العواقب الاقتصادية المترتبة على السلام في أوكرانيا

  • 6/15/2022
  • 23:34
  • 43
  • 0
  • 0
news-picture

لا تظهر الحرب الروسية الأوكرانية أي علامة تشير إلى اقترابها من نهايتها، لكن ليس من السابق للأوان البدء في التفكير في كيفية ضمان الاستقرار والازدهار والأمن في أوكرانيا بعد الحرب. الآن تجري مناقشتان في هذا الصدد بالفعل: الأولى تدور حول تمويل إعادة بناء الاقتصاد، وتتناول الأخرى تأكيد أمن أوكرانيا الخارجي. المشكلة هي أن هاتين المناقشتين تسيران بشكل منفصل، رغم أن القضيتين مرتبطتان بشكل وثيق. الواقع أن تكاليف إعادة البناء غير مؤكدة لأن مسار الحرب غير مؤكد. كان الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا قبل الحرب نحو 150 مليار دولار. ولأن نسبة رأس المال إلى الناتج ثلاثة، وعلى افتراض أن ثلث المخزون من رأس المال سيباد، فإننا نتحدث مرة أخرى عن 150 مليار دولار. كما هي الحال دائما، تقودنا الافتراضات البديلة إلى سيناريوهات بديلة، لكن مبلغ 150 مليار دولار يبدو نقطة انطلاق معقولة. ليس من المستحيل أن يتعهد المانحون بمثل هذا المبلغ من المساعدات. فهو يعادل سدس حجم برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي الذي وافقت عليه دول الاتحاد الأوروبي في تموز (يوليو) 2020. وهو يمثل 1 على 12 من حجم قانون خطة الإنقاذ الأمريكية الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن في آذار (مارس) 2021. مع ذلك، يبدو من الخطأ مطالبة الولايات المتحدة وأوروبا بإصلاح ما أفسدته روسيا. ولهذا فمن المغري أن نقترح أن عملية إعادة بناء أوكرانيا يجب أن تمول من خلال الحجز على الأصول الروسية. عند مستوى 284 مليار دولار، من المؤكد أن احتياطيات بنك روسيا المركزي المجمدة تغطي الفاتورة. صحيح أن الحجة الأخلاقية لمصلحة التعويضات قوية. هناك أيضا حجة ترتكز على فكرة الردع. على حد تعبير الرئيس الأوكراني زيلينسكي في دافوس هذا العام، "إذا خسر المعتدي كل شيء، فمن المؤكد أن هذا يحرمه من الدافع لبدء حرب". لا تقل الضمانات الأمنية أهمية عن التعافي الاقتصادي لسلامة سكان أوكرانيا. من غير الممكن أن تستمر المساعدات الرسمية في تمويل الاقتصاد إلى الأبد وسيكون الاستثمار الخاص مطلوبا. لكن الاستثمار الأجنبي لن يتدفق إلى أوكرانيا ما لم يكن الأمن مضمونا. الواقع أن الأوكرانيين أنفسهم لن يستثمروا أيضا في غياب الأمن. الغرب قادر على تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن ذاتها من خلال منحها أسلحة أكثر قوة. لكن ما دامت روسيا قوة نووية وأوكرانيا ليست كذلك، فسيظل ميزان القوى مختلا. وقد تؤدي الضمانة الأمنية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى معادلة هذه الميزة الروسية، لكن الغرب عازف وليس دون سبب عن تحمل المخاطر. يتلخص الحل الدائم الوحيد في تصالح روسيا مع استقلال أوكرانيا سياسيا وسلامة أراضيها. والتعويضات هي آخر ما نحتاج إليه لتحقيق هذه الغاية. ذلك أنها قد تعني قدرا إضافيا من المعاناة والمشقة للشعب الروسي الذي يقاسي المصاعب بالفعل. مع اقتراب الاقتصاد من الانكماش بنسبة 10 إلى 20 في المائة هذا العام، فليس الأمر كما لو أن روسيا قد تفلت من العقاب. ومن الواضح أن الإفراط في معاقبة روسيا في سياق المفاوضات لن يجعل هذا أكثر سهولة. نحن نريد أن تحترم الحكومات الروسية في المستقبل القواعد والمعايير الدولية. واستحضار هذه القواعد لاسترداد كل الحقوق لن يجعل تحقيق ذلك أكثر احتمالا. لا يخلو الأمر من تشابه واضح مع التعويضات الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى وبنود ذنب الحرب في معاهدة فيرساي. سواء كان ذلك عن حق أو غير ذلك، فإن الروس الآن، مثلهم كمثل الألمان آنذاك، لا يرون أنفسهم مسؤولين وحدهم عن الحرب. لقد أعطى بند ذنب الحرب في المعاهدة الساسة الألمان القوميين مظلمة ينظمون حملتهم على أساسها. وأعطت المطالب المالية التي أعلنها المنتصرون الحكومات الألمانية الغطاء لتجاهل بنود المعاهدة الخاصة بنزع السلاح وحظر إنشاء اتحاد جمركي مع النمسا. كما تسببت التعويضات في تعقيد مهمة تثبيت استقرار وإعادة بناء النظام الدولي. توقع جون ماينارد كينز كل هذا وأكثر في كتابه الثاقب البصيرة "العواقب الاقتصادية المترتبة على السلام". لا ينبغي لنا أن نبالغ في تقدير تأثير لائحة الاتهام المتعلقة بتعويضات ما بعد الحرب العالمية الأولى. فلم تكن التعويضات وحدها السبب وراء الكساد العظيم، ولم يكن الكساد في ألمانيا وحده السبب وراء صعود هتلر واندلاع الحرب العالمية الثانية. والتشابه مع ظروف اليوم، كمثل كل المقارنات التاريخية، غير كامل. ومع ذلك، تظل هذه التجربة تشكل حكاية تحذيرية. ويظل بعض الحجج الأخرى قائما ضد التعويضات. من غير الواضح ما إذا كانت مصادرة الأصول الروسية المجمدة ممارسة مشروعة. ربما يكون بوسع الحكومات الغربية أن تعمل على إقرار تشريعات تمكينية، وإن كان من المحتمل أن ينظر إليها على أنها تحرف القانون بما يناسبها. ومن الممكن أن تنشئ الأمم المتحدة لجنة تتمتع بسلطة الاستيلاء على تلك الأصول، وإن كان بعض الدول مثل الصين، التي تتخيل أنها قد تستهدف ذات يوم، لتعارض هذه الخطوة. في كل الأحوال، لا تقل الضمانات الأمنية أهمية عن التعافي الاقتصادي لسلامة سكان أوكرانيا. خاص بـ "الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.

مشاركة :