استأنف الاتحاد الأوروبي دعمه للفلسطينيين، وخاصة تمويل الموازنة، بعد تعليقه قرابة عام ونصف العام. وقد برر مكتب الاتحاد الأوروبي في فلسطين ذلك بأنه يعود إلى ترتيبات في موازنات دول التكتل، في خطوة يقول مراقبون إنها تحمل رسالتين سياسية وأخرى اقتصادية. والثلاثاء أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عودة صرف المنح المالية المخصصة للفلسطينيين عن عام 2021. وقالت في مؤتمر صحافي بمدينة رام الله “لسنوات عديدة كان الاتحاد الأوروبي يدعم فلسطين وشعبها (الموازنة، أونروا، المخصصات الاجتماعية، مستشفيات القدس…) بصفته أكبر مانح بحوالي 600 مليون يورو (624 مليون دولار) سنويا”. وأضافت “يسعدني أن أعلن أن أموال الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين عن 2021 يمكن الآن صرفها لفلسطين بسرعة”. ومنذ 2017 تم تعليق المنح الأميركية للموازنة الفلسطينية، تبعه تراجع حاد في المنح العربية منذ النصف الأول من 2020 حتى ديسمبر 2021. وفي بيان منفصل الثلاثاء قال الاتحاد الأوروبي إن المفوضية وافقت على حزمة مساعدات جديدة لفلسطين بقيمة 224.8 مليون يورو (233 مليون دولار). وقيمة الدعم ستخصص لعدة قطاعات ومؤسسات، منها الموازنة الفلسطينية -بغرض صرف الرواتب- ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومستشفيات القدس، إضافة إلى المخصصات الاجتماعية وأموال لشراء لقاحات كورونا. وقال سليمان بشارات مدير مركز يبوس للدراسات (خاص) إن “قرار استئناف الدعم الأوروبي يأتي بتوافق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”. وأشار إلى أن “هذا التوافق يأتي لمحاولة تحقيق استقرار في ما يخص القضية الفلسطينية”. سليمان بشارات: استئناف الدعم الأوروبي لفلسطين رسالة سياسية بامتياز وأضاف “إذا نظرنا إلى هذا الأمر فسنلاحظ أنه يأتي بعد خطوة أميركية سابقة في عودة عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بمشاريعها داخل الضفة الغربية، وقبيل زيارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة”. وتابع بشارات “إذًا هي رسالة سياسية بامتياز”، لافتا إلى أثر الخطوات الإسرائيلية في اقتطاع أموال المقاصة على الواقع الاقتصادي الفلسطيني. وتخصم إسرائيل شهريا ما معدله 110 ملايين شيكل (33 مليون دولار) من أموال المقاصة، وهي أموال الضرائب على السلع المستوردة للأراضي الفلسطينية، وتقوم وزارة المالية الإسرائيلية بجبايتها شهريا، وتحول إلى حساب الخزينة العامة الفلسطينية. وتتراوح قيمة أموال المقاصة شهريا بعد الخصومات بين 220 و240 مليون دولار، وتشكل 63 في المئة من مجمل الإيرادات المالية الفلسطينية. وهذه الخصومات تبررها إسرائيل بأنها مقابل ديون لصالح جهات خدمية مستحقة على الفلسطينيين، ومقابل مخصصات تصرفها السلطة الفلسطينية لذوي الأسرى والمحررين. وقال بشارات “بات هناك المزيد من التدهور والاحتقان الداخلي نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، كانعكاس للأزمة العالمية والأزمة الروسية – الأوكرانية”. ويتفق أحمد رفيق عوض، مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس، مع بشارات؛ حيث قال إن “الاتحاد الأوروبي أقدم على استئناف الدعم بموافقة من الولايات المتحدة”. وأضاف “هذا الدعم يعني إبقاء السلطة الفلسطينية على قيد الحياة، ويشير إلى أن كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يزالان يدعمان خيار حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)”. وتابع “بقاء السلطة الفلسطينية يحفظ الأمن والتوتر في المنطقة ويحفظ أمن إسرائيل، لأن انهيار السلطة يعني عودة اللاتنظيم وانتفاضة جديدة”. إسرائيل تخصم شهريا ما معدله 33 مليون دولار من أموال المقاصة، وهي أموال الضرائب على السلع المستوردة للأراضي الفلسطينية وبيّن أن الدعم المالي من شأنه حلحلة الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه الحكومة الفلسطينية ولو جزئيا، والذي أثر سلبا على خدمتها. ومنذ عدة أشهر لم تتمكن الحكومة الفلسطينية من دفع كامل رواتب موظفيها، حيث صرفتها منقوصة. وتعاني الحكومة الفلسطينية في السنوات الثلاث الأخيرة من أزمة مالية خانقة، جراء خصم إسرائيل جزءا من أموال الضرائب (المقاصة) وانخفاض الدعم الخارجي. ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية أمجد أبوالعز أن القرار الأوروبي يمثل محاولة لإنقاذ السلطة الفلسطينية من أزمة مالية كادت تدفعها نحو الانهيار. وقال إن “السلطة الفلسطينية مرت بأزمة مالية خانقة للغاية، وباتت لا تفي بالتزاماتها حتى أصبحت على وشك الانهيار؛ الدعم الأوروبي يهدف إلى إبقائها حية، وذلك مصلحة دولية وإقليمية وحتى إسرائيلية”. وأشار إلى أن “الموت يعني الذهاب نحو الفوضى والتشتت، وهذا ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة”. ويبلغ عجز موازنة فلسطين خلال العام الجاري قرابة 1.5 مليار دولار، وقد يتراجع إلى مليار في حال حصولها على دعم خارجي بقيمة 550 مليون دولار.
مشاركة :