٢٥ سنة مرّت منذ عام ١٩٨٩م الذي وقعت فيه أكثر من ١٩٠دولة في العالم الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وفي كل عام يحتفي العالم في العشرين من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للطفل. هنا عبر الجسر الثقافي وقفة للتعرف على المفاهيم الإنسانية التي تتضمنها هذه التشريعات الدولية، ودور أدب الطفل في دعم الطفولة والمحافظة على حقوقها، وإطلالة سريعة على إشكالات أدب الطفل وواقعه في الوطن العربي، هذا وزوايا أخرى مختلفة تناولت أدب الطفل وعلاقته بحقوقه في الاستطلاع التالي. تعريف وتشريع في البدء قدّم المستشار التربوي بدر الحسين سردا مفصلا لحقوق الطفل في الشرع والتشريعات الدولية وتعريفا قانونيا للطفل مقدما لذلك بقوله: الطِّفل هو يَنبوعُ السعادة الذي يتدفَّق بالعطاء والبراءة دونما انقطاع، والأمل العَذْب الذي يمدُّنا بالعزيمة والإصرار والفرح، وما أحسنَ تعبير الخالق عندما قال في كتابه العزيز: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا». وأضاف: وبما أنَّ الأطفال هم امتدادنا في الزمن، وهم مرآة حاضرنا ومستقبلنا، فيتوجَّب على جميع المؤسسات المهتمَّة بالتنشئة الاجتماعية والثقافية كالأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة أن تعرِّف الأطفال بحقوقهم التي كفلها لهم الشرع والقانون، حيث أولت الشريعة الإسلامية الطِّفل اهتماما كبيرا، إذ حدَّدت حقوقه وكلَّ ما يكفل له حياة كريمة. أمَّا الطِّفل في القوانين والتشريعات الدولية، بحسب ما ورد في المادة الأولى لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطِّفل 1989م، فهو: كلّ كائن بشري لم يتجاوز الثامنة عشرة. ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبَّق عليه. ومن أهم الحقوق التي يجب تعريف الطفل بها ما ضمنه الإسلامُ له من حقّ النَّسب، والتسمية باسم حسن، والعقيقة له فرحًا بقدومه، وشكرًا لله على نعمائه، وحقّ الطِّفل في الرضاعة، والحصول على الغذاء الصِّحيِّ الذي يكفل له نموًّا صحيًّا، والحقُّ في التربية والتعليم، وحسن التنشئة وتعويده العادات الحسنة، وحقُّ الطِّفل في اكتساب الفضائل والقيم العليا، وحقُّ الطِّفل في اللعب وممارسة الرياضة، وحماية الطِّفل من الأذى الجسديِّ والنَّفسيِّ، وتوفير الأمن الكامل له، وحقُّ الطِّفل بصون كرامته وإنسانيته وعدم تعريضه لما لا يطيق من عمل أو علم وغير ذلك، وحقُّ الطِّفل في الحصول على محبة والديه وحنانهما وعطفهما، وحقُّ الطِّفل في العيش في بيئة سليمة تكفل له عدم الوقوع في شرك الجنوح والانحراف، إضافة إلى ضمان حقوق الأطفال الأيتام، واللقطاء. تشريع دولي وتحدّث الحسين عن مبادئ إعلان حقوق الطِّفل الذي تمَّ انعقاده في العشرين من نوفمبر 1959م فقد نصَّت المبادئ على وجوب تمتُّع الطِّفل بحماية خاصة وأن يُمنح، بالتشريع وغيره من الوسائل، الفُرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموًّا طبيعيًّا سليمًا في جوٍّ من الحرية والكرامة، وتكون مصلحتُه العليا محلَّ الاعتبار الأول في سنِّ القوانين لهذه الغاية. ونصَّت على أن يكون مُؤهّلا للنموِّ الصِّحيِّ السَّليم. وعلى هذه الغاية، يجب أن يُحاط هو وأمه بالعناية والحماية الخاصَّتين اللازمتين قبل الوضع وبعده. وللطفل حقّ في قدر كافٍ من الغذاء والمأوى واللهو والخدمات الطبية. ونصَّت أيضا على وجوب أن يُحاطَ الطِّفل المعوَّق جسميًّا أو عقليًّا أو اجتماعيًّا بالمعالجة والتربية والعناية الخاصة التي تقتضيها حالته. ويتساءل الحسين عن الفوائد المرجوَّة من توعيه الأطفال بحقوقهم عن طريق أدب الأطفال وغيره من الوسائل، فيجيب في نقاط: 1- القيام بالواجب الأخلاقي والمهني والإنساني تجاه الطفولة. 2-تعزيز الثقة بالنفس عند الأطفال من خلال ما يلمسونه من اهتمام بهم سواء في الشريعة أم في القانون. 3-حمايتهم من جميع صور الابتزاز والاستغلال من أي طرف. 4-النشأة السويَّة والمنفتحة بعيدا عن الانغلاق والكبت. 5-المساهمة الواعية في تحقيق الازدهار الثقافي والسلم المجتمعي. ويختم الحسين قائلاً: إن الأمة الراقية حقًّا تحترم طفولة أبنائها، وتحرص عليهم. أدب مُهمَل فيما يتحدّث القاص والروائي حسن الشيخ عن اشكاليات عدة في مسيرة أدب الطفل، تطفو على السطح حينا وتغمرها المياه حينا آخر. ولعل من أبرز تلك الاشكاليات، تخطي الخارطة الثقافية مبدعي ادب الطفل، وتخطي إنتاجهم الإبداعي.. فلقد بقي أديب الطفل خارج تلك الخارطة الثقافية لسنين عدة ونظر إلى أدبه كأدب من الدرجة الثانية. ان في إقرار اليونيسف بحقوق الطفل إشكالية إبداعية أيضا.. فمن يقرأ أدب الأطفال غير الأطفال أنفسهم.. والأطفال متلقون سلبيون لا يستطيعون في الغالب مناقشة هذا الأدب ولا الكتابة عنه ولا تقويمه. لا شك أن خطوة اليونسيف خطوة هامة تحتاج إلى ردفها بمؤسسات ثقافية تهتم بأدب الطفل، وتمييز الأدب الاصيل من الأدب الغث.. وهنا لابد أن نشير إلى ان عددا من الكتاب قد استسهلوا الكتابة في هذا الفن.. وكتبوا من دون دراية ولا معرفة. وكون أدب الطفل هو بسيط في أدواته ولغته، فقد عملت تلك البساطة على ارباك الناقد نفسه.. فلم يستطع أن يستخدم أدوات النقد بمهارة.. لذلك فإن أدب الطفل لا يحتاج إلى مبدع متميز فقط بل يحتاج إلى ناقد متميز أيضا. وأعتقد أن خطوة اليونسيف سوف تعمل على تعزيز أدب الاطفال مستقبلا.. ونطالب مؤسساتنا الثقافية ان تلتفت إلى هذا النوع من الإبداع وترعاه. حرية الاختيار ويقول الشاعر حسن الربيح الحائز الذي نال مؤخرا جائزة الدولة لأدب الطفل في قطر في دورتها السادسة عن ديوانه اسمه أحمد: لا شك أن أدب الطفل يحمل على عاتقه الكثير مما يحتاج إليه طفل اليوم في بناء شخصيته. وإنَّ غرس الوعي فيه من أهمّ هذه الاحتياجات، بدءا من تعريفه بحقوقه مثل حقّه في الاختيار والتعبير والحركة واللبس والترويح.. إلى الدفاع عن حقّه والسعي في المطالبة به. كل هذه الحقوق لا بدّ أن يعمل الأديب على بلورتها وتمريرها للطفل فيما يكتبه ويصوره، لينمو الطفل معتمدًا على نفسه ومتّخذًا قراره دون إجبار أو قسر. وحينما يتعرّف على حقوقه فإن ذلك يساعده على تكوين شخصية له مستقلة وواعية كي لا يبقى بلا ملامح وبلا مطامح يجهل طريق مستقبله، فالأطفال كما يقال بوّابة المستقبل، فلا بدّ أن لا تبقى هذه البوّابة مقفلة ومفتاحها بأيدينا. فحينما نقدّم للطفل قطعة أدبية (شعرًا أو نثرًا) يتنبّه من خلالها إلى حقّه في ممارسة هواياته واختيار حاجاته الشخصية بنفسه وتحديد ما يتمنّاه في المستقبل مثلًا، فإننا بذلك نحارب فيه الشخصيّة الاتّكالية القاتلة للإبداع، وهكذا في بقية حقوقه الأخرى. أفلام الكارتون ويؤكد القاص لأدب الطفل ابراهيم شيخ أنّ أدب الطفل هو السراج المنيّر لهذا الطفل اذا وجد من يوجهه له ويذلل الصعاب له في الوصول اليه، فالطفل بفطرته يحب اللعب، ومن هذا الجانب ممكن ندخل عليه ونوعّيه بفهم حقوقه وما يجب عليه عن طريق الحكايات، فهو يطلب المتعة في اللعب ويتعلم ما نريده، وكذلك بالصور والاشياء الجميلة المحببة لدى الطفل نصل اليه ونوصّل له ما نشاء ليستمتع ويتعلم من حيث لا يدري. وكما يقولون، فعقل الطفل صفحة بيضاء ونحن نكتب فيها ما نشاء، فإذا أراد الله بهذا الطفل خيرا وجه له معلما يعلمه الخير، وقصص الطفل من ضمن ما يتعلمه الطفل وهي تربية تساعد في تشكيل سلوكيات الطفل سواء قرأ او سمع او شاهد، وأقربها الى نفسه ما يتعلمه عن طريق الوسائل التي يحبها، فيترسخ في ذهنه ما يتعلمه ومن ثم يعرف ماله وما عليه. أشكال متعددة وترى القاصة مريم الحسن أن أدب الطفل هو الشكل المناسب في توصيل االمعلومة، وله قواعد ومناهج، تناسب كل مرحلة من مراحل الطفولة، وله اسلوب مختلف في صياغة القصة، سواء كانت منطوقة، أو مسموعة، أو مرئية وعن طريقها يتحقق الوصول للطفل وغرس القيم في نفسه بفكر ناضج، ووعي سليم، بذلك العمل يمكن توعية الطفل بحقوقه كاملة. وقد يأتي العمل في صورة قصة، أو مسرحية، أو يحكي حكاية في قصة بطولة او مغامرة، أو قصة من قصص التاريخ التي تستهوي الطفل، أوغيرها، فالطفل وعاء وممكن تعبئته بما يناسب انسانيته وطفولته، منها يتعلم، وعليها يتربى، وتصبح عادات عنده سهلة المعرفة، وترسخ في عقله، فيسهل عليه تنفيذها. تفجير إبداعه وتعلق القاصة رباب النمر حول هذا الموضوع بقولها: الطفل ذلك الكائن الوادع الذي يطل على الدنيا ببراءة وحب، والإنسان المكتمل الضعيف الذي لا يمتلك أدوات التعبير عن ذاته وعن احتياجاته.. الطفل امتدادنا والوجه المبتسم في هذه الحياة.. نغسل همومنا بنظرة إلى عينيه، وتتغير حسابات المستقبل حين نستثمر مواهبه ونفجر طاقاته البكر الخلاقة. وأكثر البالغين يتساهل مع شريحة الأطفال من حيث منحهم حقوقهم والاعتراف بهم أصلا ككيان محترم وكشريحة اجتماعية لها وزنها وثقلها.. ولهذا السبب تعهد العالم قبل اكثر من عقدين من الزمن، أن يبذل قصارى جهده لتوفير الحماية لهم، والعمل على تعزيز حقوقهم. وتؤكد النمر على ضرورة استغلال يوم الطفل لتعزيز حقوق الطفل من خلال أدب الطفل وسواه من الوسائل. الطفولة العربية ويلخص حمد الرشيد آماله ورؤاه في قوله: يحتفي العالم في العشرين من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للطفل. وهذا العام - كما هو معروف - يكون قد مر على الاتفاقية الدولية التي وقعتها اكثر من ١٩٠دولة في العالم ٢٥ سنة منذ عام ١٩٨٩م، وهي تلك الاتفاقية الدولية العالمية التي تخص بنودها حقوق الأطفال بجميع أنحاء العالم ووجوب رعايتها واحترامها من قبل الجميع، مهما كانت دياناتهم وأعراقهم وجنسياتهم والوانهم. وجدير بنا ان نتذكر حقوق الطفل العربي في هذا اليوم العالمي، خاصة انه يمر في الوقت الراهن بمرحلة تعج بالكثير من المشاكل والاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية حاليا، وكان السبب الرئيسي وراءها الحروب والنزاعات والصراعات البشرية والأزمات وآثارها السلبية الناتجة عنها كالمجاعات والخوف وفقدان الهوية وعدم الإحساس بالأمن والاستقرار! ويؤكد الرشيد أهمية أدب الطفل كأسلوب داعم قائلا: اننا لا نزال بحاجة ماسة لدعم الامن النفسي والأسري والتربوي والأخلاقي لأطفالنا والتوعية بأهمية ذلك عن طريق البرامج والخطط المطلوبة وتنفيذها وضرورة مراعاة جميع ما يتعلق برعاية حقوق الأطفال.
مشاركة :