب ولبس الإحرام من الميقات الذي يمر به . 2- الوقوف بعرفة : وتعنى قضاء اليوم التاسع من ذي الحجة من طلوع الفجر إلى غيابها ولو أدرك لحظة واحدة في أي مكان من عرفة فقد أدرك الوقوف بعرفة لقوله عليه الصلاة والسلام “ وقَفْتُ ها هنا بعَرفةَ، وعرَفةُ كلُّها مَوقِفٌ ” ( أخرجه مسلم ) ، وهو ركن الحج الأعظم ولا يتم الحج إلا به ويسن له الدعاء والذكر والعبادة فيه . 3- طواف الإفاضة : هو طواف مهم لكل حاج لقوله تعالى “ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ” ( الحج -29) ، ولا يتحلل الحاج التحلل الأكبر دون فعله ويتم بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والعودة لمنى يوم العيد للرمي والنحر والحلق . 4- السعي بين الصفا والمروة : والصفا والمروة هما جبلان يقعان شرقي المسجد الحرام ورمزان لشعيرة السعي، ولا يصح الحج إلا بالسعي بينهما ويكون سبعة أشواط بداية بالصفا وانتهاء بالمروة في الشوط الأول ويكمل على ذلك حتى إتمام الشوط السابع . أنواع ( أو أنساك ) الحج لبيت الله الحرام :- توجد ثلاثة أنواع من الحج نفصلها في التالي : أولا : التمتع :- وهو الإحرام من الميقات الذي يمر عليه للعمرة وحدها في أشهر الحج ويقول فيه الحاج “ اللهم لبيك عمرة ” أو “ اللهم إني أوجبت عمرة ” وتكون نيته للحج في نفس العام أيضا لذلك سمي متمتعا، فيطوف ويسعى للعمرة ثم يحلق ويقصر شعره ويتحلل من الإحرام وبها تمت العمرة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم المتمتع لفريضة الحج ويقول “ اللهم لبيك حجا ” ويأتي بجميع مناسك الحج، وعليه الهدي أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد عودته لدياره . ثانيا : الإفراد :- ويكون بنية الحج فقط بقول “ اللهم لبيك حجا ” أو “ اللهم إني أوجبت حجة ” من الميقات الذي يمر عليه فإذا وصل مكة شرع للحاج طواف القدوم وسعى للحج إن أراد أو أخره إلى ما بعد طواف الإفاضة كالقارن والبقاء على الإحرام ليحل منه يوم العيد ولا يلزمه هدي لأنه نسك واحد . ثالثا : القران :- وهو النية بالعمرة والحج معا مقترنين بغير فاصل من الميقات بقوله “ اللهم لبيك عمرة وحجا ” وأعماله مثل أعمال الإفراد، يطوف ويسعى بقدوم مكة والبقاء على الإحرام حتى الفراغ من حجه من عرفات فيطوف طواف الإفاضة فقط ويجزأه السعي السابق والأفضل والسنة أن يفسخ حجه إلى العمرة كالمفرد، يطوف ويسعى ويقصر ويحلل وعليه الهدي أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة عند الرجوع لدياره . واجبات الحج لبيت الله :- للحج سبعة واجبات تبدأ بالإحرام من الميقات – الوقوف بعرفة لغروب الشمس – المبيت بمزدلفة – المبيت بمنى أيام التشريق ورمي الجمار بالترتيب – الحلق أو التقصير – طواف الوداع – الهدي الواجب على الحاج المتمتع أو القارن أو الصوم عند عدم القدرة . ويجدر بنا هنا ذكر أن الواجب يصح الحج مع تركه، غير أنه يجب على من تركه دم ( أي ذبح شاة ) وأما الركن لا يصح الحج إلا به كما ذكرنا سابقا، وأيسرها السنة فمن تركها فلا شيء عليه بإذن الله . وقفات مهمة في الحج :- ونركز فيها على أهم هذه الوقفات وهي : * يوم التروية :- وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي يتوجه فيه الحاج إلى منى بإحرامه إذا كان قارنا أو مفردا وإذا كان متمتعا تحلل من العمرة، يحرم بالحج من نفس المكان الذي هو فيه، ويستحب فيه الإكثار من الدعاء والتلبية أثناء التوجه لمنى للمبيت فيها وأداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفات وعدم الخروج منها إلا ببزوغ شمس التاسع من ذي الحجة للوقوف بعرفة . * الوقوف بعرفة :- وعرفة أو عرفات هو الجبل الذي يقف حوله الحجاج لمغيب شمس التاسع من ذي الحجة وعرفات كلها موقف ( عدا بطن عرنة ) وهو وادي يلي مسجد نمرة في اتجاه القبلة ويستحب للحاج بعض الأدعية مثل “ اللهم إجعلني ممن تباهي بهم اليوم ملائكتك، إنك على كل شيء قدير “. * يوم عرفة ( أو عرفات ) :- هو اليوم الذي يستمتع فيه الحجاج بخطبة يوم عرفات وأداء صلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا ( جمع تقديم ) بأذان واحد وإقامتين، اقتداء بما فعله سيد البشر وإمام هذه الأمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم يقضي الحجاج بقية اليوم في الصلاة والدعاء والابتهال إلى الله حتى غروب شمس هذا اليوم المبارك . * الذهاب إلى مزدلفة والمبيت بها :- تبدأ نفرة الحجاج إلى مزدلفة مع غروب شمس يوم عرفة وأداء صلاتي المغرب والعشاء جمعا وقصرا ( جمع تأخير ) بأذان واحد وإقامتين في مزدلفة ثم يجمع كل حاج منهم سبعون حصاة لرميها على الجمرات الثلاث، ويمكن البقاء بمزدلفة إلى ما بعد منتصف الليل أو إلى ما بعد صلاة الفجر وهو الأفضل . * النحر والأضحية :- بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة الكبرى، يذبح المتمتع والقارن هديه ( الأضحية ) فإن لم يجد هديا يدفع ثمنه للفقراء أو توكيل غيره للشراء والذبح، وإن لم يملك الثمن فعليه صوم عشرة أيام ثلاثة منها في الحج وسبعة عند العودة لبلاده، لقوله تعالى ” وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” ( البقرة -196). والأضحية سنة مؤكدة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ومن شروطها قدرة المضحي على ثمنها وخلوها من العيوب وتكون في وقتها المحدد وهو يوم عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق الثلاثة . * رمي جمرة العقبة :- بعد توجه الحجاج صباح يوم مزدلفة إلى منى لرمي الجمار والوصول للجمرة الكبرى ( العقبة ) يقطع الحجاج التلبية ويتم رمي سبع حصوات متعاقبات مع التكبير ويستحب رفع اليد عند الرمي والوقوف بحيث تكون الكعبة على يساره ومنى على يمينه وإذا لم يستطع ذلك فيقف في أي مكان يتيسر له، ويواصل الحجاج رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة ( الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ). * طواف الإفاضة :- بعد الهدي يتم الحلق أو التقصير ( والتقصير للنساء فقط ) وبعد رمي جمرة العقبة والنحر والحلق أو التقصير، يباح للحاج كل ما حرم عليه بالإحرام إلا النساء ويسمى هذا ( التحلل الأول أو الأصغر ) ويسن له التطيب والتوجه لمكة لطواف الإفاضة وليس عليه السعي إذا كان قد سعى من قبل . * التحلل الأكبر :- يتم بعد أداء طواف الإفاضة بتحلل الحاج ( التحلل الأكبر ) وبه يعود الحاج إلى حياته الطبيعية ويباح له كل ما كان مباحا قبل الإحرام، وإذا بقي الحاج في منى لرمي الجمرات، فإنه يتوجه لمكة المكرمة بعد ذلك للقيام بطواف الإفاضة ليتم التحلل الأكبر . ختاما فالحج يعد من أفضل العبادات التي تقرب المسلم من الله وتمحي ذنوبه وخطاياه وتنقي قلبه بفضل الله كما قال الله تعالى “ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ” ( الحج -32) ويشمل الحج أكثر من عبادة في وقت محدد وفيه تفرغ تام لله كالصلاة في البيت الحرام والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والنحر والصوم ورمي الجمرات، وقد أكد المصطفى عليه الصلاة والسلام جزاء الحج المبرور في الحديث ” العُمرةُ إلى العُمرةِ كفَّارةُ ما بَيْنَهما والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ ” ( المحدث الطبراني ) ، وقد ميز الله الحج وعظمه بأنزال سورة من القرآن باسم الحج تم توضيح مناسك الحج فيها للمسلمين .
مشاركة :