دفع ارتفاع أسعار السلع المختلفة في السوق الأردنية البعض إلى تبني فكرة المقاطعة على الشبكات الاجتماعية، في محاولة للضغط على الحكومة ووضع حد لأطماع شريحة من التجار. وبدأت فكرة المقاطعة قبل أسبوعين عندما تصدر وسم “مقاطعة الدجاج واجب وطني” قائمة الأكثر تداولا بالأردن، حيث بلغت أسعاره أرقاما قياسية بنسبة زيادة 60 في المئة عن أسعاره الطبيعية. واعتبرت جمعية حماية المستهلك أن الحملة نجحت حتى الآن، مؤكدة بأنها ستبقى قائمة إلى حين وضع سقوف سعرية مناسبة لوقف ما وصفته “بتغول بعض التجار المحتكرين”. وأوضح محمد عبيدات رئيس الجمعية أن “مقاطعة لحوم الدواجن تركزت على محافظتي العاصمة والزرقاء وما حولهما، فيما لم تشهد محافظات الشمال والجنوب أي نوع من أنواع المقاطعة، لأن مزارعها التزمت بأسعار معقولة، دون المغالاة والتغول”. ونسبت وكالة الأناضول إلى عبيدات قوله “من حيث المبدأ، أنا شخصيا ضد مقاطعة أي منتج يمكن إنتاجه محليا لأن ذلك سينعكس على الاقتصاد”. محمد عبيدات: أفضل خيار هو تعديل سلوك الاستهلاك ليتواءم مع الوضع وأضاف أن “أفضل خيار للاقتصاد حاليا هو تعديل السلوك الشرائي والاستهلاكي لكل السلع والمنتجات بما يتواءم مع الأوضاع محليا وإقليميا وعالميا”. ودعا عبيدات وزارتي الزراعة والتخطيط إلى زيادة اهتمامهما بمناطق الأرياف والبادية والمخيمات وأطراف المدن، والتشجيع على استغلال مساحات الأراضي المتاحة للزراعة، لتحقيق نوع من أنواع التكامل الاقتصادي. ولم تسلم باقي السلع بالأردن، وخاصة المواد التموينية من ارتفاع ملحوظ، إضافة إلى المشتقات النفطية التي شهدت زيادة تراكمية نسبتها 14 في المئة على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. وأكد عبيدات أن مقاطعة المحروقات “خيار غير سليم والأنجح هو تقليل المشتريات وتقليل الاستهلاك، وهذا إجراء ينطبق على مختلف السلع، وخاصة الكهرباء والماء، وما لذلك من أثر إيجابي”. ومع إعلان التسعيرة الجديدة في آخر أيام الشهر الماضي دعا نشطاء على الشبكات الاجتماعية إلى حملة مماثلة للدجاج، تحت شعاري “صفها واطفيها”، و”مقاطعة المحروقات واجب وطني”. لكن هاتين الحملتين لم تشهدا رواجا كسابقتهما لاختلاف الآراء حول فعاليتهما، خاصة وأنهما تزامنتا مع إطلاق الأردن لرؤية للتحديث الاقتصادي تستمر عشر سنوات وتهدف إلى توفير مليون فرصة عمل جديدة. وستُنفذ الرؤية على ثلاث مراحل على مدى عشر سنوات، وتشمل 366 مبادرة في مختلف القطاعات، وتندرج تحت ثمانية محركات تركز على إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية والمولدة لفرص التشغيل والعمل. ويتطلب تحقيقها تأمين فرص العمل وجلب استثمارات وتمويل بنحو 41 مليار دينار (57 مليار دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة. وانقسمت آراء المواطنين في إربد شمال البلاد ثاني أكبر محافظات البلاد حول جدوى حملات المقاطعة، وأثرها في وضع حد لارتفاع الأسعار. وبينما يرى شق بأنها “ثقافة” للمجتمعات المتقدمة، رأى آخرون أنها ستفاقم معاناة البلد المأزوم اقتصاديا، وأن الحل الأفضل هو دور حكومي يقف في وجه تغول التجار. وقال الباحث الاقتصادي والمالي رائد محافظة إن “المقاطعة لها جانب إيجابي وسلبي على المواطن، فالأخير يعتبرها وسيلة ضغط على الحكومة للتراجع عن رفع الأسعار”. 2.6 في المئة معدل التضخم ومن المتوقع أن يبلغ 3.8 في المئة بنهاية العام وفق البنك المركزي وأشار محافظة وهو مطلع على واقع الحال بحكم عمله مقدرا عقاريا لعدد من البنوك إلى أن الجانب السلبي يتمثل في “تداعيات المقاطعة على التاجر كونه يستورد كافة المواد الأولية من خارج المملكة، والارتفاع على مستوى العالم نتيجة الأزمات المختلفة”. وأوضح أن “المقاطعة حل آني، وتخدير لآلام اقتصادية لدى المواطن، ولا تحل إلا بسياسات اقتصادية تراعي ظروف المواطنين من ناحية الدخول”. وتأثرت الأسواق التجارية الأردنية كما هو الحال في بقية دول المنطقة العربية بسبب الحرب في أوكرانيا التي خلفت ندوبا عميقة في سلاسل الإمدادات وأدت كذلك إلى تسجيل ارتفاع قياسي في معدلات التضخم. ومع ذلك فإن البنك المركزي الأردني يقول إن معدل التضخم ما يزال ضمن حدود معقولة رغم الموجة التضخمية العالمية، إذ لم يتجاوز 2.6 في المئة خلال الثلث الأول من هذا العام. لكنه يتوقع أن يرتفع ليصل إلى 3.8 في المئة بنهاية 2022. ويؤكد ناجح الخطيب صاحب مكتب استشاري هندسي أن المقاطعة حق للمواطن، وهي تعبير عن مساهمته في المصلحة العامة وحمايتها. وقال “لذلك يجب أن تراعي الأولويات، وألا تكون لمجرد السخط على الحكومة للتعبير عن المعارضة لها، فالمعارضة لها وسائل مختلفة”. ويقول طارق إرشيد، مواطن عاطل عن العمل والذي كان أكثر حدة من سابقيه، إن المقاطعة ثقافة، وهي من حق كل مواطن و”نحن نقاطع ونتظاهر ولكن الحكومات لا حياة لمن تنادي، وقد تعبنا من رفع الأسعار”. عامر الشوبكي: حسب مراقبتي فإن حملات المقاطعة السابقة لم تنجح ويكافح الأردن أصلا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تشمل تحقيق الأمن الغذائي، وتدرك الحكومة أهمية الاكتفاء الذاتي، ولذلك أطلقت منتصف العام الماضي استراتيجية تتعلق بهذا الجانب وهي تمتد حتى نهاية العقد الحالي. وقال المتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي إن “الانجرار وراء المقاطعات هو بسبب الأعباء الاقتصادية على المواطنين، والتعلق بأي وسيلة قد تخفض الأسعار بخصوص السلع كافة”. وأضاف “بالنسبة إلى مقاطعة الدواجن على المدى البعيد، فإنها ستؤثر على الأمن الغذائي بالأردن لأنه مكتف ذاتيا من لحوم الدواجن، ومقاطعتها ربما تخفض من سعرها، لكنها ستتسبب بخسائر قد تؤدي إلى إفلاس أصحاب المزارع”. ولكن مسألة الأسعار ليست لها حدود إذ أن مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة انعكست سلبا أيضا على البلد الذي يستورد أكثر من 90 في المئة من حاجياته، وفي ظل ذلك زادت التكاليف وباتت تنخر جيوب المواطنين. وأوضح الشوبكي وهو باحث اقتصادي أنه “حسب مراقبتي لأكثر من حملة مقاطعة حدثت بالأردن، فإنها لم تنجح، وبأكثر حد كان انخفاض المبيعات بنسبة 5 في المئة عام 2018”. وتفرض قضية ارتفاع الأسعار في السوق المحلية على السلطات القيام بحملات مراقبة دورية علها تردع التجار وفي الوقت ذاته تطوق المضاربين والمحتكرين. وقال ينال البرماوي متحدث وزارة الصناعة والتجارة إن “هياكل الوزارة تقوم بجولات رقابية على الأسواق وتقوم بتحديد السقوف السعرية لأي سلعة في حال وجود مغالاة في أسعارها أو ارتفاعات غير مبررة”. ولفت إلى أن الحكومة اتخذت مجموعة من “الإجراءات الاستباقية” لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية تتمثل في تخفيض رسوم الفحص على المواد الغذائية المستوردة بنسبة 30 في المئة. كما أنه تم إعفاء سلع أخرى تتعلق بالتخزين والمعاينة، وتحديد سقوف سعرية للشحن لغايات احتساب التعرفة الجمركية. وشدد البرماوي على أن الوزارة والجهات ذات العلاقة تعمل ضمن استراتيجيات لتعزيز الأمن الغذائي ومواجهة المتغيرات التي تشهدها الأسواق العالمية. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :