ظلت مآثر وتاريخ المرأة في الجزيرة العربية -لا سيما في القرون المتأخرة- حبيس ما ينقل لنا عن طريق الرواية الشفهية، كما ظلت الموروثات الأدبية والصور النضالية للمرأة تائهة في بحر المجاهيل، إذ من الصعب أن تجد كتاباً أو مخطوطاً عني بتاريخ وحياة وأدب المرأة في معظم بلدان الجزيرة العربية، ولا شك أن المكتبة العربية الحديثة، لاسيما في المملكة قد شهدت في السنوات الأخيرة طفرةً لا بأس بها في مجالي البحث العلمي والتحقيق والتدوين الأكاديمي لكل ما هو معني بتاريخ المرأة في الجزيرة العربية، ولا شك أن علم التراجم والسير كان ولا يزال أحد أهم هذه العلوم التي توثق حياة ومجتمع المرأة، والتي كان للدكتورة دلال الحربي السبق في عطائها الفريد في هذا المجال، من خلال كتابها "نساء شهيرات"، في حين كان للأديب والمؤرخ الراحل سعد بن جنيدل -رحمه الله- عطاؤه المتميز الذي حفظ لنا من خلاله جزءاً لا بأس به من أدب النساء وأشعارهن لاسيما نساء القرنين المنصرمين، والذي لاح من بين نجومه وأقماره اسم علياء بنت عبدالعزيز آل حميّان زوجة الوجيه علي بن رشيد ووالدة الأمير عبدالله بن علي بن رشيد الصديق الحميم للإمام فيصل بن تركي بن عبدالله وأول أمير من أسرة آل رشيد. نشأت وترعرعت في حائل وتزوجت علي بن رشيد أحد المقربين من الإمام سعود بن عبدالعزيز وعرف ابنها عبدالله بصداقته القوية مع الإمام فيصل بن تركي نشأتها ونسبها تزوجت علياء بنت عبدالعزيز آل حميّان الشمرية من علي بن رشيد بن خليل بن عطية من الربع -الربعية - من آل خليل من آل جعفر من عبدة"، وبهذا فأسرتها وأسرة زوجها من آل جعفر من عبدة، وهما بذلك سليلا إحدى أكبر قبائل شمر التي تتفرع منها عدة بطون، مثل "أسلم" و"سنجارة" و"عبده"، التي منها أبناء العمومة "آل علي" و"آل رشيد"، وحيث تتفرع أسرة "آل رشيد" إلى ثلاثة فروع هم "آل عبدالله" و"آل عبيد" و"آل جبر"، فإن "آل علي" يلتقون بأبناء عمومتهم "آل رشيد" في الجد الخامس "عطية"، حيث إنّ "علي" جد "آل علي" و"خليل" جد "آل رشيد" إخوان، و"عطية" من "الربع" من "آل جعفر" من "عبده"، إحدى أكبر قبائل شمر من قبيلة "طيء" العربية، التي تعود إلى "كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان". ويرجح الباحثون أن علياء نشأت وترعرعت في مدينة حائل حيث مقر قبيلتها غير أنّ خلافاً دب بين ابنيها الأمير عبدالله وأخيه عبيد من جهة، وأمير حائل آنذاك صالح بن عبدالمحسن بن علي (1234-1251ه) من جهة أخرى، سعى خلاله الأمير صالح بن عبدالمحسن إلى إبعادها وابنيها إلى إحدى القرى المجاورة لمدينة حائل، كما روى ذلك ضاري بن فهيد الرشيد في رسالته (نبذة تاريخية عن نجد) التي أملاها على وديع البستاني، ويبدو أن الخلاف لم يكن يتوقف على ابني علياء الأمير عبدالله بن علي وأخيه عبيد، بل كان أيضاً مع أسرة علياء نفسها، حتى أنهم ساندوا - فيما بعد - أسرة آل رشيد ممثلين بالأمير عبدالله بن علي وأخيه عبيد في خلافهما مع الأمير صالح بن عبدالمحسن. تزوجت علياء بعلي بن رشيد، وقد عرف عن زوجها مع شجاعته التحلي بالحلم والتؤدة، وقد وصفه المؤرخ فهد المارك ب "التقي والورع" وترجح الدكتورة دلال الحربي أن زواج علياء بابن عمها علي بن رشيد كان عام 1203ه/ 1789م؛ لأن ولادة ابنها عبدالله كانت في عام 1204ه/ 1790م وفقاً لما أوضحه أبوعقيل الظاهري في "ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد". حكم حائل أنجبت علياء من زواجها بعلي بن رشيد كلاً من عبدالله الذي أصبح فيما بعد أميراً على حائل، وهو أول من تولى الإمارة في أسرة آل رشيد، وهو الذي عرف بصداقته الحميمة مع الإمام فيصل بن تركي، حيث كان بصحبته يوم أن علم الأخير بمقتل والده تركي بن عبدالله، وحينذاك كان الإمام فيصل بن تركي في الأحساء، فعاد بمشورة كبار رجاله الذين منهم الأمير عبدالله بن علي بن رشيد الذي كان له دور كبير في اقتحام حصن المصمك، وهو ما لم ينسه له الإمام فيصل، وقد وصف "ابن بشر" الأمير عبدالله بأنّه: "ذو رأي وشجاعة"، ووصفه "الفاخري" بأنه: "كان صارماً مهيباً، أرجف الأعراب بالغارات حتى خافه قريبهم وبعيدهم"، أما "فالين" الذي كان معجباً به وبأخيه "عبيد" فقال في وصف الأمير عبدالله "أضف إلى ما تقدم ما ذكره من صفاته الشخصية الفريدة وشجاعته ورجولته وعدله وعلى قسوته أحياناً، والمحافظة على وعده وعهده، لم يعرف عنه أنه نكث وعداً أعطاه"، وهذه صفة تجلت كثيراً في بنيه. كما أنجبت علياء من علي بن رشيد كلاً من "عُبيد" العضد الأيمن لأخيه عبدالله الذي لازمه في حله وترحاله ومعاركه وإمارته ودون ملاحمه في قصائد منشورة مشهورة على ألسنة العامة، أما الابن الثالث فكان عبدالعزيز الذي شهد مع أخيه عبدالله معركة في الحلّة بالعراق وتوفي بها عام 1229ه كما ذكر ذلك أحمد بن فهد العريفي فيما عنونه ب "ملاحظات على كتاب رحلة إلى بلاد نجد"، وربما كان ذلك حين انحدر الأمير عبدالله وأخوه "عبيد" إلى (العراق) - أثناء ولاية "داود باشا" - بعد أحداث يطول شرحها، حيث نزلا عند الشيخ "صفوق الجربا"، وكان الوالي العثماني ل (العراق) "داود باشا"، ثم أن علياء أنجبت ابنتها نورة التي يعتزي بها آل رشيد والتي تزوجت من آل جرباء كما يذكر ضاري في نبذته التاريخية. تباين وتخالف وقد أضاف أبو عقيل الظاهري لأبناء علي بن رشيد من زوجته علياء كلاً من "سليمان" و"رشيد"، أما سليمان الدخيل فذكرهم في مشجرة آل رشيد المعنونة ب"القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد" أنهم ثلاثة هم: "عبدالله" و"عبيد" و"رشيد" في حين ذكرهم حمد الجاسر في "جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد" على النحو التالي "عبدالله" و"عبيد" و"جبر"، أما أحمد بن فهد العريفي الذي ناقش هذا التباين والاختلاف بين هذه الروايات فقد خلص إلى القول إن أبناء علي بن رشيد من زوجته علياء هم: "عبدالله" و"عبيد" و"عبدالعزيز" فقط. وتقول الدكتورة دلال الحربي وفقاّ لما ذكره العريفي في "ملاحظات على كتاب رحلة إلى بلاد نجد" إن ثمة روايات لبعض الباحثين تزعم أن علياء تزوجت بزوج آخر من أسرة آل جراد التميمية النسب، وأنجبت له ولداّ قتل في معركة بقعاء عام 1257ه، وتقول "غير أن هؤلاء الباحثين لا يحددون إن كان زواجها هذا كان قبل زواجها من علي بن رشيد أم بعد وفاته"، مضيفة "أن علياء وأسرتها المكونة من زوجها وأبنائها عاشوا في بداية أمرهم - كما يبدو - حياة بسيطة". القرب من الإمام سعود قال "د. عبدالفتاح أبو علية" في دراسته حول المخطوط التركي (الرحلة الحجازية لسليمان شفيق كمالي) إنّ "علي" والد الأمير "عبدالله بن رشيد" كان أحد المقربين من الإمام "سعود بن عبدالعزيز" - ثالث حكام الدولة السعودية الأولى- حيث كان أحد رجاله الثقات، بل عيّنه الإمام سعود جابياً لزكاة البادية في شمال الجزيرة العربية. وذكر "ضاري الرشيد" أنه كان صاحب ديانة وورع ودين وكرم ولم يكن يؤيد توجه ابنيه "عبدالله" و"عبيد" - رحمهما الله - في خلافهما مع ابن عمهم - أمير الجبل آنذاك - "صالح بن عبدالمحسن آل علي" - رحمه الله - وكانا رهن أمر والدهما يسمعانه ويطيعانه، وبالتأكيد فإن "علي بن رشيد" لم يحصل على هذه المكانة عند الإمام "سعود" إلاّ لثقة الأخير به، بل ذكر صاحب المخطوطة التركية (الرحلة الحجازية) أنّ ل "علي بن رشيد" أخاً يدعى "جبر" عند الإمام "سعود" ب (الدرعية)، وهو عم الأمير "عبدالله بن علي بن رشيد"، وقد ذكر المؤرخ "ابن بشر" أنّ "جبر بن رشيد" كان قد انتقل بعد سقوط (الدرعية) إلى (رأس الخيمة) - وفق ما ذكره "ضاري الرشيد في (نبذة تاريخية عن نجد). ويقول المؤرخ "محمد الزعارير" في (إمارة آل رشيد في حائل): "ويبدو أن جبر كانت له مكانة مرموقة عند سعود بن عبدالعزيز، إذ كان يكرمه إكراماً زائداً"، مستشهداً بما ذكره "ابن بشر" حول ما قاله الإمام "سعود" لعماله في الأقاليم: "إذا ورد عليكم كتاب فيه اسمي وهو خط جبر بن رشيد يكون يعمل فيه ولو ما فيه مهر"، ولم يكن هذا إلاّ دليل على المكانة التي يتمتع بها كل من "علي بن رشيد" و"جبر بن رشيد" عند الإمام "سعود"، لا سيما أنّ "ابن بشر" نفسه كان قد ذكر "جبر بن رشيد" مع من وصفهم ب "أعيان المسلمين". طموح وتطلع وتقول الدكتورة دلال الحربي: "ونستقي من مجموع المعلومات التي وقفنا عليها والمتعلقة بعلياء، أنها كانت وراء ذلك الطموح والتطلع إلى الإمارة عند ولديها، ولعل ما كان يدفعها إلى ذلك موقف أسرتها من آل علي"، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن عبدالله بن علي بن رشيد كان يتقوى بموقف أخواله -أيضاً - مع موقف أسرته في مناوأته أبناء عمومته الذين كانوا في سدة الحكم. ويذكر مسعود الرشيدي في "التحفة الرشيدية في الأشعار النبطية" أن الأمير عبدالله بن رشيد عندما كان مختفياً في أطراف حائل عن الأمير صالح بن عبدالمحسن بن علي جعل من زوجته رسولاً بينه وبين والدته، ويبدو أن والدته علياء كانت شريكا أساسا في بناء شخصيته وإمارته فيما بعد، بدليل أن الأمير صالح بن عبدالمحسن شدد الرقابة عليها، كما يقول مسعود الرشيدي، بل إنه أخرجها خارج مدينة حائل، طبقاّ لما ذكره ضاري الرشيد، ولعل من أبرز الصور التي توضح قوة شخصية هذه المرأة ورغبتها الأكيدة في أن يتولى ابنها الإمارة قولها في إحدى قصائدها: عسى يجي عدل وممشاه قادي وتكثر عذار اللي يدور التحاويش ولا شك أن علياء كانت امرأة مناضلة وشاعرة لها قصائد وأشعار، لو أنها حفظت لاستطعنا الوقوف أكثر على ظروف حياتها ومعيشتها، التي لم تقل لنا الكتب ولا حتى الروايات الشفهية، كيف ومتى توفيت رحمها الله.
مشاركة :