أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن وطاعته وعدم عصيانه سبحانه. وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: ها هو ذا موسم الحج قد فاحت أنسامه، ولاحت أعلامه، وهاؤم أولاء ضيوف الرحمن قد وفقوا لامتثال الأوامر، فخرجوا (رجالاً وعلى كل ضامر) قد سلكوا سبيل الهدى والرشاد، ونالوا الهنا والمراد، وعون الله لهم مؤازر . وأضاف: الحج ركن الإسلام العظيم، وجمعه الفخيم ورحلة قدسية، ونفحة أنسية، عبادة وتقوى وذكرا، وصفاء وبرا وطهرا ، فيه تجديد الصلة بالخلاق، وتأكيد العهد والميثاق، وهو من أجل العبادات وأفضلها، وأرفع الطاعات وأحفلها، وكفاه أنه مكفر للذنوب وجزاؤه الجنة، قال النبي صل الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجهما البخاري ومسلم، وسئل عليه الصلاة والسلام: (أي العمل أفضل؟) فقال: (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) أخرجه مسلم، والحج المبرور هو الذي وفيت أحكامه ولا معصية فيه. وأوضح أن من تلمح العبادات بعين التفهم علم أنها ملازمة رسم يدل على باطن مقصوده تزكية النفس، وإصلاح القلب، وتعليقه بالرب، والحج واحد منها؛ فإنه مملوء بالدروس الرائعة، والحكم النافعة، إلا أن فئامًا من الناس قد غاب عنهم ذلك، فأمسكوا الظواهر، وضيعوا الجواهر!، وإن أهم دروس الحج وحكمه: تحقيق التوحيد وتجريده لله تعالى، فالبيت الحرام قد أقيم على التوحيد، وأسس على الهدى، بناه أبو الأنبياء، وإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام، وأمر في ذلك ألا يشرك بالله، بأن يخلص لله عمله، ويقيم البيت على اسم الله، قال سبحانه (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)، وكان يدعو حين بنائه قائلا: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك). وأشار “بليلة” إلى أن أعمال الحج ووظائفه مبنية على التوحيد، مرسخة له، ذلاً لله وخضوعًا، وتوكلاً عليه وخشوعًا، وإفرادًا له سبحانه بالعبادة دون من سواه، فالمسلم لا يتوجه إلا إلى الله وحده، لا يجوز له أن يدعو غيره أو يتوسل به، أو ينزل به حوائجه، أو يصرف عملاً ظاهرًا أو باطنًا لغير مولاه عز وجل. وفي الحج تخلية للنفس من الرذائل، وتربية لها على الفضائل، تربية على التقوى، وترويض على الطاعة، وتنشئة على حسن التعامل وجميل الأخلاق (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). وأكد أنه في الحج يتجلى مشهد الوحدة الإسلامية، والأخوة الإيمانية، وذاك أمر ربنا تعالى بقوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (إنما المؤمنون إخوة) ونبيه صلى الله عليه وسلم هو القائل في حجة الوداع (إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) أخرجه الإمام أحمد. وأردف: ألا ما أحوج المسلمين إلى وعي هذا الدرس العظيم، ورعاية ذاك المقصد الكريم، فينبذوا من حياتهم أسباب الفرقة والاختلاف، ويسعوا سعيهم نحو التعاون والاجتماع والائتلاف، مستجيبين لنداء إمامهم محمد صل الله عليه وسلم (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا) أخرجه البخاري ومسلم. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: لقد فضل الله تعالى بعض الأزمنة على بعض، وجعلها محلا للطاعات، وميدانًا للعبادات؛ رحمة منه وفضلاً، وحكمة وعدلاً، وعما قريب تنزل بساحنا أيام عشر ذي الحجة، أيام عظم الله أمرها، ورفع على الأيام قدرها، وأقسم بها في كتابه الكريم؛ فقال سبحانه (والفجر وليال عشر)، والعمل الصالح فيها أفضل منه في سائر العام، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر) قالوا: (ولا الجهاد في سبيل الله؟) قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) أخرجه البخاري، وفي رواية للإمام أحمد: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). ودعا في ختام خطبته إلى الأخذ من هذا الخير الوافر، والفيض الغامر، وإعمار هذه الأيام المباركات بالطاعة والعمل الرشيد، والإكثار فيهن من التهليل والتكبير والتحميد.
مشاركة :