يكثر السؤال هذه الأيام عن تأثير درجات الحرارة الخارجية على النوم وجودته، ففي فصل الشتاء تنخفض درجات الحرارة وتتأثر بذلك صحة الإنسان بصور مختلفة ندرك الكثير منها مثل زيادة الإصابة بنزلات البرد والزكام والإنفلونزا. لذلك يتساءل الكثيرون هل تؤثر درجات الحرارة الخارجية في النوم أو وظائف النوم؟ وعند الحديث عن النوم، لا بد من التعرض لجزئيتين مهمتين هما: (1) تأثير درجة الحرارة على الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي؛ (2) تأثير درجة الحرارة على جودة النوم. ويمكن أن يضاف إلى ذلك (3) تأثير المواسم على مدة النوم حيث يقل وقت النهار في الشتاء ويزداد وقت الليل. تأثير درجة الحرارة الخارجية على الإيقاع اليومي ودرجة الحرارة: من المعلوم أن ساعة بيولوجية داخلية تقدر بحوالي 24 ساعة تحكم الإيقاع اليومي وجميع الوظائف الفيزيولوجية في جميع الكائنات الحية من الإنسان إلى الحيوانات والنباتات وكذلك الكائنات الخلوية مثل عفن الخبز. وتتأثر هذه الساعة البيولوجية بالمؤثرات الخارجية مثل الضوء. وتُعرَّف الساعة الحيوية بأنّها: قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعات معينة -عادة بالليل- إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى -عادة وقت النهار-. ولكن الدراسات السابقة بينت أنه الحرارة الخارجية لوحدها لا تؤثّر في طول الساعة البيولوجية. وهذا ما أكدته دراسة حديثة نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences في نوفمبر 2015. وبالرغم من تأثير الحرارة الخارجية على بعض التفاعلات الكيميائية في دورة الساعة البيولوجية، إلا أن المحصلة النهائية هي عدم تأثر الساعة البيولوجية بالحرارة الخارجية. ويعزو الباحثون ذلك إلى آلية تسمى "تعويض درجة الحرارة" حيث أن تأثير الحرارة الخارجية على العديد من التفاعلات الكيميائية في دورة الساعة البيولوجية يلغي كل منهما الآخر، وفي المجموع لا تتأثر الساعة البيولوجية. تأثير أوقات الشروق والغروب على مدة النوم: بالرغم من أن تغير درجة الحرارة لا يؤثر على الساعة البيولوجية إلا أن تغير مواعيد شروق وغروب الشمس المصاحب لتغير الفصول قد يؤثر على الساعة البيولوجية ومدة النوم. ففي فصل الشتاء يتأخر وقت شروق الشمس، ويصبح من المعتاد الذهاب للعمل صباحاً والأجواء ما زالت مظلمة، وهذا هذا يؤثّر على الساعة البيولوجية في الجسم التي تحدد متى ننام ومتى نستيقظ. وكما ذكرنا أعلاه، فإن الضوء هو العامل الأساسي الذي يضبط الساعة البيولوجية ويعايرها بشكل يومي، وذلك عن طريق التحكم في إفراز هرمون النوم -الظلام- "هرمون الميلاتونين"، حيث إنّ هرمون النوم يفرز من الغدة الصنوبرية في المخ، وهي مرتبطة بعصب النظر؛ لذلك تغيّر أوقات التعرض للضوء يؤثر على إفراز الهرمون، لافتاً إلى أنّ الإفراز يزداد مع بداية النوم، ويصل أعلى مستوى له في الدم في ساعات الفجر الأولى (2-3 صباحاً)، ويصاحب ذلك انخفاض في درجة حرارة الجسم الأساسية، ثم يبدأ مستوى الهرمون في الانخفاض، ويصل أدنى مستوى له خلال ساعات النهار، لذلك لا بد من النوم المبكر خاصة خلال فصل الشتاء؛ للتمكن من الاستيقاظ صباحاً في حالة نشاط كامل. وقد أظهر عدد من الدراسات آخرها دراسة حديثة نشرت في أغسطس 2015 في مجلة JOURNAL OF BIOLOGICAL RHYTHMS قام بها باحثون في جامعة هارفارد لمعرفة تأثير الفصول على مدة النوم. وقد درس الباحثون مجتمعَين من السكان الأصليين في الأرجنتين بينهما تشابه كبير في مختلف الخصائص ولكن أحداهما تتوفر لها كهرباء في الليل والأخرى لا تتوفر له الكهرباء. وبالرغم من أن نوم المجتمع الذي لا توجد عنده إضاءة ليلية كان أطول من المجتمع الآخر، إلا أن المجتمعَين ناما حوالي ساعة واحدة ليلاً أطول في فصل الشتاء مقارنة بفصل الصيف. تأثير برودة الجو على جودة النوم: يدرك القراء أن نومهم يكون متقطعًا وغير مستقر في الجو البارد، كما أن الرغبة في التبول تزداد. أجري عدد من الدراسات على نوم الحيوانات في الجو البارد، ولكن هذه الدراسات ربما لا تنطبق على الإنسان لأنها تجرى في أجواء لا يعيشها الإنسان الطبيعي. أما الدراسات التي أجريت على الإنسان في الجو البارد فهي نوعان، دراسات أجريت في المختبر وأخرى في أجواء باردة بالطبيعة مثل القطب المتجمد الجنوبي. وسنحاول أن نستعرض نتائج هذه الدراسات باختصار. بينت الدراسات أن تأثر النوم بالبرودة يعتمد على المدة الزمنية التي يقضيها الإنسان في الجو البارد؛ فهناك آلية للتكيف حيث يتحسن النوم مع التعود على الأجواء الباردة. ولكن على العموم أظهرت الأبحاث أن النوم يكون غير مستقر في الجو البارد ويزداد القلق. أما تخطيط النوم فقد أظهر نقصاً في مرحلة الأحلام (حركة العينين السريعة REMSleep) في الجو البارد في حين لم يتأثر النوم العميق (المرحلة الثالثة) كثيرًا. ومرحلة الأحلام مرحلة مهمة لوظائف المخ وهي تساعد على صفاء الذهن والتركيز في النهار. كما حدث زيادة في التبول وإفراز هرمونات التوتر مثل هرمون النور أدرينالين، وهذه هرمونات تزداد في حالات التوتر والإجهاد، كما أنها ترفع ضغط الدم، وهي في العادة تنخفض إلى أدنى مستوياتها خلال النوم. أي أن البرودة تغير فيزيولوجيا النوم الطبيعية. ما سبق يبين أن النوم في الجو البارد يعتبر نوعًا من التوتر والإجهاد وهو ما يفسر نقص مرحلة حركة العينين السريعة وزيادة إفراز هرمونات التوتر وهو ما قد يفسر نظريًا زيادة الإصابة بالالتهابات عند النوم في جو بارد. الغريب في الأمر أن كثيرًا من هذا الظواهر تختفي عند تعوّد الإنسان النوم في الجو البارد (أي بعد مرور عدة ليالٍ). ما سبق يظهر أهمية أن تكون غرفة النوم دافئة وخاصة للأطفال لأن التغيرات السابقة قد تكون تأثيراتها أكبر في هذه الفئة السنية. كما أن لبس ملابس تساعد على التدفئة كالبيجامات طويلة الكم الثقيلة أمر مهم جدًا في الحفاظ على حرارة الجسم. وقد درس باحثون تأثير الملابس في النوم في الجو البارد دراسة علمية ووجدوا أن التغيرات السابقة الذكر تقل عند الذين يرتدون ملابس تحافظ على حرارة الجسم. ما سبق قد يبدو كلامًا علميًا للبعض، ولكن الرسالة التي نود إيصالها هي المحافظة على غرف النوم بصورة دافئة والحرص على ارتداء الأطفال ملابس تساعدهم على حفظ حرارة أجسامهم في الليل والنهار والتعرض للضوء الخارجي بصورة منتظمة.
مشاركة :