على رغم أن الإقبال على التصويت في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة، لم يكن كبيراً لأسباب سياسية ودعائية ليس هنا مجال تناولها، إلا أنها تميزت بالنزاهة والشفافية. ويمكن القول إن مجلس النواب (البرلمان) المصري الجديد هو الأهم والأخطر في تاريخ الحياة السياسية المصرية، ليس لأنه الأول بعد ثورة 30 يونيو فقط، لكن لأنه يأتي في وقت تواجه مصر تحديات كثيرة، في مقدمها أنها في حال حرب حقيقية مع الإرهاب والفساد، داخلياً، ومع أطراف إقليمية ودولية ليس من مصلحتها استقرار هذا البلد. ومن ثم آن الأوان أن يشارك البرلمان في تحمّل المسؤولية التي حملها الرئيس عبدالفتاح السيسي، على كاهله منذ انتخابه رئيساً. وأعتقد أن الرجل كان يواجه بمعوقات، لولاها لحقق إنجازات كبيرة في فترة قصيرة، وعلى رغم هذا حاول ونجح في حل أو مواجهة بعض التحديات، وظل البعض الآخر ينتظر الحل أو المواجهة. من هنا، من المتصوّر ألا يكون هناك تقاطع بين الحكومة والبرلمان لتمضي المسيرة في طريقها، حيث تفرض طبيعة المرحلة قدراً عالياً من التنسيق والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهذا ليس معناه عدم الاختلاف. على العكس، نحن نريد تعددية في وجهات النظر من أجل تغليب المصلحة العامة، بما يخلق حالة من الجدلية التي تقود إلى التكامل المنشود. وعليه، يجب أن يعي النواب أنهم يمثلون الأمة، ولم يعد أي منهم يمثل دائرته فقط. ومن ثم، لا بد أن تكون لنائب الأمة رؤية شاملة للتحديات التي يواجهها الوطن، وعليه أن يضع البدائل التي يواجه بها هذه التحديات. وهنا، نهمس في أذن النواب الجدد بمقولة السيسي (علينا تحدي التحدي). وحتى يكون هناك برلمان جديد فعلاً، نرجو ألا نشاهد صوراً اعتدنا أن نراها في برلمانات مصر السابقة، ومنها مشهد النواب الذين يلاحقون الوزراء بطلبات أبناء الدوائر الانتخابية، الذين يرون في النائب أن عمله هو تلبية الخدمات الشخصية فقط، وألا نرى نواباً يحولون الجلسات إلى مكان للاستغراق في النوم العميق أثناء مناقشة الموضوعات المهمة. وكذلك، لا نريد مشاهدة قاعات خاوية من النواب عند عرض القوانين والتشريعات. وهنا نطرح سؤالاً عن العلاقة بين الإعلام والبرلمان، ونحاول الإجابة عنه بعيداً من التنظير والتنميق الكلامي. فقد قلنا إنه يجب ألا نرى مشاهد في البرلمان الجديد أثرت سلباً في الأداء البرلماني، وحتى نتجنّب تلك المشاهد لا بد أن نربط بين مجلس النواب والإعلام. مثلاً، نطالب بأن تنقل قناة تلفزيونية جلسات مجلس النواب على الهواء. إن المرحلة المقبلة تتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين البرلمان وأجهزة الإعلام، وتحديداً إعلام الدولة، حيث يستلزم البناء الديموقراطي عملية مراجعة مستمرة للآليات المجتمعية التي تقيم دعائم وترسي قواعد الممارسة المطلوبة للديموقراطية. وهنا نؤكد دور الإعلام المصري التنويري في مساعدة البرلمان على التعاطي مع قضايا المجتمع من ناحية، ونقل الأداء البرلماني إلى جموع المواطنين، ومن ثم تتم عملية إعادة تقييم للنواب. ومن الضروري أن تقوم قناة «صوت الشعب» التي أنشئت في 2012 بهذا الدور التقييمي، عبر بثّ الجلسات على الهواء مباشرة، وليس تقارير عنها تخضع لمقص الرقيب الذي ينتمي إلى السلطة التنفيذية. وفي تصوّري، هذا الدور يجب ألا يتوقف بمعنى النقل بل يجري النقل (على الهواء) من دون حذف من منطلق الشفافية والحرص على التفاعل الدائم والمباشر بين الوطن وبرلمانه. ونلاحظ أن أطرافاً أخرى قد ترى أنها الأولى بالنقل المباشر لو تخلى تلفزيون الدولة عن حقه الحصري في نقل جلسات المجلس، وإن كنتُ على يقين بأن هذا لن يتحقق لأن التلفزيون المصري جاهز للاضطلاع بدوره في هذا الموضوع، غير أن القرار يعود بالدرجة الأولى إلى مجلس النواب نفسه في إطار ما يراه أعضاؤه. ومن الطبيعي أن تحكم النقل المباشر ضوابط معينة، منها الالتزام المهني في العرض والالتزام السياسي في الطرح. وفي النهاية، نرى أن الأمر يصبّ أولاً وأخيراً في دعم البناء الديموقراطي لمصر الجديدة.
مشاركة :