الاتحاد الأوروبي وضع إجراءات محددة لأي دولة ترغب في الانضمام إليه يجب اتباعها ليتم بشكل يسمح له بمتابعة مسيرته التي تطورت عبر عقود، وتحقيق الأهداف المأمولة لشعوب دوله، والقبول بأي استثناءات تتعلق بأوضاع دول أوروبية لن يخدم هذه الشعوب ولا الاتحاد الأوروبي مستقبلا. تشهد القارة الأوروبية مع الغزو الروسي لجمهورية أوكرانيا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، الكثير من الأحداث والمستجدات، كما أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التطورات الجديدة التي لن تقتصر على هذه القارة، بل ستمتد إلى قارات أخرى، وتشكل مشكلة الأمن الغذائي مثالا واضحا تعيشه مثلا القارة الإفريقية، وما تعانيه من نقص في وصول كميات كافة من الحبوب التي تُعّد عنصرا أساسيا وحيويا في حياة شعوبها. لكن نود أن نلفت النظر إلى حدث مهم يتعلق بمستقبل أوكرانيا ومستقبل الاتحاد الأوروبي أيضاً! فقد زارت رئيسة المفوضية الأوروبية، الألمانية (أورسولا فون دير لايين) في الحادي عشر من هذا الشهر، العاصمة (كييف)، للبحث مع الرئيس الأوكراني موضوع انضمام بلاده إلى هذا الاتحاد، بالإضافة إلى موضوع إعادة إعمار هذا البلد الأوروبي نتيجة ما لحق به من أضرار ودمار وخراب. وسيمر، حسب الأصول، قبول انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بعدة مراحل لن ندخل في تفاصيلها القانونية، ولكن تبدأ العملية عادة بإبداء رأي المفوضية الأوروبية بقبول هذا البلد كمرشح رسمي لهذا الانضمام، ومن ثم يأتي قرار قادة الاتحاد الأوروبي بخصوص طلب أوكرانيا، ووعدت المفوضة بإبداء هذا الرأي خلال الأيام القادمة، وعلى أبعد احتمال قبل يومي 23 و24 يونيو حين سيجتمع هؤلاء القادة لحسم هذا الترشيح رسميا. ويطرح في واقع الحال قبول هذا البلد الأوروبي مرشحا رسميا عدة إشكاليات نرى أنه من الصعب تجاوزها في فترة قصيرة على الرغم من تعاطف عدد كبير من الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي معها ومع شعبها، وفي الوقت الذي لا يرحب فيه عدد آخر من قادة هذا الاتحاد بذلك الانضمام نظرا لعدم توافر الشروط الضرورية لقبول دولة كمرشح رسمي، ولا نستغرب إذا عرفنا أن (الفساد) الذي تعانيه هذه الدولة الأوروبية بالإضافة إلى حالة الحرب التي تعيشها تعوق قبول ترشيحها، وهو ما أشارت إليه بوضوح رئيسة المفوضية الأوروبية خلال زيارتها الأخيرة لأوكرانيا، وإذا كانت حالة الحرب معروفة والكل يسعى لوضع حد لها وتوقفها، فإن محاربة الفساد وضمان وجود آليات تسمح بالقضاء عليه هي من بين الشروط الأساسية للانضمام للاتحاد الأوروبي. وتتمثل إشكالية أخرى تتعلق بهذا الانضمام خصوصا بوجود دول أوروبية مثل جورجيا ومولدافيا، تنتظر أن تبين المفوضية الأوروبية رأيها فيما إذا كانت دول مرشحة للانضمام إلى هذا الاتحاد، ناهيك عن دول تنتظر دورها كدول مرشحة رسمية لهذا الانضمام، وهي: ألبانيا، وتركيا، والجبل الأسود، وصربيا، ومقدونيا الشمالية، يضاف إليها دول يُنظر إليها كدول مرشحة محتملة للانضمام مثل: البوسنة والهرسك، وكوسوفو. إن تعاطف الدول الأوروبية وشعوبها مع أوكرانيا جاء نتيجة الغزو الذي تعرضت له، ولا يمكن تبرير أي غزو أو قبوله بأي شكل من الأشكال، ومهما قُدمت من مبررات وحجج فلا يبرر برأينا تجاوز الشروط القانونية التي وضعها الاتحاد الأوروبي لتنظيم الانضمام إليه، ولا يعفي من الالتزام بالقواعد التي تهدف إلى حسن قيام هيئات الاتحاد الأوروبي بوظائفها، وتحقيق الأهداف التي يسعى الاتحاد إلى تحقيقها. كما تبرز معضلة جديدة تنبه لها قادة الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة تتعلق بسياسات بعض دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي ومختلف مؤسساته، والتي أصبحت منذ فترة ليست ببعيدة أعضاء في هذا الاتحاد، وكونها لا تلتزم كما هو مفروض بقواعد هذا الاتحاد وما يفرضه من التزامات، وخير دليل هو كل من بولونيا وهنغاريا! أصبحت كل من هاتين الدولتين الأوروبيتين أعضاء في هذا الاتحاد في الأول من شهر مايو 2004، ولكن ظهرت منذ عدة سنوات مخالفات وتجاوزات لا تتناسب مع سياسات الاتحاد وقوانينه، وتتمثل بشكل رئيس بعدم احترام استقلالية العدالة، وحرية الصحافة، وفصل السلطات، وانتهاك مبدأ سيادة القانون. نتساءل هنا: هل نحمل التسرع بقبول دول أوروبية لم تعرف قواعد عمل الاتحاد الأوروبي ولم تحترمها مؤسساته، مسؤولية ما يقع من مخالفات وتجاوزات، أم أن الحكومات التي وصلت لسدة الحكم ولو بفضل انتخابات ديموقراطية، هي المسؤولية بالدرجة الأولى عن انتهاج سياسات لا تتطابق مع قيم الاتحاد الأوروبي وقواعده؟ لا نملك إجابة كافية وشافية لهذا السؤال، ولكن ما يجب أن نلفت إليه الانتباه هو ضرورة عدم التسرع في قبول دول جديدة، وعلى الرغم مما تمر به من ظروف صعبة وأحداث خطيرة مثل أوكرانيا في هذا الاتحاد ما لم تستكمل فعليا الشروط المطلوبة حتى يتم قبولها حسب الأصول المحددة في نظام الاتحاد، ولا أن يتم تفضيل دول على دول أخرى إذا تم قبولها كلها كدول مرشحة لهذا الانضمام. لقد تم وضع مجموعة من القواعد تتعلق بانضمام دولة ما إلى الاتحاد الأوروبي، وتوجد إجراءات محددة يجب اتباعها لتتم عملية الانضمام بشكل يسمح لهذا الاتحاد بمتابعة مسيرته التي تطورت عبر عدة عقود، وتحقيق الأهداف المأمولة لصالح شعوب دول الاتحاد، فالقبول بأي استثناءات مرحلية أو تتعلق بأوضاع دول أوروبية لن يخدم برأينا هذه الشعوب ولا الاتحاد الأوروبي مستقبلا. * أكاديمي وكاتب سوري مقيم في فرنسا.
مشاركة :