تأتي الدورة الحالية من مهرجان الفنون الإسلامية، لتبرز أنماطاً وأشكالاً فنية جديدة، ولتطرح رؤية معاصرة لدى الكثير من الفنانين في تناولهم لثيمة النور وتوظيفها بما يناسب تجربتهم وتطلعاتهم الفكرية والتشكيلية. تبرز ضمن الأعمال المشاركة تجربة الفنان المصري عمرو فكري، وهو فنان تشكيلي وصانع أفلام وموسيقي ومصور فوتوغرافي، عمل على العديد من المشاريع الفنية القيمة، كما شارك في العديد من المعارض العربية والدولية، كما تم اختياره لتصميم وتنفيذ ديكور مسرح هاورد بالجامعة الأمريكية، كما شارك كممثل في أفلام قصيرة تم عرضها بمهرجان السينما القومي. يشارك فكري في المهرجان بعمله الذي يحمل عنوان نون، وهو عمل مركب بتصوير الفيديو مدته 10 دقائق، مستخدماً مواد بسيطة مثل ملح الأرض الناتج عن الترسبات على أطراف البحيرات المالحة، وهذا الملح في مصر اسمه النترون، وأصل الكلمة النتر وتعني المقدس، ومن ثم يستخدم انعكاس النور على سطح الملح ليخلق تموجات تمثل الروح وبحثها الدائم عن الحقيقة، والنور الذي يتجلى على الذات الإنسانية فيحييها. يستهدف فكري في أعماله هامش الشعور الذي يخلقه اجتماع الصورة والنص، فالفن لديه أولا وأخيراً هو في تقاطع المشاعر، وبرأيه ينتهي دور الفنان لحظة صياغة المنتج لخلق هذه المشاعر، منطلقا في الجوانب الذهنية لديه من هواجس اكتشاف الذات وحدود معرفتها وكيفية تحقق هذه المعرفة، وبالتالي الرؤية وما يمكن أن تجعلها تتوارى أو تتكشف، فيقول كلما استغرقت في التجرد كان العمل أقرب إلى القلب من العقل، لذلك حددت نقطة عملي في تجريد الرؤية التي أقدمها عبر أعمالي، حيث تعكس أعماله وطريقة صياغتها عمق الثقافة الشرقية وجوهرها الحضاري الباعث على قيم التسامح والحوار، وتجمع أعماله بين ما هو حسي ومجرد، بين الصورة والنص، بما يمكنه من مخاطبة خيال المتلقي بطريقة حيوية. يحاول فكري أن يبرز مرونة الفن الإسلامي وقدرته العالية على التمظهر ضمن إي شكل من الأشكال أو التعبيرات الفنية سواء كانت تقليدية أم معاصرة، فهو يحرر أعماله من الطرز الفنية التقليدية والزخرفية إلى حالة روحية معاشة تصل إلى المتلقي من دون حواجز أو استعدادات مسبقة، حيث يفهمها هذا المتلقي مهما كانت ثقافته وبالطريقة التي تناسبه. يؤكد فكري أنه وعلى امتداد تجربته الفنية، كانت الموضوعات الروحية هي السمة الأبرز في أعماله، حيث اشتغل كثيرا في الموضوعات الروحانية كالحجاب والبصيرة ومسألة الوعي لدى المدارس الدينية القديمة وبحثها عن الإنسان في تجليه المادي والروحي، ما أكسبه خبرة واسعة في نقل هذه المفاهيم إلى الحالة الفنية دون أن تترك انطباعاً مبهماً أو غير مفهوم لدى المتلقي. وحول العلاقة الإشكالية بين المتلقي العربي والفن المعاصر، يشير فكري إلى أن الفن المعاصر ظهر في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية نابعا من تساؤلات وجودية عن الهوية وحرية الإنسان فأخذت المدارس الفنية والفنانين بشكل فردي بالتجريب والبحث المستمر عن إجابات عن هذه الأسئلة دون أن تغفل طبيعة الإنسان الغربي وتكوينه الفيزيولوجي والثقافي والبيئي، لكن عندما ظهرت هذه الأشكال الفنية المعاصرة في منطقتنا جاءت مستنسخة عن النموذج الفني الغربي، دون أن تأخذ بعين الاعتبار البنى الثقافية والفكرية لأهل هذه المنطقة الجغرافية، فأصبح الفنان وما يقدمه من نتاج معزولاً عن المتلقي الذي لم يفهم هذه الأنماط ،ولم تؤثر فيه أو تحرك خياله وتترك بصمتها لديه. إضافة إلى أننا نعيش في منطقة كانت فيما مضى مركزاً حضارياً مشعاً للإبداع والابتكار، والإنتاج الفكري الخلاق في الفلسفة والفكر، وهذا كله ترك إرثاً عظيماً لم يستغله الفنانون من حيث البحث في أبعاده الجمالية وقدراته على التطور والتأقلم مع جميع المستجدات، يضاف إلى ذلك سيطرة قيم العولمة الشرسة والربح على حياتنا اليومية، ما دفع باتجاه الابتعاد عن الجذور والأصالة الفكرية نحو نمط مشوه موحد. يؤكد فكري دور الفنان اليوم ودائماً، أن يكون ملهماً ويفتح المجال ويعطي الإشارات نحو الإبداع وحرية التفكير، عبر أطروحات تعيد صياغة الشخصية العربية أو المشرقية من ضمن الإرث الحضاري الطويل الذي عاشته هذه المنطقة، مع عدم الانغلاق والرجوع إلى التراث بشكل جامد، إنما من خلال فهم حقيقي وتحرر وثقة بالذات العربية المبدعة.
مشاركة :