مخاطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وروسيا لا تزال قائمة

  • 6/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مرت أربعة أشهر على اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ورغم ذلك لا يبدو أن لدى أي طرف القدرة على تحقيق انتصار حاسم في المستقبل القريب. في المقابل يتنامى التكهن بمخرجات هذه الحرب ونتائجها والتي هي في الأغلب مبنية على تحليلات أميركية، مما يدفع البعض من المحللين إلى القول بأن مخاطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وروسيا لا تزال قائمة. ويقول المحلل الاستراتيجي الأميركي من أصل روسي ديمتري سايمز، الرئيس التنفيذي لمركز ناشونال إنتريست الأميركي، إن ترك طرفي الصراع يستنزف كل منهما الآخر على أساس أن هذا الصراع سيظل محدودا هو موقف متهور. ورأى سايمز في تحليل نشرته مجلة المركز أن النزاع الأخير بين روسيا وليتوانيا بسبب قرار فيلنيوس تقليص عمليات نقل السلع الروسية إلى جيب كالينينغراد الروسي الموجود داخل الأراضي الليتوانية يعتبر أحدث مثال على مدى السهولة التي يمكن أن يتسع بها نطاق الصراع في أوكرانيا ليخرج عن السيطرة تماما. وأضاف سايمز أن خسائر هذا الصراع المفتوح حتى الآن جسيمة جدا وتتراوح بين التأثير الكارثي المحلي على أوكرانيا نفسها والعواقب الاقتصادية العالمية الحادة -خاصة في قطاعي الغذاء والطاقة- التي تجاوزت أوكرانيا بل وأوروبا بشكل عام وباتت تهدد استقرار النظام الدولي نفسه. ديمتري سايمز: توقع أفعال روسية وفقا للحذر الأميركي سيقود إلى أخطاء قاتلة وبالطبع يمكن لحلف شمال الأطلسي (الناتو) تعزيز موقف أوكرانيا بتزويدها بالمزيد من الأسلحة والتدريبات العسكرية، وهو ما يتيح لكييف تحقيق نجاحات تكتيكية محدودة. لكن إذا زاد نطاق هذه النجاحات وتجاوزت الأراضي التي غزتها روسيا منذ فبراير الماضي وبدأت تتحول إلى هزيمة مهينة لحكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن موسكو تمتلك الكثير من أدوات التصعيد سواء من خلال الحشد العسكري أو وضع الاقتصاد العالمي في حالة حرب. مثل هذه التطورات ستجعل الولايات المتحدة بين خيارين وهما التعرض لهزيمة عسكرية كبيرة في أوكرانيا أو مواصلة التصعيد ضد روسيا وصولا إلى حافة الحرب النووية. ويقول سايمز إن هؤلاء الذين ينكرون قدرة روسيا على تحسين موقفها العسكري ينسون حقيقة أنها تخوض اليوم ليس فقط “عملية عسكرية خاصة” وإنما “حربا محدودة” بالفعل، وهو أمر مختلف تماما عن الحرب الكاملة التي يمكن لموسكو شنها باستخدام كل إمكانياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية إذا احتاجت إلى ذلك حمايةً لنظام الحكم. في الوقت نفسه فإن واشنطن تواصل زيادة رهانها بشكل أسبوعي؛ فكلما زاد تدفق الأسلحة الحديثة والهجومية من الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكلما اعتبرت واشنطن والاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا مدافع رئيسي عن القيم والمصالح الغربية، أصبحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الصاحبين الفعليين للمشروع الأوكراني، وبالتالي فإن انهيار هذا المشروع أمام قوة الجيش الروسي سيكون ليس فقط مهينا للولايات المتحدة وإنما أيضا مدمرا لمصداقيتها وفاعليتها العالمية. مثل هذا السيناريو سيكون كارثيا بالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه الديمقراطي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، وهو ما سيؤدي إلى تسليط ضغوط شديدة على الإدارة كي تتخذ المزيد من الخطوات لاستيعاب مطالبة الرئيس زيلينسكي بالحصول على الأسلحة والدعم. وليس من الصعب التنبؤ بنظرة روسيا إلى مثل هذه التحركات، وبالتالي فإن إشارة بايدن إلى حرب عالمية ثالثة ليست مبالغة وإنما تعكس المخاطر الحقيقية. ويرى سايمز أنه لم يكن هناك سوى تقييم محدود لكيفية وصولنا إلى هذه النقطة الخطيرة. فالغزو الروسي لأوكرانيا يوصف على نطاق واسع بأنه غير قانوني وغير مبرر. وبالطبع فهو غير شرعي من المنظور القانوني حيث أن أوكرانيا لم تحاول غزو أراضي روسيا، وموسكو لم تحصل على قرار من مجلس الأمن الدولي يتيح لها القيام بمثل هذا العمل العسكري. لكن في المقابل كان هجوم الناتو على يوغوسلافيا عام 1999 غير قانوني وكذلك الغزو الأميركي للعراق سنة 2003. أما القول إن هذه الحرب لم تكن نتيجة استفزاز فإنه غير مقبول على حد قول سايمز الذي يرى أن روسيا منذ سنوات تحذر من مخاطر محاولات توسيع حلف الناتو وضم دول مجاورة لحدود روسيا إليه. ورغم أن البعض قد يخالف وجهة نظر روسيا، فإن هناك الكثيرين من خبراء السياسة الخارجية الأميركيين -ومن بينهم جورج كينان- الذين تحفظوا على خطط توسيع الناتو من قبل. وبالطبع فإن الرئيس الروسي هو من اتخذ قرار غزو أوكرانيا، وهو الذي يتحمل مسؤولية العواقب. لكن كما قال البابا فرانسيس مؤخرا، فإن القادة في واشنطن ولندن وبروكسل الذين تعاملوا بعجرفة مع المطالب الأمنية الروسية قبل الحرب، وقبل أن تكون فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو مطروحة للنقاش الجاد، هم الذين خلقوا ما يبدو أمام الروس استفزازا متعمدا لهم لكي يهاجموا أوكرانيا. وخلال الفترة التي كانت فيها موسكو تدرس مسألة كيفية التعامل مع رفض الغرب لمطالبها، رأى بعض كبار الخبراء في موسكو أن رفض واشنطن وبروكسل للمطالب الروسية كان قاطعا وغير ضروري، خاصة وأن أوكرانيا لم تكن على الطريق للانضمام إلى الناتو في ذلك الوقت، وأن إدارة الرئيس بايدن غير مستعدة لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عنها، وبالتالي فإن الاستفزازات التي مارستها واشنطن كانت مقصودة لجر روسيا إلى تلك الحرب. العقوبات الغربية المفروضة على نظام بوتين تتنامى، وهو ما أتاح للإعلام الروسي فرصة تصوير هذه العقوبات على أنها تستهدف روسيا ككل ومن الموضوعية القول إنه بعد مرور أربعة أشهر لم تسر العملية كما تأمل الحكومة الروسية سواء سياسيا أو عسكريا. كما أن الجيش الأوكراني أبدى قدرة على المقاومة تفوق توقعات إدارة بايدن التي سارعت إلى إخلاء سفارتها في كييف وعرضت على الرئيس زيلينسكي المساعدة في الفرار من عاصمة بلاده. كما أن إدارة بايدن سعيدة للغاية بالوحدة غير المسبوقة التي شهدها حلف الناتو والمعسكر الغربي بشكل عام. والمشكلة الأساسية بالنسبة إلى إدارة بايدن هي أن حكومة بوتين حققت أيضا نجاحات كبيرة. فهي تقف بقوة وبمفردها أمام الغرب بشكل عام بما فيه الدول الأكثر تقدما وديمقراطية في أميركا الشمالية وأوروبا والمحيط الهادئ. فمازالت روسيا غير مهزومة وقادرة على التحدي. وبعد التعثر في بداية العملية العسكرية تحقق روسيا الآن مكاسب على الأرض في إقليم دونباس وجنوب أوكرانيا. وإلى حد الآن تعتبر العملية الروسية في أوكرانيا محدودة بالفعل وليس فقط بالقول. ومنذ البداية لم تستخدم روسيا قوات كافية لتنفيذ غزو كامل لأوكرانيا، وخصوصا للقيام بهجوم طموح على العاصمة كييف تعهدت موسكو بالقيام به في بادئ الأمر. ويبدو بوتين مصمما على المضي في عمليته المحدودة لأطول فترة ممكنة، ما يسمح له بالإبقاء على الأوضاع طبيعية نسبيا في روسيا. في المقابل تتنامى العقوبات الغربية المفروضة على نظام بوتين وعلى العديد من رجال الأعمال الروس، بمن فيهم شخصيات حققت نجاحها دون ارتباط قوي بالنظام الروسي وهو ما أتاح للإعلام الروسي فرصة تصوير هذه العقوبات على أنها تستهدف روسيا ككل وليس بوتين الذي بدأ يتحدث عن “الحرب الوطنية” التي تخوضها بلاده، بما يفتح الباب أمام المزيد من التصعيد في المستقبل. وقال سايمز في ختام تحليله إن افتراض أن روسيا ستتصرف وفقا للتعريفات الأميركية للحذر سيقود إلى أخطاء قاتلة.

مشاركة :