يعاني الأطفال من المشكلات النفسية كما يعاني منها البالغون، ومن أبرز هذه المشكلات اضطراب القلق العام أو القلق المرضي، وهو المصطلح الذي يفسر القلق المستمر والمفرط وغير المنطقي وغير المحدد نحو شيء بذاته أو موقف معين لدى الأطفال. ويكون الأطفال الذين يعانون من القلق المرضي، أكثر عرضة وأشدّ تأثرا من أقرانهم من غير المرضى في مواجهة المواقف نفسها، حيث أن توترهم يكون أكثر كما وكيفا ما يدفعهم إلى اتخاذ ردود أفعال دراماتيكية. فهم يقلقون حيال أدائهم المدرسي وتنافسهم مع الآخرين، سواء دراسيا أو حتى رياضيا، وأيضا على سلامتهم الشخصية وسلامة أفراد العائلة. إلى جانب القلق من أحداث مستقبلية مثل الزلازل أو حدوث تغيرات مناخية عنيفة كالعواصف أو ما شابه ذلك. ويُرجع عالم النفس الدكتور ستيفن كورتز القلق المرضي لدى الأطفال إلى عدة أسباب من بينها الظروف البيئية والاجتماعية التي يعيشها الطفل، إلى جانب التاريخ المرضي العائلي، فالأطفال الذين لديهم أحد الأبوين يعاني من القلق أكثر عرضة لهذا الاضطراب بنسبة تصل إلى 7 مرات مقارنة بالذين لا يشعر آباؤهم بالقلق. كما أن المواقف الصعبة التي يتعرض لها الأطفال مثل وفاة أحد الأقارب، أو الانتقال إلى منزل أو مدينة جديدة، أو حتى الضغط الناجم عن وجود والد عاطل عن العمل، يمكن أيضًا أن تساهم في إصابة الطفل بالقلق المرضي. وقال الدكتور هاني رمزي عوض اختصاصي طب الأطفال أن الأبحاث قد أظهرت أن هناك علاقة بين الآباء الذين يعانون من القلق والتغير في سلوك الطفل، حيث يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابة من خلال وجوده الدائم مع نموذج للسلوك المتوتر، وبالتالي يتم التحفيز بشكل غير مباشر على القلق وزيادته. كما تلعب الأحداث المحيطة بالطفل دورها أيضا، مثل المشكلات التي تواجه الأسرة سواء كانت مادية أو خلافات عائلية أو أخبارا صادمة، كوفاة أحد الأقارب أو وقوع الطلاق بين الأبوين، وكذلك سلوك النهي والنهر المتواصل من الآباء جراء أخطاء بسيطة، مما يضع الطفل في حالة قلق دائم. ويرى عوض أن دور الأسرة بالغ الأهمية في تفهم حالة القلق لدى الأطفال. ويشير عوض إلى أن المريض قد يتمكن من تجاهل القلق، ولكن تبقى المشكلة في عدم القدرة على التحكم به لأن الأطفال المصابين بالقلق العام يمرون بأوقات صعبة في محاولة إيقاف أو تهدئة القلق بداخلهم، وهذا يمكن أن يؤثر بالضرورة على أدائهم الدراسي أو سلوكهم العام، بالإضافة إلى الإحساس بعدم الأمان؛ حيث تتملكهم رغبة دائمة في الحصول على مشاعر الطمأنينة والأمان، مما يؤثر في نمو شخصياتهم وعلاقتهم الاجتماعية. ◙ دور الأسرة بالغ الأهمية في تفهم حالة القلق لدى الأطفال ◙ دور الأسرة بالغ الأهمية في تفهم حالة القلق لدى الأطفال ويخشى الطفل المصاب بالقلق الاجتماعي لقاء الناس أو التحدث إليهم. على الرغم من أن معظم الأطفال أحيانًا خجولون، إلا أنه عندما يكون الطفل قلقًا بشكل مفرط بشأن القيام بشيء محرج أو الحكم عليه بشكل سلبي، فقد يعاني من اضطراب القلق. وقد يدفع القلق الاجتماعي الطفل إلى تجنب المدرسة أو المواقف الاجتماعية الأخرى، والبكاء أو نوبات الغضب عند الضغط عليه للذهاب إلى المدرسة. ويبدو هؤلاء الأطفال غالبا مطيعين جدا ويسعون دائما نحو الكمال، وهم في حالة نقد دائم لأنفسهم، وغالبا ما يكونون مصرين على فعل الأشياء نفسها عدة مرات، مهما كانت هذه المهام بسيطة، لكي يتأكدوا أن المهمة قد أديت على أكمل وجه. وهم يقومون بهذا الأداء التكراري لكي يتمكنوا من خلق خط دفاعي لأنفسهم في مواجهة التوتر والقلق الدائم لديهم حيال أدائهم أمام الآخرين. وينتشر القلق بنسبة ليست قليلة بين الأطفال؛ إذ تشير أحدث الدراسات الأميركية إلى وجود القلق بنسبة تتراوح بين 2.9 و4.6 في المئة بين الفئة العمرية من 12 وحتى 17 عاما، وبشكل أقل حدة في الفئة العمرية من 5 إلى 11 عاما. والأطفال والمراهقون من مرضى القلق غالبا ما يعانون من القلق المصاحب لبعض الأمراض النفسية الأخرى، مثل الوسواس القهري أو المخاوف غير المبررة. وتميل اضطرابات القلق إلى عدم الاستقرار مع الزمن، أي أن الطفل يظل في حالة معاناة دائمة مع القلق لمدة طويلة، ولكن ليس بالضرورة للسبب نفسه. واضطراب القلق مشكلة كبيرة وخطيرة تواجه الأطفال والمراهقين، ويدرك العلماء الآن أنه بالإضافة إلى التأثير بالغ السوء على حياة الطفل الاجتماعية والأكاديمية، فإنه يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة طويلة المدى، خاصة إذا صاحب القلق اضطراب نفسي آخر مثل الاكتئاب، حيث يرفع ذلك من معدلات محاولات الانتحار. الأطفال الذين يعانون من القلق المرضي، أكثر عرضة وأشدّ تأثرا من أقرانهم من غير المرضى في مواجهة المواقف نفسها يتم علاج القلق بعدة طرق منها العلاج النفسي بمعرفة الطبيب المختص، عن طريق جلسات متعددة مع الطفل للتخلص من القلق وتعلم الاسترخاء النفسي، وكذلك تدريبه على معرفة المؤشرات الجسدية المصاحبة للقلق. كما أنه من المهم جدا مشاركة الآباء في العلاج، حيث أن وجود العائلة يساعد على تحسين تفاعل الطفل مع القلق ومحاولة حل المشكلات. ويجب على الأسرة توفير الجو والبيئة الخالية من التوتر والمشاحنات، ومنح الطفل الثقة بنفسه وبالآخرين، وكذلك تعلم مواجهة المشكلات ومحاولة حلها. ويشير خبراء علم النفس إلى أنه حتى الأطفال السعداء يميلون إلى القلق أكثر بمجرد بلوغهم سن السابعة أو الثامنة، حيث يكتسبون فهمًا أكبر للعالم من حولهم ويدركون مدى عدم قدرتهم على التحكم في الأحداث من حولهم. ويقول الخبراء إن الفرق بين القلق الطبيعي واضطراب القلق هو الشدة حيث قد لا يدرك الأطفال في سن الابتدائية أن مخاوفهم غير واقعية أو مبالغ فيها، وقد يعبرون عنها فقط من خلال السلوك. إذا كانوا قلقين من احتمال حدوث شيء لأحد الوالدين، على سبيل المثال، فقد يواجهون صعوبة في الانفصال أو النوم.
مشاركة :