تزايدت المؤشرات على أن القطاع الزراعي أصبح إحدى نقاط الضوء المهمة في الاقتصاد التونسي المنهك في 2022 بعد توقعات متفائلة بفورة استثنائية في إنتاج الحبوب هذا الموسم. وبعد موسمين اتسما بمواجهة مزارعي محاصيل الحبوب تحديات كثيرة، بسبب نقص الأمطار وعدم توفر الأسمدة العضوية وجائحة كورونا، انطلق في الأيام الأخيرة موسم الحصاد الذي يبدو مبشرا بحسب الأرقام الرسمية. وفي منطقة مجاز الباب بولاية (محافظة) باجة شمال غرب البلاد، تنتشر زراعة القمح بنوعيه الصلد واللّين إلى جانب الشعير وشعير علف الحيوانات، وبجودة عالية لأغلب هذه المنتجات من الحبوب. وتعتبر باجة من أهم محافظات الشمال الغربي، التي تضم جندوبة والكاف وسليانة، في مجال الزراعة، وهي الأكبر إنتاجا للحبوب في البلاد. ويقاوم مزارعو الحبوب، الذي يعتبر أحد أهم المجالات التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة، المنغصات في طريق تحقيق بعض الإيرادات لتغطية مصاريفهم في ظل التكاليف المرتفعة. وكان عضو الاتحاد التّونسي للفلاحة والصيد البحري (اتحاد المزارعين) محمد رجايبية قد قال في تصريحات صحافية مؤخرا إن “التّوقعات إيجابية بشأن موسم الحبوب للموسم الزراعي الحالي”، في وقت ارتفعت أسعارها بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية. وقال حينها إن “الإنتاج فوق المتوسط”، متوقعا تسجيل زيادة بحوالي 30 في المئة مقارنة بالموسم الماضي، دون تقديم أرقام مفصلة. لكن وزير الفلاحة محمود إلياس حمزة أكد الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي لعدد من أعضاء الحكومة أن “تقديرات المحصول ستكون في حدود 1.8 مليون طن بنسبة نمو مقدرة بحوالي 10 في المئة مقارنة بالموسم الماضي”. وفي الموسم الماضي استطاعت تونس تحقيق حصيلة حصاد بحوالي 1.64 مليون طن، وهي أعلى من مستوى الموسم الذي سبقه عندما بلغت كمية المحصول نحو 1.53 مليون طن. وبحسب وزارة الفلاحة تتراوح احتياجات البلاد من الحبوب سنويا بين 3 و3.4 مليون طن، منها قرابة 1.2 مليون طن للقمح الصلد والقمح اللين. وتضررت تونس، التي تعاني من أزمة مالية شديدة، بشدة من ارتفاع أسعار القمح العالمية بفعل ما يحصل في منطقة البحر الأوسط، لكنّ جزءا كبيرا من المسؤولية تتحمله السلطات كونها لم تضع استراتيجية استباقية تجنبها مثل هكذا وضعية. ويقول محمد الحمايدي وكيل شركة لتجميع الحبوب في باجة لوكالة الأناضول “بعد الحصاد يكون التوجه إلى المراكز الجهوية لتجميع الحبوب التي تزن محاصيل المزارعين ثم تسلمهم إيصالات في مقابلها، على أن يتم تحويل ما يتم جمعه إلى المراكز المركزية لديوان الحبوب”. وتابع “نأمل أن تكون الحصيلة واعدة، الكل يقوم بدوره ونتمنى أن نتجاوز النقص الحاصل في المواسم الماضية”. وتعد التغيرات المناخية وتدهور الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه، من بين أهم العوامل التي تعرقل تحقيق الأمن الغذائي لتونس في ظل الجفاف الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة. ولكن حتى الإجراءات الحكومية المتبعة تحتاج إلى إعادة ترتيب، حيث يطالب المختصون بتقليص نسبة إهدار الحبوب عند الحصاد عبر تعديل آلات الحصاد وتشكيل فرق عمل تضبط هذا الأمر بطرق علمية. وهناك شق آخر يضغط من أجل إعادة تنظيم مراكز التجميع بكافة أنحاء البلاد مع العمل على دعم المناطق ذات طاقة الخزن الضعيفة. وتجتمع مآخذ أغلب الخبراء حول غياب رؤية واضحة من قبل السلطات لمعالجة التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي بشكل عام، والتي تفاقمت بشكل كبير منذ العام 2011. وفي أبريل الماضي أعلنت الحكومة عن برنامج يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ابتداء من الموسم المقبل بعدما قلصت حرب أوكرانيا فرص استدامة الإمدادات من الأسواق الخارجية، فضلا عن الجفاف الذي يضرب شمال أفريقيا منذ سنوات. وأكد طارق مطوسي رئيس اتحاد المزارعين بمدينة مجاز الباب أن “كل الظروف مناسبة لحصاد الحبوب الذي ستكون حصيلته قياسية مقارنة بالموسمين الماضيين”. وأوضح أن الأمطار في الشتاء وتوفر الأسمدة سيساهمان بشكل مهم في تحقيق نتائج جيدة لحصيلة الإنتاج سواء في الحقول المملوكة للدولة أو في حقول المزارعين. ولكن مطوسي حذر من الحرائق التي يمكن أن تؤثر على الحصيلة النّهائية لإنتاج بعدما اندلعت العشرات منها مؤخرا بعدد من حقول الحبوب في الفترة الماضية. وتحتل الزراعة مكانة محورية في الاقتصاد التونسي، إذ تشير أحدث التقديرات إلى أنها ساهمت بنحو 9 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وما بين 9 و10 في المئة من مجموع الصادرات سنويا. ويستقطب القطاع حوالي ثمانية في المئة من مجموع الاستثمارات، وهو يشغل 15 في المئة من إجمالي اليد العاملة. وتشير تقديرات اتحاد المزارعين إلى أن عدد الأسر العاملة بالقطاع يبلغ 580 ألفا، يشكل عدد أفرادها حوالي ثلاثة ملايين شخص. ويؤكد علي اليحياوي الذي يعمل على آلة الحصاد بأحد حقول مجاز الباب أن المؤشرات الأولية تبشر بحصيلة جيدة مقارنة بالموسمين الماضيين. وقال إن “النتائج ستكون جيدة سواء للمزارعين أو العمال الدّائمين أو الموسميين، الذين اجتهدوا طيلة السنة للوصول إلى ما وصلنا إليه”. وأضاف “نتمنى ألا تفسد الحرائق فرحة المزارعين، والكل يعمل على إنجاح موسم الحصاد الذي سيسهل العمل في الموسم المقبل بتوفر بذور جيدة وعلف للحيوانات ومؤونة لكل التونسيين”. وتظهر التقديرات الرسمية أن تونس تستورد قرابة 70 في المئة سنويا من احتياجاتها من الحبوب، 90 في المئة منها هي في الأساس من مادة القمح.
مشاركة :