كتب علي ربيع: لم يكن يدر بخلد المدافع الأرجنتيني أوسكار روجيري حين رفع لقب «كوبا أمريكا» عام 1993 أن بلاده ستنتظر 28 عاماً لتعتلي منصات التتويج مرة أخرى. روجيري -أحد أبرز مدافعي الكرة الأرجنتينية- فاز مع منتخب بلاده بكل الألقاب الممكنة، فقد توج بكأس العالم عام 1986 (وكان ضمن الفريق الذي خسر نهائي عام 1990 أمام ألمانيا بهدف من دون رد)، و«كوبا أمريكا» عامي 1991 و 1993، وفاز أيضاً بكأس القارات عام 1992. فترة العجاف التي امتدت لـ 28 عاماً كانت الأسوأ في تاريخ منتخب الأرجنتين، وزادت بعشرة أعوام عن الفترة التي عجز عنها المنتخب في تحقيق أي لقب بين أعوام 1960 و 1978. يكذب من يدعي أن بإمكانه تقديم سبب مقنع لغياب مجموعة مرعبة من اللاعبين عن البطولات كمنتخبات كؤوس العالم (1994، 1998، 2002، 2006، 2010)، أو منتخب كوبا أمريكا 2004 و 2007، أو منتخب 2014 الذي كان أقرب وأحق بالفوز بلقب المونديال من منتخب مونديال 1990. باستثناء منتخب أو منتخبين عالميين، ما يطلب من الأرجنتين تحقيقه لا يطلب من منتخبات أخرى، وما يطلب من اللاعبين الأرجنتينيين تحقيقه لا يطلب من أفضل لاعبي المنتخبات الأخرى. فخسارة نهائي كأس العالم 2014 قبل دقائق من نهاية الشوط الإضافي الثاني، وخسارة نهائيي «كوبا أمريكا» 2015 و 2016 بركلات الجزاء اعتبرت فشلاً للاعبي المنتخب وعلى رأسهم ليونيل ميسي. لكن عدم إحراز لقب دوري الأمم الأوروبي (وليس لقب الأمم) لا يعتبر فشلاً للاعب مثل روبيرت ليفاندوفسكي. فإن قيل كيف تقارن منتخباً عريقاً مثل الأرجنتين بمنتخب مثل بولندا، نقول: «إن ليفاندوفسكي لا يطالب حتى بقيادة منتخب بلاده إلى الأدوار النهائية لبطولة دوري الأمم الأوروبي وهي بطولة أقل مستوى بكثير من بطولة الأمم الأوروبية». خبراء اللعبة أيضاً يجدون ألف عذرٍ للاعب مثل محمد صلاح حينما يعجز عن قيادة منتخب عريق مثل مصر للتأهل لنهائيات كأس العالم. فكيف يعتبر عدم فوز ميسي بكأس العالم فشلاً (وهو أفضل من لعب الكرة ويحق للأرجنتينيين وعشاق المنتخب الأرجنتيني فقط أن يفاضلوا بينه وبين دييجو مارادونا)، ولا يعتبر صلاح الذي يرى في نفسه أفضل لاعب في العالم أو من بين الأفضل فاشلاً لعدم قدرته على قيادة منتخب بلاده إلى كأس العالم؟ ولو تجاوزنا ليفاندوفسكي وصلاح، فلماذا يعذر لاعب مثل نيمار (الذي يعتبره بيليه وكافو أفضل من ميسي!) وهو لم يحقق سوى لقب كأس القارات عام 2013؟ والأعجب (بل لا عجب) أن صدر البعض يضيق حرجاً كأنما يصعد في السماء عندما يتم الحديث عن عودة الأرجنتين إلى منصات التتويج على حساب منتخب البرازيل وفي الماراكانا تحديداً قبل نحو عام، حيث يتحول النقاش من الفشل في تحقيق لقب إلى التقليل من الإنجاز نفسه، وهم هم من كانوا يعتبرون عدم تحقيق لقبي «كوبا أمريكا» عامي 2015 و 2016 فشلاً! وهو نفس اللقب الذي من أجله بكى نيمار بعد الخسارة أمام الأرجنتين ومن أجله أيضاً اعتذر تيتي للجماهير ولولا الحياء لربما رأينا دموعه تتساقط كما تساقطت دموع نيمار. الأمر نفسه تكرر بعد الفوز بكأس السوبر اللاتيني- الأوروبي (فيناليسما). الفوز بلقب السوبر ليس كالفوز بكأس العالم (نؤمن بهذا الأمر ونقوله في هذا المقام لإرضاء غرور نيمار الذي هو نفسه احتفل بالفوز بكأس القارات وكأنه فاز بكأس العالم!)، ولكنه تتويج لمسيرة ناجحة لليونيل سكالوني وطاقمه التدريبي، فلولا الفوز بكوبا أمريكا قبل عام لم تلعب الأرجنتين نهائي السوبر. وما يجعل الفوز بـ«كوبا أمريكا» ثم الـ«فيناليسما» أكثر تميزاً أن أغلب جماهير الجيل الذي وقع في حب أرجنتين مارادونا منذ مونديال إيطاليا 1990 لم يفرح كثيراً، لأنهم كانوا أصغر من أن يحتفلوا أو يدركوا أهمية الفوز بـ«كوبا أمريكا» عامي 1991 و 1993. ليس على جماهير الأرجنتين أن تنتظر نتيجة مونديال 2022 لتحكم على اللاعبين أو الطاقم الفني، فالأهم أن المنتخب تجاوز الثقل النفسي الذي خلفته سلسلة خسارة ستة نهائيات ما بين أعوام 2004 و 2016. المنتخب قادر على أن يعيد نتيجة مباراة إيطاليا التي انتهت بثلاثة أهداف دون رد مع أي منتخب آخر مهما كان اسمه، ولكنه أيضاً ورغم عدم الخسارة لـ33 مباراة متتالية حتى الآن، يمكن أن يخسر المباراة القادمة. وهنا لابد أن نؤكد أن الخسارة التي ستوقف سلسلة الانتصارات (نأمل ألا تأتي قريباً) لا يجب أن تنسينا أن سكالوني صنع فريقاً مختلفاً وجعلنا نحتفل بتحقيق لقبين في أقل من عام. لقد تحملنا مشقة السفر واستمتعنا بمتابعة الأرجنتين في أرض الملعب وفي التلفاز لعقود من دون أن نحتفل بتحقيق لقب، فكيف لا نستمتع اليوم ونحن باستحقاق أبطال أمريكا اللاتينية وأبطال السوبر العالمي.
مشاركة :