في المرة المقبلة التي تشاهد فيها فيلما عربيا يصفع فيه رجل امرأة عليك أن تسأل نفسك ثلاثة أسئلة: هل ستردّ المرأة له الصفعة مباشرة؟ هل سيناريو الفيلم كان ليتأثر، جوهرياً، لو تم اقتطاع مشهد العنف ذلك؟ هل تشاهد المشهد في وجود طفل، وما ستكون إجابتك إن سئلت:" بابا.. ماذا فعلت كي تستحق الضرب؟". هل يستحق العناء؟ مئات الأفلام، في سينما مصر والعرب، على مدى عقود، صدّرت صوراً لعنف ضد المرأة، مباشر أو رمزي. كما أن صرخة "اخرسي" التي يتبعها صفع عنيف للخد، هي لازمة اعتبرت من المفضلات في قصص الأفلام، وتروي الكثير من الممثلات في شهاداتهن، بافتتان مستغرب بعض الشيء، عن أن علامات يد الممثل ظلت ظاهرة على وجوههن لأيام بعد تأدية المشهد! هل كان الأمر يستحق هذا العناء؟ هل أن صانع الفيلم كان بوسعه إيصال المعنى ذاته الذي أراده من وراء الصفعة بطريقة بديلة؟ هل يستحق الوعي لخطر تصدير صور العنف وتنميطها جهداً إبداعياً أكبر للهروب منه؟ صناع السينما التونسيون مشغولون حاليا بالبحث عن إجابات لتلك الأسئلة. لقد اجتمعت مجموعة من الممثلات والممثلين والناشطات الحقوقيات في مجال المرأة مع عشرات الشابات والشبان في "مدينة الثقافة" في العاصمة تونس، بدعوة من المهرجان النسوي الأول للجمعية التونسية الحقيقية "أصوات نساء". وليس من الغريب على الفضاءات العامة في تونس مناقشة قضايا النساء، فزائر المدينة، بمجرد قيام بجولة في شوارعها، سيلاحظ الكثير من الشعارات والغرافيتي على الجدران التي تعيد التأكيد على الحقوق المكتسبة للمرأة في تونس، منذ عهد الاستقلال، وأيضاً على حقوقها الإنسانية المكرسة عالمياً. تكتسي الكثير من الجدران برسائل تحرض المرأة على البوح والكشف عن ممارسات تنتهك جسدها أو حقوقها. وهكذا أيضا تفعل الكثير من الأفلام التونسية، وتحديدا تلك التي ظهرت خلال العقد الماضي. مسؤولية الوعي تقول الممثلة نادية بو ستة، المعروفة بأدوارها وآرائها الشجاعة في مواجهة ممارسات التمييز ضد المرأة والفئات المهمشة في المجتمع:" هناك مسؤولية بلا شك تقع على عاتق المرأة المشتغلة في السينما، سواء كانت ممثلة أو مشاركة، أن تتبين ما إذا كان العمل الذي تشارك به، يروج لنمط العنف الرمزي ضد المرأة، وهو برأيي أخطر من العنف الواضح، لأنه يخاطب اللاوعي ويكون مستوراً". وينطوي العنف الرمزي برأي بو ستة على السيناريوهات التي تحقر المرأة او تهين كرامتها بطرق غير مباشرة. ويوافق الممثل والمخرج نجيب بلقاضي على هذه المقاربة، معتبراً أنه "في حال كان هناك ضرورة لمشاهد العنف يجب أن تكون موظفة درامياً بشكل مقنع"، ومشدداً على أن مخرج العمل بوسعه أن يقدم عنفاً يمارس ضد حالة من دون أن يهين تلك الحالة:" هناك خيط رفيع بين توظيف العنف وبين إهانة الشخصية". النسوية والأنوثة تلك الخيوط الرفيعة وتحديدها هي إحدى المهام التي تضطلع بها اسمهان الأحمر، الممثلة والمنتجة والكاتبة:" أقوم بدورات توعوية للنساء المشتغلات في السينما عن حقوقهن. الكثير من النساء يستخدمن عبارة: لا أستطيع، لا أعرف، لا أعي وأنا أقول: بلى تستطيعين، تعرفين، تعين"، في إشارة إلى دور المرأة نفسها في دفع خطوط الضغط الذكوري عن كاهلها. وعلى الرغم أن الأحمر لا تعتمد مقاربة "جندرية" أثناء كتابتها للشخصيات، الا أنها نجحت في أعمالها بالمس بقضايا التمييز ضد المرأة. في السياق ذاته تقول بو ستة:" أنا أفتخر بأنوثتي، ولا أفترض أن خطاب النسوية هو نقيض لتقدير الأنوثة والاعتزاز بها". لكن بلقاضي يلقي الضوء على استخدام سلبي للأنوثة يطغى بشكل خاص على الأعمال الدرامية التلفزيونية:" هنا أجد الخطورة الأكبر. لو قمنا بتحليل مضمون لكل الشخصيات التي تظهر في المسلسلات، وأخضعناها لمنطق الفعل والخضوع، سنجد أن الشخصيات النسائية متأخرة عن الفعل وسلبية للغاية". وتستذكر الأحمر انه اطلق لفظ "شخصية ذكورية" على احدى الشخصيات النسائية في عمل كتبته لمجرد أن الشخصية أظهرت تمكنها من سلطة القرار على خياراتها. في المرة المقبلة التي تشاهد فيها رجلا يصفع امرأة في فيلم، قم بتجميد اللقطة، ليس فقط عبر جهاز التحكم بالشاشة، ولكن أيضا عبر "جهاز التحكم بقناعاتك الأخلاقية"، وافحص جيدا: هل كان الأمر يستحق.. العنف! طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :