عندما يقول الله تعالى في كتابه الخاتم والمعجز: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» (الفتح -29). فالرسول يختار بعناية المختار بحيث يكون جديرا بالاختيار للمهمة التي أرسل إليها. وعندما يختار الله تعالى رسولا فلا بد أن يتصف هذا الرسول بصفات يرضى عنها الله تعالى رب كل شيء ومليكه، خالق الخلق ويعلم خصائص كل واحد منهم. لماذا قال الله تعالى: «وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ» (الفتح -29). فالرسول صلى الله عليه وسلم هو (الزرع) وإذا رجعنا إلى عالم النبات نرى أن هذا المثل (كَزَرْعٍ) حقيقة علمية مبهرة لأن الزرع هو سر الحياة على الأرض، وإذا غاب النبات عن الأرض غاب الغذاء وغابت الطاقة الحيوية، وغاب الاستغلال المهم للماء الأرضي. فلا حياة على الأرض من دون نبات (حتى لو وجد الماء) ولا حياة حقيقية على الأرض من دون رسالته، فإن غابت الأخلاق والقيم التي جاء بها رسول الله غابت الحياة الإنسانية من على الأرض، يغيب التوحيد، ويغيب المنهاج الخلقي الرباني من الناس، وسادت الأخلاق المادية، النفعية الاستغلالية للإنسان واتبع كل إنسان هواه، واتبعت كل جماعة أهواءها، وغابت ضوابط التشريع الإلهية وتزوج الذكر الذكر، والأنثى الأنثى، وسادت المخادنة، والزنا، وهدمت الأسرة التي يقوم عليها بناء الحياة المهنية. النبات يستمد طاقته الأساس من الأعلى وهو الذي يربط السماء بالأرض والبيئة المحيطة به. والرسول صلى الله عليه وسلم تلقى رسالته من السماء، وربط الأرض ومجتمعاتها وأفرادها بالسماء، ورب الأرض والسماء. النبات يثبت الطاقة الشمسية على الأرض وتحويلها من طاقة ضوئية يصعب استغلالها بالكائنات الحية مباشرة، يحولها إلى طاقة كيميائية يسهل استغلالها بالكائنات الحية، كما يثبت النبات ثاني أكسيد الكربون الجوي فيدخل في بناء الهيكل الكربوني للمواد الكربوهيدراتية والمواد الدهنية والمواد البروتينية المواد الأساسية لوجود الحياة الحيوية والكائنات الحية على الأرض. والرسول صلى الله عليه وسلم يثبت الوحي الإلهي، والمنهاج الرباني (نور الله تعالى) على الأرض، ويجعله في مقدور فهم وعقل الإنسان وتطبيقه في الحياة. النبات في الآية القرآنية يشهد بأهمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهمية ما جاء به (الإسلام)، ويشهد النبات بأهمية أهل البيت عليهم السلام، وأهمية الصحابة رضي الله عنهم والتابعين المتبعين للدين وبناء الحياة السوية الصحية الإنسانية المتزنة كما قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الفتح - 29). أَخْرَجَ شَطْأَهُ، أي: - فراخه المتنوعة في جوانبه (الفسائل). - ما خرج من الزرع وتفرع في شاطئيه أي جانبيه. - فراخ النخل (الفسائل) والزرع. - ورق الزرع. - الشجرة إذا أخرجت غصونها وفروعها أي الغصون والفروع. - من الشجر ما خرج من جذوعه وحول أصوله. قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: شطء الزرع: فروخ الزرع، وهو ما خرج منه وتفرع بين شاطئيه: أي في جانبيه وجمعه أشطاء. فَاسْتَغْلَظَ: أي فسار من الرقة إلى الغلظة. فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ: أي فاستقام على أصوله وجذوعه. يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ: أي بقوته وكثافته وغلظه وحسن إنتاجه ومنظره. هذا مثل ضربه الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل البيت عليهم السلام والصحابة رضوان الله عليهم كانوا قلة في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم يوما فيوم بحيث أعجب الأحبة وأغاظ أعداء الله. مكتوب في الانجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهو مثل ضربه الله تعالى لبدء الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قواه الله تعالى بمن معه. قال الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله في التفسير المنير في قوله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ» (الفتح -29)، قال: (مِنْهُمْ) هنا لبيان الجنس وليست للتبغيض، لأنهم كلهم بالصفة المذكورة (انتهى). إذا أخذنا بالقول الذي يقول أن الشطء هو الفروع والأغصان فهي التي تحمل الأوراق النباتية، والبراعم الخضرية والبراعم الزهرية والأزهار، والثمار. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل والصحابة وأهل البيت هم الفروع والأغصان التي حملت الرسالة من رسول الله إلى كل مكان وصلوا إليه على الأرض. وإذا كان الشطء هو الأوراق، فالأوراق: - هي سر استمرار حياة النبات. - هي التي تصنع الغذاء للنبات. - هي التي تقوي النبات. - الورقة النباتية، أعظم مثبت للطاقة الشمسية على الأرض. - تنقي البيئة الأرضية من ثاني أكسيد الكربون وتنتج الأكسجين. - تثبت ثاني أكسيد الكربون باستخدام الطاقة الشمسية وهيدروجين الماء وكربون ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الغذاء للكائنات الحية على الأرض. - تحفظ درجة حرارة الأرض صالحة لحياة الكائنات الحية عليها. - تنقي الجو وتلطفه لا تلوثه. - هي السبب الرئيس للإزهار والإثمار والحياة. من الشروح السابقة نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل من قبل الله تعالى، وهو مختار من الله تعالى العليم الخبير للقيام بتوصيل آخر رسالة من الله تعالى إلى الخلق على الأرض. وهو مختار بعناية الله وعلمه وقدرته، يتحلى بالخلقة المتميزة وبالخلق العظيم بالمؤمنين رؤوف رحيم، علمه الله تعالى تعليما يليق بالمرسل وضروري للمرسل. دعم الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بكتاب معجز، عجزت البشرية إلى الآن عن الاتيان بمثله أو بسورة من مثله، عندما سمعه أبو الوليد الكافر قال: إن له حلاوة وإن عليه لطلاوة أسفله مغدق وأعلاه مثمر وهو يعلو ولا يعلى عليه. لا تشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الرد ولا تنتهي عجائبه. حوى القرآن الكريم إشارات وشواهد علمية تقنية سبق بها العلم الحديث في الانسان والحيوان، والنبات، والنجوم، والكواكب والشمس والقمر والجاذبية، وبدء الكون بما يدلل دلالة قاطعة على ألوهيته وإعجازه وتقوفه. وإذا محمد صلى الله عليه وسلم رسول من الله تعالى بصفات تليق باختيار الله به مدعم بالقرآن والسنة النبوية المطهرة المسندة، برواية العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه إلى رسول الله، وليس به شذوذ ولا علة في متنه. الذين يهاجمون القرآن والسنة الصحيحة ورسول الله إما جهلاء، أو مدفوعون من الأعداء أو خائفون على اتباعهم الذين يسلمون بالآلاف يوميا ولولا القهر والتضليل والكذب ما بقي منهم أحد لم يدخل في دين التوحيد الخالص لله والعقيدة الصحيحة الميسرة المفهومة والمنهاج الرباني المعجز. والذين يحاولون تشويه صورة الرسول الكريم والطعن فيه، فإنهم يطعنون فيمن اختاره وأرسله الله تعالى الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولا تأخذه سنة ولا نوم القادر القوي العادل رب كل شيء ومليكه المنزه عن النقص مستوٍ على عرشه، الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى عما يصفون. يكفي أن نقول (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه) لنتأدب مع مرسله ومع الرسول، وهذه الصفة المدلل عليها بالأدلة الشرعية الكونية القرآنية تجعل العاقل يقف باحترام أمام هذا النبي الذي أرسله رب العالمين سبحانه وتعالى*. *انظر كتابنا عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية معجزة علمية.
مشاركة :