حسرة كبيرة يشعر بها الإنسان وهو يشاهد ما تبثه بعض وسائل الإعلام على فترات متباعدة من مشاهد مؤلمة لحوادث عنف يتعرض لها بعض أفراد الأسرة، ولاسيما شريحة الأطفال الذين يدفعون بدون ذنب فاتورة غضب آبائهم أو إخفاقاتهم؛ فهناك أطفال كثيرون تعرضوا لتعنيف أحد والديهم أو كليهما، وأصبحت أجسادهم الضعيفة مسرحًا لتفريغ همومهم وغضبهم. القاسم المشترك الأعظم وراء هذه الحوادث – كما يشير المختصون – يعود إلى الخلافات بين الأزواج؛ إذ يميل بعض الآباء أو الأمهات للانتقام من الطرف الآخر عبر تعذيب الأطفال أو إهمالهم، كما يميل البعض لذلك الفعل الذي حرَّمته الشرائع والأديان كافة كنوع من ممارسة الضغوط على الطرف الآخر لتحقيق رغباته والرضوخ لمطالبه. كذلك يعود السبب وراء معظم هذه الحالات إلى تعاطي المخدرات التي هي أسوأ ما ابتُليت به الإنسانية على مرّ تاريخها؛ فهي سبب رئيسي في تفشي العنف؛ فكم من بيت أهمله الأب، وتعثر في الصرف عليه وتوفير احتياجاته، وتجاهل مراعاته وشؤونه، بسبب الركض وراء متعة زائفة.. وكم من طفل فقد حياته أو أُصيب بعاهة مستديمة نتيجة الاعتداء عليه بالضرب ممن فقد عقله وأُصيب بالهستيريا بسبب تلك الآفة. وتؤكد إحصاءات الأجهزة الأمنية الخاصة أن غالبية حالات الطلاق وحوادث العنف الأسري كان السبب الرئيسي فيها إدمان أحد الأبوين على المخدرات. هناك أيضًا من يمارس جريمة العنف الأسري رغم عدم تعاطيه أي مؤثرات عقلية؛ وذلك بسبب خلل في فهمه واستيعابه لمفهوم القوامة، وجهله بأساليب التربية الصحيحة.. فالبعض يعتقد أن ضرب الأبناء والأزواج هو نوع من التربية والتقويم، وأن أهل بيته هم جزء من أملاكه؛ يستطيع أن يفعل بهم ما يشاء دون أن يملك أحد الحق في معاتبته أو الحديث معه. أمثال هؤلاء -من وجهة نظري- أشد خطرًا من غيرهم؛ لأنهم يعيشون بيننا بصورة طبيعية، ويجدون الاحترام من الآخرين في الأماكن العامة؛ لأنهم يتظاهرون بالاستقامة، وما إن يعود الواحد منهم إلى بيته حتى يتحول إلى كائن آخر، متجهم عبوس، لا تعرف الابتسامة طريقًا إلى وجهه؛ لأنه يظنها دلالة على الضعف. المؤسف أن هناك من يحاول اختلاق الأعذار لهؤلاء بذريعة أن تربية زوجاتهم وأبنائهم من صميم واجباتهم، ويحاولون التخفي وتعليق تلك الإخفاقات على شماعة الشريعة الإسلامية. ويتناسى هؤلاء أن الضرب المقصود يأتي في سياق محدد، وليس الهدف منه الإيذاء البدني أو إحداث الألم، إنما له بعد رمزي فقط. كما أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لم يضرب أيًّا من زوجاته، ولم يعنف بناته، حتى خادمه لم يعاتبه. لهؤلاء أقول: إن أبناءنا أمانة في أعناقنا؛ استأمننا عليها الله -عز وجل-؛ ونحن مسؤولون عنهم يوم القيامة. وإن التربية لا يمكن أن تكون عبر التعذيب والإهانة؛ فهي مهمة سامية، قام بها الرسل والأنبياء، ومارسوها بالصبر والنصيحة والتحفيز.. فملكوا قلوب الناس، وخلَّدوا أعظم السير.
مشاركة :