ماذا يحدث في 'سجن القاصرات'؟

  • 6/17/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أسمى هدف للادب هو التعبير عن الواقع، وللأديب وظيفةٌ اجتماعية نحوقضايا مجتمعه دون أن تخرجه عن إطار ومقومات العمل الفنية لأن ما يقوله ليس عادياً. ولو كان عادياً لما تميّز الأديب عن باقي أفراد الشعب ولا يمكن للأدب أن يؤدي وظيفته بعيداً عن مقومات الإبداع الفنية من خيال ورؤية وأسلوب مناسب وتصور لما يعبر عنه، ويرسمه بحريته بعيداً عن الإلزام. وكوني قارئة فهذا يعني أني ابحث مثل أغلب القراء عن روايات تتناول مواضيع اجتماعية مغايرة للنمط الذي إعتدنا عليه ورواية "سجن القاصرات" للكاتبة شيماء عقيل هادي الصادرة حديثاً عن دار ومكتبة "أولد بوك" تتناول موضوعاً في غاية الأهمية وهو قصص السجينات القاصرات اللاتي وجدن في السجن مكاناً آمناً يحميهن من اهوال الدنيا . "كنتُ أظن ان السجن هو أقسى ما قد يمر به الإنسان، فمجرد تخيل فتاة صغيرة خلف القضبان أشبه بكابوس مرعب، ولكن اعتقاداتي تغيرت كلياً واصبحتُ أجد طابوق حائط السجن أرحم وأحن من قلوب البشر، صرت أجد السجن أشبه ببيت دافئ وأسرة قد تكون على شيء من البرود والقسوة، لكنها على كل حال سور منيع يقي من الشر الكامن في صدور الناس". سناء واسماء ورنا واماني وازهار نساء صغيرات خلف القضبان تتشابه حكاياتهم فقد ولدنَ في نفس العناصر البيئية والأسرية ذاتها، الفقر، والجهل، والإهمال، ظروف في غاية السوء دفعت ذويهم اومن يتولى رعايتهم الى تشغيلهم في احدى الاعمال القذرة مثل السرقة والدعارةوالدجل والأرهاب، ضحايا دفعوا ثمن سوء بيئتهم التي نشأوا فيها وسوء أخلاق ذويهم وفقدانهم للسند. من يقرأ الصحف والكتب لايعلم شيئأً عن هؤلاء الفتيات وعالمهم المخيف، لأن هؤلاء يقطنون في اسفل طبقات المجتمع حيث الجوع والفقر والذل. "من المؤكد أن الحرمان من أدنى الحقوق البشرية كالأكل والمأوى والتعليم والأمان يحرف التفكير ويبعده عن جادة الصواب". مع الباحثة الاجتماعية في سجن القاصرات نتعرف على قصص هؤلاء الفتيات، ملفات وارقام تحمل في طياتها معاناة ومشاكل وأهوال عانت منها من فقدت السند في حياتها . فكل فتاة في صغرها تبحث عن اب يأخذ بيدها الى بر الأمان فكما يقال ("لأب حبيب ابنته الأول" ولكن ماذا لوكان هذا الأب ارهابي! لايملك الضمير ولا الشرف ولايؤمن بأي دين اومعتقد!، هذا ماحدث من السجينة اسماء التي كان والدها يجبرها وأخيها على صنع العبوات اللاصقة وتفخيخ السيارات التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء. اسماء وحتى وهي في السجن كانت تستطيع اصلاح اي جهاز كهربائي، فتاة في عمر الزهور تجبر على الاشتراك في صنع عبوات ومتفجرات، شيء مؤلم بالفعل، فتاة ماهرة للغاية، ربما لوأتيحت لها الفرصة وتوفرت لها ظروف طبيعية لكانت الآن طالبة متفوقة في مدرستها وسط عائلة تحبها وفي داخلها آلاف الاحلام والطموحات والآمال، ربما ستكون احلامها غداً أن تصبح مهندسة أومتخصصة في مجال التقنيات. "أمينة المكتبة" اما السجينة نهال التي كان حظها من اتعس الحظوظ فقد باعها عمها بعد وفاة والديها الى ام سمير التي عملت تحت أمرتها سارقة محترفة وحِرمت من التعليم نهائياً بعد ان كانت تتمنى ان تتعلم القراء والكتابة اسوة بباقي الفتيات، تخيل عزيزي القارئ كان السجن احن على نهالمن عمها وام سمير حيث استطاعت تحقيق امنيتها داخل قضبان السجن ! فأبدت رغبتها في تعلم القراءة والكتابة، واحست لأول مرة أنها بشر يستحق الحياة. "فتح التعلم أمامها أبواباً لم تكن تدركها، واصبحت تقضي معظم وقتها في المكتبة، حتى ان الموظفين في السجن اصبحوا ينادونها أمينة المكتبة". وتكتب اسماء بعد ان اطلعت على قصص كل الفتيات وتجاربهم المؤلمةوأراني أقف أمام كل كتب علم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع وكل مامررت به من تجارب لاجدها في غاية الضآلة تكاد تكون مجرد قصص أطفال أمام أهوال الحياة الحقيقية؛ حياة الشوارع والمشردين والمعدمين والمساكين. قصص سجن القاصرات محبوكة من حيث البناء والتركيب مادة اجتماعية جيدة تتناول موضوع اعتقد إننا غفلنا عنه هذه الفترة. انحدار المجتمع مخيف يساعد على ظهور مثل هذه النماذج المغلوبة على امرها، المرأة كائن قوي جداً بعد سن العشرين لكنها ضعيفة جداً في صغرها تحتاج الرعاية الجيدة والأهتمام والمعاملة السَوية لمن يكون على قدر مسؤولية انجاب الأطفال . "فنحن لم نخلق جميعاً لنتناسل ونملأ الدنيا بأولاد لاذنب لهم سوى رغبة ذويهم أن يخلد أسمهم في الدنيا، وكأنها الوسيلة الوحيدة للتمسك بحياة بلا طائل". وشيماء عقيل هادي من مواليد 1976 خريجة قسم الترجمة تعمل في ترجمة البحوث والأطاريح حالياً تعمل على ترجمة مجموعة قصصية للكاتب الأميركي مارك توين.

مشاركة :