أشار فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين بن محمد آل الشيخ إلى ما تعيشه الأمة الإسلامية في هذا العصر من تشرذم وابتلاء ومحن واقتتال مؤكداً أن الرجوع إلى الله وتقواه والإيمان به والالتزام بمنهاجه وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الطريق إلى الخلاص والنجاة من كل ذلك. وتناول فضيلته في خطبة الجمعة ما تعيشه الأمة الإسلامية من الضعف والتفكك وما تلقاه من ألوان الذل والهوان وما تقاسيه من مآسي التفرق والتشرذم مبيناً أن العقلاء يتطلعون لرؤية مستقبلية تنقذ الأمة مما هي فيه فأدلى المثقفون برؤيتهم والساسة بحلولهم والكتّاب بنظراتهم وتعددت التحليلات للأسباب وتنوعت النظرات للمخارج والحلول وقد آن الأوان للأمة جمعاء شعوباً وأفرادا حكاماً ومحكومين أن يبصروا الحقيقة وأن يستعجلوا الحلول الناجحة من منطلقات ثوابت دينهم ومرتكزات أصولهم. وأوضح أن الأمة لن تجد الحلول الناجحة لأدوائها والمخارج لأزماتها ومشكلاتها إلا من فهم صحيح لكتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى الوصية العظيمة التي صدرت من معلم البشرية وسيد الخليقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يوجه للأمة وثيقة خالدة تصلح بها حياتها, وتفلح بها وتزدهر بتحقيقها أفرادها, وثيقة يجب أن تكون نصب أعيننا وأن تكون تطبيقها حاكم تصرفاتها وموجه تحركاتها, ومصحّح إرادتنا وتوجهاتنا, وثيقة لا تنظر لتغليب مصلحة قومية, ولا تنطلق من نزعة قبلية أو نظرة آنية, وثيقة صدرت ممن لا ينطق عن الهوى, ولا يصدر إلا من وحي يوحى, وثيقة محمدية ووصية نورانية تنهض بالأمة للحياة المزدهرة المثمرة بالخير والعزة والصلاح والقوة : لقول الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) إحياء شامل للفرد والجماعة والنفوس إنها حياة تبنى على قوة الإيمان التي لا غنى عنها في مواجهة الأزمات, حياة تعني النهضة بأشمل معانيها, وأدق صورها بما يجمع للأمة تحقيق السعادة ومعايشة الأمن والسلام والخير والازدهار والرقي في جميع مجالات الحياة. وأكد الدكتور آل الشيخ أن العز في تحقيق هذه الوصيّة مضمون, والمجد في الدارين بتنفيذها مرهون, لقول الحق تبارك وتعالى (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) وقوله سبحانه ( فمن اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مبيناً أن الأفراد بدون تحقيق هذه الوصية في ضياع, والمجتمعات في البعد عن مضامين هذه الوثيقة إلى تشتت ودمار ، هي وثيقة المسلم بالأصل مع اتصاله بالعصر, ويجمع له ما بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر, وثيقة تحقيقها هو الضامن الأوحد للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية وتستهدف قيمها ومقدراتها وخصائصها, مذكراً بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما سبقتم الناس بنصرة الدين). كما أورد فضيلته في بيان وجوب الإيمان بالله والتوكل عليه في كل حال وتطبيق شرائعه, لقول ابن عباس رضي الله عنهما (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي يا غلام, إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف). وزاد فضيلته أن حفظ الله المراد به في الحديث هو حفظ حدوده والالتزام بحقوقه, والوقوف عند أوامره بالامتثال وعند مناهيه بالاجتناب, مضيفاً أن من قواعد الدين أن الجزاء من جنس العمل, فمن حقق حفظ الله بالمعنى المتقدم تحقق له حفظ الله ورعايته وعنايته, حفظاً يشمل دينه ودنياه, ويحقق له المصالح بأنواعها, ويدفع عنه الأضرار بشتى أشكالها, لقوله عز وجل (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ). وقال الشيخ حسين آل الشيخ إن الأمة على مستوى أحادها ومجتمعاتها, وبمختلف وتنوع مكانتها, متى حفظت دين الله فحققت الإيمان الصادق به, واستسلمت لأمره في كل شأن, وتخلصت من أهواء النفوس وشهوات القلوب, وكانت أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها على مقتضى منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, متى جعلت الإسلام الصافي منهاجاً كاملاً لحياتها في كل أطوارها ومراحلها, وفي جميع علاقاتها وارتباطاتها وفي كل حركاتها وسكناتها, حينئذٍ يتحقق لها حفظ الله من كل المكاره والمشاق والأزمات والمحن التي تعاني منها, ويحصل لها عندئذٍ الأمن والاستقرار والعزة والانتصار, لقول الباري جل وعلا (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). وأضاف أنه متى استغرق الإيمان بالله والاهتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في حياة الأمة وساد توجهاتها وقاد تحركاتها حصل لها الأمن بكل مقوماته وشتى صوره, الأمن من الأعداء والمخاطر, والأمن من المخاوف والاضرار, الأمن السياسي, والأمن الاقتصادي, والأمن الاجتماعي, متى قام المسلمون جميعاً بحقائق دينهم ومبادئ إسلامهم وجانبوا الأهواء والشهوات وعملوا بصدق للإسلام مع الأخذ بالأسباب وإعداد العدة, والأخذ بالوسائل, عندئذ يمكنهم الله من الأرض, ويقوي شوكتهم, ويعزّ مكانتهم, ويرهب بهم أعدائهم, ويعم لهم الخير والعدل والسلام. وأشار الدكتور آل الشيخ إلى ما يعانيه إخواننا في فلسطين من مشاهد مرعبة من الدماء والأشلاء, والتشريد والتقتيل, يستحيل أن تمحوها الأيام من إرهاب الصهاينة الغاصبين بشتى أنواعه وأقبح أشكاله, الذي ينفذه قتلة البشر وسافكي الدماء, متسائلاً أين هم يا ترى أصحاب القرار العالمي وهم يرون الشر يتفاقم والاستغلال بتعاظم مع مطامع لا حدود لها ولا موازين, لا ضوابط لها من الصهاينة الغاصبين. وقال ألا يعلم العالم كله أن الحل كل الحل في إعطاء الحقوق لأصحابها, ونشر العدل الحقيقي بين البشرية كلها, وحفظ الكرامة الإنسانية التي جاء الإسلام بها. وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الأمر خطير والواجب عظيم, والمسؤولية أمام الله كبيرة في نصرة قضايا المسلمين, والوقوف مع إخواننا المؤمنين في فلسطين وفي غيرها من مواقع المسلمين فالله الله في أداء الواجب كل حسب استطاعته وفي حدود إمكانياته, داعياً إلى بذل الأموال لهم بسخاء, والتوجه إلى الله جل وعلا لهم بصالح الدعاء في كل وقت وحين. رابط الخبر بصحيفة الوئام: إمام المسجد النبوي: الأمة الإسلامية تعيش حالة من التشرذم والابتلاء والاقتتال
مشاركة :