كرة القدم غيّرت حياة سوزان التقاط الكرة يكسر كل ما يتوقعه المجتمع من النساء: كيف يجب أن ينظرن ويتصرفن، وماذا يجب أن يرتدين، وتصل تلك التساؤلات إلى التطفل على مشاعر اللاعبات، وكأن متعة اللعب محصورة على الرجال! عشق خاص لكرة القدم واحدة من الشهادات التعبيرية عن كرة القدم، ما كتبته سوزان وراك المحررة الرياضية في صحيفة الغارديان البريطانية في كتابها الجديد “مباراة المرأة: صعود، سقوط وصعود ثانية كرة القدم النسائية” تسنى لي قراءة فصل منشور منه، بالتزامن مع توزيع الكتاب هذا الأسبوع. كرة القدم غيرت حياة سوزان، كامرأة مثلما غيرت حياة الملايين من الرجال وشكلت في ذاكرتهم زمنا مفعما بالتحدي والمتعة والتنافس والفوز والهزيمة. فعندما هامت الطفلة الصغيرة بكرة القدم كانت تلك اللعبة لم تزل ناديا حصريا للأولاد، وليس كما تحولت اليوم إلى بطولات نسائية عالمية وأداة سياسية واقتصادية تخطط لها الحكومات مثلما تجمع الشعوب. ومع أن كرة القدم، مثل أي رياضة أخرى، لكنها مختلفة بقوتها وتأثيرها أكثر من قوة الحكومات والجيوش أحيانا! ترى سوزان أهمية كرة القدم في مشهد اللاجئين السوريين الصغار وهم يضعون أحجارا بمثابة أعمدة الأهداف في مخيمات تفتقر إلى الحياة، لكن كرة القدم تبقى حاضرة حتى في أقسى ساعات البؤس. قادها ذلك الهيام وهي تمارس هذه اللعبة في طفولتها، إلى شعور أنها ليست في المكان غير المناسب، عندما تكون فتاة. فعندما صحبها والدها للالتحاق بمدرسة أرسنال لصناعة المواهب، كانت الفتاة الوحيدة بين جمع من الأولاد، ولم يجد المدرب حينها غير أن يضعها حارسة مرمى! لا تنسى سوزان الحزن الذي كان ينتابها عندما تتذكر هتاف المدرجات المرحب بالأولاد، من دون أن يُعير المشجعون بالا للفتاة التي كانت تحرس مرمى فريق الصبيان. ذلك ما جعلها تهتم لاحقا بالكتابة عن تلك الرياضة، وهذا كتابها الثاني عن كرة القدم النسائية، تدافع فيه عن حق أن تكون اللعبة نسائية أيضا، ويجب أن ينظر إليها مثلما ينظر لكل الرياضات الأخرى التي تمارسها النساء. فالتقاط الكرة يكسر كل ما يتوقعه المجتمع من النساء: كيف يجب أن ينظرن ويتصرفن، وماذا يجب أن يرتدين، وتصل تلك التساؤلات إلى التطفل على مشاعر اللاعبات، وكأن متعة اللعب محصورة على الرجال! تعترف سوزان عندما كانت تلعب كرة القدم في العشرين من عمرها، بتحملها التعليقات الجنسية واللمس غير البريء والإحساس بأنها طارئة على فريق رجالي، مع ذلك لم تفرط بعشقها للكرة. وعندما أصبحت بين مشجعي نادي أرسنال في المدرجات، كان عدد النساء بين الجمهور لا يذكر آنذاك، لذلك لم تفرط بالقبعة لتغطية شعرها في محاولة لتجنب لفت الانتباه. تقبّلت سماع الهتافات البذيئة وإطلاق أقذع النعوت على أمهات اللاعبين عندما يُضيّعون الفرص. الأهم من ذلك كان إحساسها بنفسها يصل إلى أنها بطة قبيحة وهي تشارك جمهور أرسنال نشيده الكروي “مرحبا، مرحبا، نحن أولاد أرسنال”. ذلك الاستذكار المفعم بالاستياء المكتوم والمشاعر المعقدة، مفيد بالنسبة إلى مؤلفة كتاب “صعود كرة القدم النسائية” مع ما تشهده هذه الرياضة من بطولات دولية ومونديال نسائي يشد انتباه العالم وإن كان بدرجة أقل من مونديال الرجال. مع ذلك، هناك اليوم من ينعت لاعبات كرة القدم بالمسترجلات اللواتي يجرين وراء الكرة بتثاقل مثل البطات البدينات! تتساءل سوزان عن ذلك بألم، إذا كان بمقدور المرأة اليوم التصويت في الانتخابات والطلاق والتملك ورفض فكرة الزواج بالأساس، فلماذا تثير ممارسة كرة القدم كراهية لاذعة للنساء، واعتبارها حكرا على الرجال؟ كرم نعمة كاتب عراقي مقيم في لندن
مشاركة :