يستبعد مراقبون إسرائيليون قدرة إسرائيل على تلبية كامل الاحتياجات الهائلة للاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي بعد توقيع بروكسل قبل أيام على مذكرة تفاهم مع تل أبيب بشأن ذلك الأمر الذي يضعها في موضع مساهم مهم للطاقة العالمية. وظل الغاز الإسرائيلي مستخدما في إطار خدمة السوق المحلي بالإضافة إلى كل من مصر والأردن المجاورتين ما يعني أن بدء تصديره إلى أوروبا يزيد من مكانته. وزارت شخصيات أوروبية بارزة مؤخرا من بينها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي إسرائيل لمناقشة التعاون معها في مجال الطاقة، وتبع ذلك توقيع مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وكل من إسرائيل ومصر الأربعاء الماضي. وتقوم مذكرة التفاهم على نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا بعد تسييله في المحطات المصرية المعدة لهذا الغرض، ليكون ذلك أحد البدائل عن روسيا التي تزود الدول الأوروبية بنحو 30 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا. ويرى المراقبون أن المسؤولين الأوروبيين سعوا إلى تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي من خلال التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل التي تتطلع في المقابل لتعزيز مكانتها الجيوسياسية وتحقيق مكاسب سياسية تفوق المكاسب الاقتصادية. وشهدت العلاقات بين روسيا وأوروبا تدهورا حادا منذ شن موسكو عملية عسكرية في أوكرانيا في فبراير الماضي، فيما قطعت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل بلغاريا وبولندا وفنلندا. ويقول أدي ولفسون خبير الاستدامة بكلية الهندسة شمعون في بئر السبع جنوب إسرائيل لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه لا يمكن لإسرائيل ولا مصر أن تنافس روسيا من حيث إنتاج الطاقة أو المرافق الداعمة ذات الصلة. ويضيف أنه حتى لو قامت إسرائيل بتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا فمن الصعب عليها أن تلعب دورا رئيسيا في حل أزمة الطاقة الأوروبية، وأن الحديث عن إنقاذ الغاز الإسرائيلي لأوروبا هو "خداع للذات". والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في 14 يونيو الجاري مع كل من فون دير لاين ودراغي اللذين أعلنا أن التعاون في مجال الطاقة هو محور زيارتهما لإسرائيل. وأكد بينيت رغبة إسرائيل في "تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا"، مشيرا إلى أن إسرائيل تحولت في السنوات الأخيرة من مستورد للغاز إلى مصدر له وتعمل حاليا على زيادة الإنتاج. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، استورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا في عام 2021، وهو ما يمثل 45 % من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز و40 % من استهلاكه. وبدأ الاتحاد الأوروبي في اتخاذ خطوات احتياطية للتعامل مع مخاطر "قطع روسيا الكامل للغاز" عن الدول الأعضاء فيه. وكانت إسرائيل تعتمد على واردات الغاز من مصر، لكن منذ بداية هذا القرن، اكتشفت الدولة العبرية كمية كبيرة من موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، في خطوة لم تحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، ولكن أيضا مكنها من التعاون في مجال الطاقة مع الدول المجاورة. ووفقا لبيانات وزارة الطاقة الإسرائيلية، فإن حقلي الغاز الطبيعي الرئيسيين في البلاد في شرق البحر المتوسط تمار وليفياثان، أنتجا إجمالي 19.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2021، تم استهلاك 12.3 مليار منها في إسرائيل فيما تم تصدير 7.2 مليار آخر إلى مصر والأردن. لكن رغم ذلك، ترى أوفيرا أيالون الأستاذة في البيئة وسياسة الطاقة في جامعة حيفا في إسرائيل في تصريحات لـ ((شينخوا)) أنه "بالنسبة لأوروبا لن يغير تصدير الغاز الإسرائيلي قواعد اللعبة". وتشير إلى أنه "ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو تصدير جزء صغير فقط من الاستهلاك الأوروبي وذلك لن يغير نمط إمدادات الطاقة في أوروبا". وتضيف أنه في الوقت الحاضر تبلغ احتياطيات إسرائيل المؤكدة من الغاز الطبيعي نحو 900 مليار متر مكعب، وهو ما لا يمكن أن يضمن استمرار الصادرات على نطاق واسع إلى أوروبا في ظل فرضية الاكتفاء الذاتي. في الوقت ذاته تشدد أيالون على أنه بالنسبة لإسرائيل نفسها فإن تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا له أهمية كبري متعلقة "بتعزيز وضعها الجيوسياسي". وتأمل إسرائيل زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى نحو 40 مليار متر مكعب سنويا خلال السنوات المقبلة من خلال توسعة مشروعات وبدء تشغيل حقول جديدة. بالتوازي مع ذلك تعمل إسرائيل على استكشاف تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر طرق أخرى وهو ما يعزز علاقاتها الإقليمية مع دول ظلت على قطيعة معها. ففي مارس الماضي، زار الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ تركيا كأول رئيس إسرائيلي يزور أنقرة منذ 14 عامًا، بعد أن ظلت العلاقات متوترة بين البلدين في عديد الملفات. وفي حينه وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة هرتسوغ بأنها "نقطة تحول جديدة" في العلاقات التركية الإسرائيلية، معبرا عن أمله في زيادة التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، ما يعني نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وعلى الرغم من ذلك، شككت وسائل إعلام إسرائيلية في مستقبل التعاون الإسرائيلي التركي بعد سنوات من القطيعة، بالإضافة إلى مرور مشروع خط الأنابيب عبر مياه متنازع عليها في شرق المتوسط، وهي منطقة تثير خلافات عادة بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى. بموازاة ذلك طفت على السطح مؤخرا توترات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أثر بدء الدولة العبرية التنقيب عن النفط والغاز في حقل كاريش الذي يقع في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان في البحر المتوسط .■
مشاركة :