حذرت وكالة الطاقة الدولية الأربعاء من أن نمو الطلب على النفط سيتأثر بارتفاع الأسعار والتوقعات الاقتصادية القاتمة، رغم أنه من المتوقع أن يعود تعطش العالم لهذا المورد إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول العام المقبل. وإذا كانت سوق المال في وول ستريت تضج حاليا بالحديث عن الركود الاقتصادي المحتمل في العام المقبل، فالقصة مختلفة في سوق الطاقة. فأغلب التجار وصناع السياسة والمحللين يتوقعون نمو الطلب على الطاقة بقوة خلال 2023، في حين لن تنمو الإمدادات بنفس الوتيرة. وقالت الوكالة إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع أكثر من اثنين في المئة ليصل إلى مستوى قياسي عند 101.6 مليون برميل يوميا في 2023، ولكن أسعار النفط المرتفعة بشدة وضعف التوقعات الاقتصادية يلقيان بظلال قاتمة على الآفاق المستقبلية. خافيير بلاس: صدمة أسعار النفط المرتفعة لن تنتهي بنهاية العام الجاري وأضافت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا في تقريرها الشهري عن النفط أن الإمدادات مقيدة بفعل العقوبات المفروضة على روسيا لغزوها أوكرانيا. وأشار خبراء الوكالة في تقرير إلى أن “المخاوف الاقتصادية مستمرة، إذ أصدرت مؤسسات دولية مختلفة في الآونة الأخيرة توقعات متشائمة”. ومن المتوقع أن يترفع الطلب على النفط 2.2 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل 2.2 في المئة خلال العام المقبل بالمقارنة مع هذا العام. وكانت وكالة بلومبرغ قد نقلت الثلاثاء الماضي عن المحلل الاقتصادي خافيير بلاس قوله إنه “في حين تتصاعد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط خلال الصيف الحالي، هناك عاصفة أخرى تتكون في الأفق، وهي أن صدمة أسعار النفط المرتفعة لن تنتهي بنهاية العام الحالي؛ فالأغلب أن تستمرّ الصدمة خلال العام المقبل”. وتؤكد الوكالة أن تشديد سياسة البنوك المركزية وتأثير صعود الدولار الأميركي ورفع أسعار الفائدة على القوة الشرائية للاقتصادات الناشئة، كل ذلك يعني أن المخاطر على التوقعات تتركز في الجانب السلبي. وستسهم الاقتصادات المتقدمة التي تشكل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في معظم نمو الطلب هذه السنة، بينما من المتوقع أن تقود الصين الارتفاع في عام 2023 مع خروجها من عمليات الإغلاق التي تهدف إلى احتواء انتشار كوفيد - 19. وتضع القيود التي فرضتها الصين في الآونة الأخيرة لاحتواء فايروس كورونا أكبر مستورد للنفط في العالم على مسار يفضي إلى تسجيله أول انخفاض في الطلب لهذا القرن. وأدى تعافي الطلب بوجه عام والقيود على الإمدادات بسبب العقوبات المفروضة على روسيا وزيادات الإنتاج المشوبة بالحذر من جانب تحالف أوبك+ إلى دفع أسعار النفط لتتجاوز 139 دولارا للبرميل في مارس الماضي. وجرى تداول خام برنت حول 120 دولارا الأربعاء. لكن وكالة الطاقة الدولية قالت إن الإمدادات ستعادل الطلب قريبا، مضيفة أنه “بعد عمليات سحب ضخمة من المخزونات على مدى سبعة أرباع سنوية متتالية، من المفترض أن يساعد تباطؤ نمو الطلب وزيادة المعروض النفطي العالمي حتى نهاية العام أسواق النفط العالمية على استعادة التوازن”. وذكرت الوكالة أن التوازن قد يضطرب بفعل تشديد العقوبات على روسيا وتعاف أكبر للطلب الصيني وانقطاع الإمدادات من ليبيا ومحدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة بين دول أوبك+. ومن ناحية أخرى يدعم الانتعاش القوي في الحركة الجوية الطلب على النفط على المدى المتوسط، وفقاً لتقدير الوكالة. ويشير الخبراء إلى أن “الزخم وراء استئناف السفر الجوي في أوروبا وأميركا الشمالية يتجلّى بشكل متزايد”. أغلب التجار وصناع السياسة والمحللين يتوقعون نمو الطلب على الطاقة بقوة خلال 2023، في حين لن تنمو الإمدادات بنفس الوتيرة ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج أوبك+ بمقدار 2.6 مليون برميل يوميا هذا العام مع إلغاء تخفيضاتها، لكنه قد ينكمش بمقدار 520 ألف برميل يوميا في 2023 مع سريان مفعول العقوبات المفروضة على النفط الروسي. ورغم أن الحديث عن صدمة أسعار النفط يدور غالبا حول ارتفاع هذه الأسعار، هناك أيضا نقطة مهمة تتعلق بفترة بقاء هذه الأسعار المرتفعة؛ فأزمة أسعار النفط السابقة كانت قصيرة نسبيا، فقد وصل السعر إلى 120 دولارا للبرميل في مايو 2008 ثم وصل إلى الذروة في يوليو من العام نفسه عندما سجل 147.5 دولار للبرميل. ولكن في أوائل سبتمبر من العام نفسه تراجع السعر إلى مئة دولار للبرميل وفي ديسمبر من نفس العام تراجع السعر إلى 40 دولارا للبرميل. وجاء سيناريو ارتفاع الأسعار خلال العامين الماضيين نسخة من ارتفاع الأسعار في 2008 لكن لا توجد مؤشرات على أن الأسعار ستنخفض كما حدث قبل 14 عاما؛ فالمؤشرات تقول إن الأسعار لن تظل عند مستوياتها العالية الراهنة حتى نهاية العام الجاري ولن تستمر في العام المقبل، وإنما أيضا سترتفع إلى مستويات أعلى. ويرى بلاس أن متوسط سعر خام برنت للعام الجاري يبلغ 103 دولارات في حين كان المتوسط عام 2008 نحو 95.5 دولار للبرميل. وقد ترتفع الأسعار بصورة أكبر خلال الأشهر الستة المقبلة، وليس هذا فحسب بل لا يوجد ما يشير إلى نهاية قريبة لمسيرة الارتفاع.
مشاركة :