كان الحديث في مجلس الأمير خالد الفيصل العامر بمناسبة معرض الكتاب الدولي القائم الآن في محافظة جدة، ذلك المجلس الذي يرتاده العلماء والمفكرون والمثقفون ووجهاء المجتمع وكل من يرغب في حضوره. والحقيقة أن ذلك المجلس مدرسة يتعلم منها كل من يرتاده نظرا إلى مستوى الطرح الذي يتم فيه ومستوى النقاش الذي يتضمنه. وبمناسبة معرض الكتاب الدولي في جدة دار الحوار حول "القراءة" الموضوع القديم الحديث، وطرحت الفكرة القديمة الجديدة: "أن العرب أمة لا تقرأ". وطُرحت أفكار عديدة حول هذا المفهوم، إلا أن الحاضرين أنصتوا للأمير خالد الفيصل وهو يقوم بتخريج جديد رائع لمفهوم: "أننا أمة لا تقرأ"، وتساءل الأمير خالد في البداية: هل نعتبر من يقرأ رواية لا فائدة منها، على سبيل المثال، أنه قارئ؟ وهل من يقرأ نصوصاً لا تفيده يعد قارئاً؟ وأضاف: "أننا نقرأ في صلواتنا سوراً من القرآن الكريم لا تتعدى جزء عم".. وتساءل: "من في هذا المجلس يقرأ القرآن ويتدبر آياته أثناء القراءة؟ ومن قرأ كتب الأحاديث، البخاري ومسلم على سبيل المثال، ومن قرأ نظام مجالس البلدية الذي انتهت انتخاباتها للتو؟ ومن قرأ نظام المناطق ونظام الحكم الذي يهم كل فرد منا؟ ومن قرأ نظام الجامعة العربية الذي ننتقده صباح مساء؟ ومن الذي قرأ نظام الأمم المتحدة التي ننتقدها وننتقد قراراتها"؟ هذا التخريج الذي يصف من هو القارئ بدقه يجعلنا نراجع مفهوم الأمة التي لا تقرأ.. ونراجع تعريف "القارئ"؟ وأتفق تماماً مع أن من لم يقرأ ما يفيده في دينه وأموره الحياتية لا يعد قارئاً مهما كانت كمية القراءة التي يقرؤها أو كمية الكتب التي مر عليها. وهذا التخريج يتفق مع ما يجب أن تكون عليه الأمة التي دعاها الله سبحانه وتعالى أن تكون أمة تتدبر، وتفكر، وأمة أفرادها ذوو ألباب. القراءة الحقيقية في ظل هذا التخريج هي التي تكسب العقل المتدبر الذي يعي حاضره بما فيه من إيجابيات ويعززها ويعي ما فيه من سلبيات ويعالجها. القراءة الحقيقية هي محاولة الإلمام بكل ما يمس حياتنا من دين ودنيا. وتأتي بعد ذلك القراءات الأخرى المتعلقة بالمتعة من شعر ورواية وغيرهما. قد يقول قائل إننا نقرأ الرواية للمتعة ونقرأ الشعر للمتعة، هذا صحيح، لكنه لا يأتي في المرتبة الأولى بحيث نعد كل من يقرأ الرواية والشعر وألوان الأدب فقط قارئا، هنا في رأيي يأتي تميز تخريج الأمير خالد الفيصل في تخريجه لمفهوم: "من هو القارئ". ذلك لأن القراءة لها علاقة وثيقة بالمثقف، والمثقف لا يكون كذلك إذا لم يكن ملما ومهتما بقضاياه ويعرفها تمام المعرفة. كيف يكون المثقف كذلك وهو لا يعرف أمور دينه؟ وكيف يكون المثقف كذلك وهو لا يعرف قضايا وطنه؟ وكيف يكون المثقف كذلك وهو لا يعرف أمور أمته العربية والإسلامية؟ وكيف يكون المثقف كذلك وهو لا يهتم ولا يبحث في أمور تتعلق بقضاياه التي تناقش في المنظمات العالمية؟ الثقافة الحقيقية والمثقف الحقيقي هو نتاج قراءة فاعلة، والقراءة الفاعلة هي قراة تتعلق بقضايا الدين والوطن والأمة والعالم. يأتي زيادة على ذلك كل ما يمتع، وليس العكس. وهذا ما أظن أنه يعنيه تخريج الأمير خالد الفيصل في تفنيده لـ"لأمة التي لا تقرأ". ولهذا ينضوي في عداد الأمة التي لا تقرأ كل من تقتصر قراءته -مهما كانت كثافتها- على المتعة والترويح. كل فرد منا في الحياة معني بمعرفة أمور دينه والمشكلات التي تواجهه في مجتمعه. وهو معني بالحلول، ومهما كانت كثافة قراءة الفرد منا وهو لا يعرف أنظمة مجتمعه ولا يعرف كيف يواجه مشكلاته ولا يشارك في حلها فليس بقارئ. إذًا فتخريخ الأمير خالد الفيصل للأمة التي لا تقرأ أضاف بعدًا جديداً ومهماً لهذا المفهوم. وأظننا جميعا كنا نحمل فكرة أن تعريف القارئ تتعلق بكثافة وعدد الكتب التي يقرؤها دون الأخذ في الاعتبار نوع القراءة. لكن هذا التخريج وجه بوصلة القارئ الحقيقي لكل من يقرأ ويتدبر ما يقرؤه في أمور دينه وكل ما يتعلق بوطنه وقضاياه. هذا في نظري ليس فقط تخريجا جديدا ورائعا، لكن من الأهمية الوقوف عنده والأخذ به.
مشاركة :