أي فرص للصين في سوريا لتعزيز نفوذها بالشرق الأوسط

  • 6/14/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعمل الصين على تعزيز حضورها السياسي في ملفات ساخنة بمنطقة الشرق الأوسط من بوابة سوريا التي برزت فيها لاعبا رئيسيا محتملا إلى جانب روسيا وإيران بعد الحرب التي اندلعت في العام 2011. وتنظر بكين إلى دمشق على أنها يمكن أن تصبح نقطة رئيسية في مبادرة الحزام ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية الهامة بالنسبة إلى الصين، كما تنظر إليها سوريا على أنها منقذ محتمل مع افتقار الروس والإيرانيين إلى القوة المالية. وعلى الرغم من الحاجة الصينية إلى تعزيز نفوذها في سوريا لحاجتها الاقتصادية ضمن مشروعها “مبادرة طريق الحرير”، فإن تدخلاتها قد تجرها إلى صراعات الشرق الأوسط المتعددة والمتشعبة والتي يكثر فيها اللاعبون الدوليون. وساعد استرجاع نظام الرئيس السوري بشار الأسد لمناطق واسعة من أيدي المعارضة على تعزيز رؤية الصين لاستثمار إمكانيات اقتصادية طويلة المدى في سوريا من شأنها أن تفيد مبادرة الحزام والطريق. وعمل المسؤولون السوريون على جذب الصينيين إلى بلادهم في بحثهم عن سبل لإعادة إعمار المناطق المدمرة. وفي أبريل العام الماضي، قالت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري إن “طريق الحرير لا يكون طريق حرير إذا لم يمر بسوريا والعراق وإيران”. ويرى الباحث الأميركي المتخصص في السياسات الدولية جيمس دورسي أن وصول الصين إلى الموانئ السورية المطلة على البحر المتوسط (طرطوس واللاذقية) يعد فرصة جذابة في مبادرة تسعى من خلالها إلى توصيل نفسها بأوراسيا. ومن شأنها أيضا أن تعزز موطئ قدم في بيريوس اليونانية والموانئ الإسرائيلية (حيفا وأسدود). ويرتبط اهتمام الصين بالموانئ السورية ارتباطا وثيقا باستكشاف شركة الصين لهندسة الموانئ لسبل تعزز استغلال ميناء طرابلس اللبناني لتمكينه من استقبال السفن الكبيرة. وعلى عكس الموانئ السورية، ستمنح طرابلس الصين حرية أكبر ولن تضطر إلى تقاسم السيطرة مع روسيا، إضافة إلى جعلها نقطة بديلة عن المرور عبر قناة السويس. الروس في الطريق عملت موسكو على تكريس هيمنتها على الساحل السوري باستئجار ميناء طرطوس لمدة نصف قرن في تحرك بدا العام الماضي على أنه يستبق تحركات صينية محتملة في هذا السياق ويخفي أيضا صراعا خفيا بين روسيا وإيران حول السيطرة داخل الأراضي السورية. ويمثل تحديث ميناء طرطوس للأغراض العسكرية ضمانة لروسيا للعب دور أوسع في السيطرة على شرق البحر المتوسط مستقبلا عبر تجهيز الميناء ليكون قادرا على استيعاب كل أنواع السفن بما في ذلك حاملات الطائرات. ويقول الخبير الروسي أناتولي إيفانوف إنه “في ساحل سوريا، هناك فرصة للسيطرة على البحر المتوسط بأكمله.. يُعدّ البحر المتوسط، بالنسبة لروسيا، أقرب جغرافيّا وأهم جيوسياسيّا. لذلك، فإن من المعقول أن تغتنم الفرصة لدعم وجودها في سوريا”. ومنع التريث الصيني في الانجرار إلى منافسة علنية ومباشرة مع روسيا وإيران ظهور أية خلافات، كما قد يسمح بتعميق العلاقات الصينية الروسية في أعقاب انتشار فايروس كورونا المستجد واعتماد الإيرانيين على الصين بتقسيم الخطة بطرق تحوّل سوريا إلى نقطة مهمة في مبادرة الحزام والطريق. ويؤكد “الكتاب الأبيض للدفاع الوطني في العصر الجديد”، الذي نشره مجلس الدولة الصيني على المتطلبات الاستراتيجية للدفاع عن المياه الإقليمية والبحار المفتوحة وخدمة شبكة الموانئ التي تديرها بكين أو تملكها في شرق المتوسط لتحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية والعسكرية. ويرى جيمس دورسي أن “اهتمام الصين بموانئ البحر المتوسط هو جزء من جهد أكبر يرمي لدمج الشرق الأوسط كمحطة في طريق الحرير البحري، وشملت خطواتها نحو التوسع في البحر الأحمر عبر إنشاء أول قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي”. موانئ هامة عززت السلطات الصينية نفوذها في عشرة موانئ في ستة بلدان تطل على شرق المتوسط (إسرائيل واليونان ولبنان وتركيا ومصر وسوريا) وقد يؤثر هذا النفوذ على قدرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على المناورة في المنطقة. وكان الوجود الصيني المتنامي في المنطقة أحد أهم الأسباب التي جعلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذر إسرائيل من تدخل الصين في حيفا حيث قرر الصينيون بناء رصيفهم الخاص، الذي يمكن أن يؤثر على حرية استخدام الأسطول الأميركي السادس للميناء. كما عملت بكين عبر شركة تشينغداو هايشي للآليات الثقيلة على بيع ميناء طرابلس رافعتين للحاويات من 28 طابقا قادرة على رفع أكثر من 700 حاوية ونقلها في اليوم، في حين رست سفينة حاويات تابعة لخطوط كوسكو للشحن بطرابلس في ديسمبر 2018 فاتحة بذلك الطريق البحري الجديد بين الصين والبحر المتوسط. وتتطلع شركات البناء الصينية الكبرى إلى بناء خط حديدي يربط بيروت وطرابلس في لبنان بحمص وحلب في سوريا حيث اقترحت الصين أن تصبح مدينة طرابلس منطقة اقتصادية خاصة داخل مبادرة طريق الحرير والحزام كنقطة شحن تجمعها بأوروبا. واستحوذت كوسكو للشحن المملوكة للدولة في الصين في سنة 2015 على حصة 65 في المئة بمحطة الحاويات كومبورت في ميناء أمبارلي في إسطنبول، وذلك بالإضافة إلى توسعها في شرق المتوسط. ولإغلاق الدائرة وقعت البحرية المصرية العام الماضي اتفاقية مع شركة هتشيسون للموانئ الصينية لبناء محطة في أبوقير شمال شرق الإسكندرية بالإضافة إلى نشاطها في ميناء الإسكندرية وكذلك ميناء الدخيلة ثاني أهم ميناء في المدينة المصرية. ويرى دورسي أن النفوذ الصيني المتنامي في العديد من موانئ شرق البحر المتوسط يمكن أن يشجع تركيا على التشبث بانتهاك القانون الدولي في تنقيبها عن النفط والغاز بعد إبرامها اتفاقية مثيرة للجدل وتلقى رفضا دوليا مع حكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج في طرابلس الليبية. سوريا.. بوابة إستراتيجية في عام 2018 لم يخف السفير الصيني في دمشق تشي تشيانجين اهتمام بلاده بسوريا وإعلان نيتها في توسيع موطئ قدمها الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة. وقال خلال زيارة إلى مستشفى في العاصمة السورية “أعتقد أن الوقت قد حان لتركيز كل الجهود على التنمية وإعادة إعمار سوريا، وأعتقد أن الصين ستلعب دورا أكبر في هذه العملية من خلال تقديم المزيد من المساعدة للشعب السوري وحكومة البلاد”. وجاءت التبرعات الصينية في السنوات الأخيرة لتدعم تصريحات تشي حيث قدمت بكين ما لا يقل عن 44 مليون دولار لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد “لأغراض إنسانية”. وركزت رسالة من السفير الصيني في أغسطس 2019 على أهمية تطوير السكك الحديدية والموانئ السورية. ونشرت الرسالة بعد شهر من وعد الرئيس شي جين بينغ بإقراض 20 مليار دولار لسوريا واليمن ولبنان والأردن لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. وقبل تفشي الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية المدمرة، شكك البعض في قدرة الصين على لعب دور رئيسي في إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا وهي عملية ستتطلب استثمارات تتراوح بين 250 و400 مليار دولار. لكن الصين سجلت نشاطا اقتصاديا وتجاريا بارزا في سوريا الخاضعة لعقوبات شديدة، فقد عملت حوالي 200 شركة صينية في قطاعات الاتصالات والنفط والغاز والنقل في عام 2018 و58 شركة في 2019. وكان الحضور الصيني بارزا في معرض دمشق الدولي حيث ناقش العارضون صفقات تتراوح من تصنيع السيارات إلى تطوير المستشفيات المتنقلة. وتذهب غالبية الصادرات السورية إلى الصين، وتوجد السلع الصينية في كل مكان في الأسواق السورية. وأصبحت حماة، التي تحولت إلى المنطقة الصناعية الأكثر أهمية في سوريا بعد انهيار التصنيع في حلب ودمشق نتيجة للحرب، غارقة في قطع غيار السيارات الصينية، والآلات والمعدات لصناعة السيارات والدراجات النارية وحتى الأحذية. ويقول دورسي إن الأسد قد يرى الاهتمام الصيني كطريقة لتخفيف قبضة موسكو وطهران على بلاده على الرغم من الجهود الروسية والإيرانية لجني فوائد دعمهما لحكومته من خلال الفوز بعقود إعادة الإعمار المربحة. وتمتنع الصين حتى الآن عن الاستجابة بأي شكل من الأشكال لسوريا المتحمسة للبدء في إعادة إعمار البنية التحتية الحيوية قبل استعادة كامل المناطق في البلاد، لكنها مع ذلك لم تفوت استغلال الفرص التجارية. وخلقت قدرة النظام السوري على استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد، باستثناء منطقة إدلب، فرصا اقتصادية لكنها زادت من المخاوف الأمنية الصينية الموجودة بالفعل. ودفع وجود الإيغور في سوريا الصين إلى التفكير في إرسال قواتها للانضمام إلى القتال في إدلب حيث تخلت عن الفكرة في نهاية المطاف بعد أن كاد العالم يشهد أول تدخل عسكري صيني في هذه المنطقة في العقود الأخيرة. وتشير تقارير إعلامية متكررة وغير مؤكدة إلى أن الصين تتبادل معلومات استخبارية مع دمشق وأنها أرسلت مستشارين عسكريين على مدى السنوات الأربع الماضية للمساعدة في القتال. لكن في الوقت نفسه وبينما تدعم الصين الجهود المبذولة للتفاوض على إنهاء الحرب فإنها تجنبت حتى اللحظة تولي أي دور قيادي وبقيت مترددة في التورط بالحرب السورية.

مشاركة :