اللغة المراوغة وتحرير النص، سمتان في قصيدة الشاعرة السعودية بديعة كشغري التي اعتنقت الوطن مبدأً واليقين طريقاً في تسطير مضامينها الشعرية، وارتأت أن في الجرأة والوعي الثقافي مكانين لخلق بصمة شعرية بعيداً عن سطوة الموروث، إذاً أنتم مع شاعرتنا بديعة، كاسم ومسمى في هذا الحوار: الشاعرة بديعة كشغري كيف استطاعت أن تصنع بصمتها الشعرية وهل فعلاً الشاعرات السعوديات استطعن أن يحررن القصيدة من معاقلها؟ لعلنا لا نستطيع الحديث عن "البصمة الشعرية" إلا في إطار موازاتها مع الهوية والتي تتفرع هنا إلى ما هو إنساني، شمولي وما هو أنثوي فرعي، ولئن كنت قد حظيت بصنع "بصمة شعرية" إلى حد ما، فلعل ذلك يعود إلى مبدأ اليقين الذي يحيل العتمة إلى خطى والثقة التي تتميز بالاستمرارية واجتراح فضاءات أرحب من الوعي الثقافي والجرأة بعيداً عن سطوة الموروث والمتداول؛ وهكذا استطاع عدد كبير من الشاعرات السعوديات تحرير القصيدة من معاقلها إيماناً منهن بموقعهن في المعادلة الاجتماعية والثقافية كشريك فاعل. قلتِ مرة "حملت الوطن على كتفي" كيف تمكنت من التعبير عن وطن نحمله في قلوبنا؟ لقد كان السفر والترحال من أقدار مسيرتي الحياتية والشعرية، وفي أجواء الاغتراب كنت أستشعر الوطن كقيمة عشقية لازمتني انتماءً وهوية، وفعلاً ثقافياً تجسد في كتاباتي الحميمة، عن الوطن والتي مهرت بنبرة الحنين والنوستالجيا حيناً: مثال ذلك قصائد مكنوزة بدلالاتها مثل (من أعالي الوطن، أقيم ولا أقيم، الربع الخالي وعند فاتحة الوطن) كما كان لحضوري الثقافي في كندا مثلاً، وإقامتي لصالون ثقافي في أوتاوا وتفاعلي مع المشهد المحلي دور في حمل رسالتي العشقية عن الوطن، ما ترك أثراً وقدم نموذجاً للمرأة الفاعلة والمثقفة والتي تؤمن بالتسامح والحوار، ومن هذا المنطلق جاء عنوان ديواني الذي كتب على ضفاف الغربة (لست وحيداً يا وطني). ماذا يحتاج النص الشعري ليكون جزءاً من ذاكرة الناس يحمل الهم والمتعة في آن واحد؟ لعل من أهم مقومات النص الشعري هو ما يحمله من تأثير رؤيوي إضافة إلى قدرته على استفزاز مخيلة المتلقي من الناحية الجمالية والفنية، ولعل المضامين المرتبطة بقيم الذات وأسئلة الواقع والقدرة على مخاطبة قضاياه ذات الهم الذاتي والجمعي في آن تعد لبنة أساسية في معمار النص الشعري، إضافة إلى ذلك تستهويني النصوص التي تحاور الوجود والمطلق أو تعتمد عنصر الاستشراف، وقد كتبت في هذا المجال العديد من النصوص التي تتجاوز المحسوس من مفردات اللغة إلى تجليات الروح ووهج رؤاها. هل تعتقدين أن هناك أعمالاً لست راضية عنها في مسيرتك الشعرية؟ لعل هناك بعض النصوص لست راضية عنها من الناحية الفنية في ديواني الأول والثاني لكنها من حيث المضامين فهي تمثل مرحلة معينة من مسيرتي، ولكن هناك ديوان كامل هو (مناسك أنثى) لست راضية عن طباعته وإخراجه حيث احتشد بالأخطاء الطباعية وغيرها، وذلك لأن الناشر لم يعتمد البروفات الأخيرة، وأنوي تصحيح ذلك حينما أصدر أعمالي الكاملة قريباً إن شاء الله. ما الفرق بين حداثة الثمانينات الشعرية وما وصلت إليه القصيدة من تطور "عروضياً وبلاغياً" لتكون نصاً مفتوحاً؟ في الثمانينات كانت الحداثة الشعرية قد بلغت أوجها مواكبة لحركة المد الشعري الحديث في العالم العربي، والتي بدأت في أواخر الخمسينات، فإذا سلمنا بأن الحداثة هي شيء من إعادة النظر لرؤيتنا للعالم سواءً كان ذلك في العلوم أو آداب والفنون، فإن الحداثة الشعرية كانت تستمد عناصرها من القراءة المعمقة التي تعتمد على التراث والثوابت. أما القصيدة المعاصرة فأعتقد أنها تنتمي لمرحلة "ما بعد الحداثة" من حيث اعتمادها على التجريب والتخفف من العناصر البلاغية مواكبة لإيقاع عصر التقنية وتعدد وسائط النشر الإلكتروني. من أين تستمد القصيدة رمزيتها وكيف لها أن تحمل هوية إنسانية في ذات الوقت؟ تستمدها من البنى والتراكيب الدلالية التي تعتمدها بدءاً بعنوان القصيدة مروراً بكل التقنيات الفنية المعروفة كالمجاز والانزياحات واستدعاء الأسطورة والتناص وابتداع المتناقضات أو الثنائيات وانتهاءً بالتقطيع الشعري الذي يعتمد الصورة البصرية المستمدة من التشكيل الفني وما شابهه، هكذا توفر القصيدة عامل الإمتاع عندما تستدعي التأمل الرمزي والفكري والفلسفي ما يجعل القارئ مشاركاً في إنتاج النص. ما القصيدة التي لم تكتبها الشاعرة بديعة بعد، وما القصيدة أو الديوان الأحب لديك؟ أطمح إلى كتابة قصيدة ملحمية توظف كافة خبراتي المعرفية والروحانية، وأحب كل دواويني على اختلاف مراحلها ومستوياتها الفنية، وإن كان لا بد من "أفعل التفضيل" فأنا أعشق قصيدة (لطائف الأشواق شدوي) والتي كتبتها إثر عودتي من المغترب وقد تجسدت فيها مدينة الطائف رمزاً للمكان الذي يمثل لي مسقط الرأس.
مشاركة :