مسقط - الرؤية شاركتْ فرقة الزاوية العمانية -بقيادة محمد موسى البلوشي رئيس المنشدين- في مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمي بالمملكة المغربية، في دورته السادسة والعشرين، وأَحْيَت ليلَتيْن؛ أبرزت خلالهما ثراء التجربة الروحية العُمانية والتي يُطلق عليها "السلوك"، والتي أنتجت تجلياتٍ شعرية تعكس مدى عمق تجربة السلوك والتصوف عند العمانيين وتفاعلهم مع عموم التجربة الصوفية في العالم. وعُقِد المهرجان بالتزامن مع انعقاد المنتدى الفكري بعنوان "الهندسة المعمارية والجانب المقدس"؛ حيث قدَّم الدكتور ناصر بن حمد الطائي مؤلف وباحث في الموسيقى، خلال الملتقى، ورقةَ عمل بعنوان "الرموز الروحانية والطراز المعماري في عُمان: واحة للحوار الثقافي والديني بين الشعوب". واعتبَر الطائي أنَّ المُشاركة العُمانية في المهرجانات والمحافل العالمية تُسهم في إثراء الفنون العمانية وبناء جسور للعلاقات الإنسانية بين الشعوب. وتكشفُ الفرقة عن تنوُّع التجربة الروحية من خلال طاقة الألحان الشجية الموروثة من الشمال إلى الجنوب، وكذلك الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف بإقامة "المالد" والمدائح، مُقدِّمةً روح هذا الفن للحضور والذين قَدِموا من مختلف أقطار العالم. وتضمَّنتْ ورقة العمل كذلك الحديث عن التعددية الجغرافية والفنية العمانية، والتي تُميِّزها عن دول الجوار بتنوعها الجغرافي والثقافي والتاريخي؛ مما يغرسُ في الشخصية العُمانية مبادئ الانفتاح على الآخر، وزرع قيم المحبة والسلام والتعاون بين الشعوب. وتحدَّث الطائي عن الطراز المعماري الديني العماني، والذي يتميَّز ببساطة البناء والتقشف، وخلو مباني العبادة من الزخارف والرسومات والنقوش في عمارتها؛ حيث بُنِيت هذه المساجد من الطين وجذوع النخل والحجارة. مضيفا أنَّ هذه الفلسفة في النظام المعماري العماني انعكستْ على خصائص الموسيقى الشعبية العمانية؛ حيث جاءتْ الفنون في عُمان مقرونةً بالمناسبات، وتُقدم من قبل كافة افراد المجتمع، وهي فنون تعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على الصوت الإنساني، وخلوها من الآلات الموسيقية باستثناء الآلات الإيقاعية وبعض الآلات الهوائية والوترية. وأضاف الطائي أنَّ الموسيقى العُمانية هي أحادية الصوت، لكنها تتميَّز بتعددية الإيقاع؛ حيث يلعب الإيقاع دورًا رئيسيًّا في الموسيقى العُمانية لمصاحبة الطقوس التي تُقَدم من خلالها، وهي موسيقى مرتبطة بالأداء الحركي والمهني. كما سلَّط الضوء على فن "المالد" والرموز الروحانية للموسيقى العمانية؛ حيث يُمارس الطقس تقليديًّا بدون آلات موسيقية ما عدا الدفوف، ويكون فيه الصوت الإنساني هو أقرب الطرق للوصول إلى الخالق، كاشفا عن بساطة الأداء والقوالب الموسيقية وأهمية الإيقاع والضرب على الأرض ليس فقط كعامل إيقاعي ولكن كرمز للفناء "فنحن من الأرض ونعود إلى الأرض". وقال الطائي: إنَّ مَيَلان الجَسد من قبل أعضاء الفرقة يُشبه حركة الموج، ويساعد في الوصول إلى النشوة الموسيقية؛ في إشارة إلى تأثُّر الأداء الديني بالفنون البحرية. مُتحدثا عن خاصية الطرب والنشوة في فن المالد؛ حيث تُستخدم عوامل حسية أخرى كالبخور لتنقية الروح وكجسر للتقرُّب إلى الخالق. وتابع: "إن النظام المعماري العماني ينبع من الإيمان الروحاني للإنسان، وللتذكير بعظمة الخالق، وأنَّ دور الفنون هو الذكر والعبادة؛ حيث شكَّلت هذه المعالم الإطار العام للشخصية العمانية المبنية على قيم السلام والانفتاح على ثقافات الشعوب؛ دعما لمبادئ التعايش بين الجميع".
مشاركة :