وكالات – واصل : في وجه كارثي آخر لمأساة الجفاف والتصحر وشح الأمطار التي تضرب العراق، نفق عدد كبير من غزلان الريم المتبقية في محمية ساوة جنوبي البلاد، بينما يبحث الباقي منها عبثا عما يسد رمقها من جراء الجوع والعطش، مما قاد لانخفاض أعدادها من نحو 150 إلى أقل من 90 رأسا في شهر واحد فقط. ونفق نصف هذه الغزلان منذ نهاية أبريل الماضي، ولا شيء يمكن فعله، فالأمطار كانت شحيحة هذا العام، وكذلك الدعم الحكومي بالأعلاف الضرورية لبقائها. وانخفضت أعداد غزلان الريم في المحمية التي أنشئت عام 2007، من 148 رأسا إلى 87 خلال شهر، حسب الطبيب البيطري تركي الجياشي مدير مشروع محمية ساوه الطبيعية في محافظة المثنى. ويرتبط غزال الريم تاريخيا بالصحراء العراقية التي تعد موطنه الأصلي، فضلا عن توزعه في دول أخرى بالمنطقة مثل ليبيا ومصر والجزائر. ويصنفه الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) على أنه من الأنواع “المهددة بالانقراض”، فغزال الرافدين الذي “يصيد ما ينصاد”، وفق إحدى روائع الفنان العراقي الكبير كاظم الساهر، هو ينازع من الجوع والظمأ حد الموت. وتعليقا على ما يحيط بغزلان الريم العراقية من مخاطر تصل درجة الانقراض والنفوق جوعا وعطشا، يقول الخبير البيئي العراقي عضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن قدوري: “الصراعات والأزمات السياسية والمالية التي ضربت عجلة الاقتصاد والزراعة في العراق، فضلا عن الأزمة المائية التي باتت تشكل خطرا يهدد النظام البيئي بصورة عامة في العراق والعالم ككل، كلها عوامل تلعب دورا في المخاطر التي تواجه الحيوان”. ويضيف قدوري لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يأتي هذا بالتزامن مع ما نشهده من أعنف مراحل التغير المناخي المتمثلة بارتفاع مرتقب بمعدلات درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقارير المنظمة العالمية للأنواء الجوية”. ويشرح: “الأمر سيصل بالواقع المائي والبيئي إلى ما لا يحمد عقباه، حيث يعاني العراق اليوم تدهورا اقتصاديا وزراعيا ومائيا وبيئيا مركبا تتضافر عناصر تعقيده، حيث الجفاف يضرب مسطحات البلاد المائية، وأبرزها ومن أندر بحيرات العراق، بحيرة ساوة في صحراء السماوة جنوبي البلاد”. ويشير المتحدث إلى أن “هذا الجفاف يعتبر دلالة على استنزاف مخزون المياه الجوفية، المورد الرئيسي لمياه البحيرة، والمتضافر مع ندرة الأمطار، بل وانعدامها على مدار سنتين”. ويسترسل قدوري في شرح عوامل الخطورة، بالقول: “جفاف ساوة مؤشر لخطورة الموقف بالنسبة للأحياء التي تقطن صحراء السماوة، لما يسببه من قلة الغذاء والمياه التي تروي ظمأ هذه الأحياء، وأبرزها بالتأكيد غزلان الريم، التي تعتبر علامة فارقة لصحاري جنوبي العراق”. ويتابع: “قبل عام واحد فقط، بدأت أعمال مضنية وبجهود استثنائية تمكن القائمون على محمية السماوة على إثرها من زيادة عدد رؤوس الغزلان من 3 أزواج لتبلغ قبل نحو شهر واحد من الآن ما يقارب 148 رأسا، لكن مع توالي الأزمات وتفاقم أزمة الجفاف ونقص المياه وعدم التفات الجهات الحكومية نحو دعم مستلزمات هذه المحمية، من توفير غذاء وماء وصرف المستحقات المالية المخصصة للحفاظ على ديمومة عناصر المحمية، بالأخص أنها تضم هذه الحيوانات المهددة بخطر الانقراض والمدرجة منذ 10 سنوات ضمن القائمة الحمراء للاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة، نتيجة لكل ذلك تناقص العدد اليوم إلى أقل من 81 رأسا”. ويوضح الخبير البيئي العراقي، أن “محمية ساوة لم تكن الوحيدة التي بدأت تفقد أعدادا كبيرة من غزلان الريم”، حيث تناقصت أعدادها بنسبة 38 بالمئة خلال الأيام القليلة الماضية على مستوى مختلف المحميات العراقية. ويضيف: “تبقى اليوم محمية قره تبة الواقعة في شمال شرق محافظة ميسان، مهددة كذلك بفقدان عدد من هذه الغزلان، بعد أن قارب عددها 360 رأسا بسبب زحف وحش الجفاف باتجاه المجاري المائية في ميسان، ونقص تجهيز الأعلاف”. وعن السبل الكفيلة بتلافي المزيد من التدهور في النظم البيئية العراقية، يقول قدوري: “نعمل بجهود حقيقية لضمان حق العراق بالمحافظة على تراثه الطبيعي ومجاريه ومسطحاته المائية وتنوعه الأحيائي، وما زلنا نأمل من الجهات الحكومية أن تبادر باتجاه بلورة ووضع حلول حقيقية، من خلال موقف وطني جاد لحلحلة الأزمات التي أوصلت البيئة العراقية إلى الحضيض”. يذكر أن العراق يعد واحدا من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، خاصة مع تزايد الجفاف واحتباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة القياسية، التي تتجاوز لأيام طوال من فصل الصيف نصف درجة الغليان.
مشاركة :