واقع إسرائيل أشبه بمن يطحن ماءً، أربعة انتخابات في أقل من ثلاث سنوات والخامسة على الطريق والنتيجة صفر، فجميع الاستطلاعات والتوقعات تؤكد أن الأزمة ستستمر حتى بعد الجولة القادمة من الانتخابات، فأي من المعسكرين المتواجهين لن يتمكن من الحصول على 61 مقعدًا تضمن له تشكيل الحكومة. والغريب أن إسرائيل القادرة على الإجابة عن أي سؤال يتعلق بأمنها لم تفلح بالإجابة عن سؤال أزمتها السياسية، فمثل هذه الإجابة هي أعقد بكثير من أي سؤال أمني، بل إن الإجابة السياسية التي تذهب إلى عمق الأزمة وجذرها الحقيقي قد تقود إلى نسف الجوهر الصهيوني للدولة، وهذا ما تتهرب الطبقة السياسية منه سنة بعد سنة، وما دامت إسرائيل تهرب من الإجابة الصحيحة والحقيقية، فإنها ستواصل العيش في هذه الحلقة المفرغة. هناك سؤالان لا ترغب ولا تريد إسرائيل الإجابة عنهما الأول سؤال «الاحتلال» والثاني سؤال «المساواة» وهي الإجابة التي تصنع منها دولة ديمقراطية أم لا، أن تكون دولة عنصرية أم لا، دولة أبارتهايد أم لا، وما دامت تقبل بأن تعيش تحت سقف الديمقراطية الزائفة ستتواصل أزمتها وتتعمق. فالمشكلة ليست صراعًا بين يسار ويمين أو بين يمين وآخر أكثر منه تطرفًا، ما دام الجميع يتحرك على أرضية القبول بالاحتلال، بل وتعزيزه، ويقبل بأن تتحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد، دولة عنصرية. إن مأزق إسرائيل هو بالجوهر الصهيوني التي تشكلت ونمت وتطورت على أساسه، هي قد تكون دولة إسبارطية ناجحة ومتفوقة وقوية، لكنها ليست دولة ديمقراطية بالتأكيد فالقميص الديمقراطي الذي ترتديه إسرائيل ممزق، كثير الثقوب ويصعب رتقه أو إصلاحه. والمشكلة الأعمق في إسرائيل أنها تتشظى أكثر فأكثر سياسيًا عبر إنتاج الفكرة الصهيونية ذاتها بنسخ أكثر عقمًا وحماقةً وتطرفًا وعنصريةً، وأي شخص يقرأ التاريخ والواقع جيدًا سيخرج بالاستنتاج ذاته، إن مصير هذه الدولة هو الإفلاس السياسي والأخلاقي، ولن يكون بمقدورها الاستمرار. وسواء استطاع اليميني الفاسد نتنياهو ومعسكره الحصول على 61 مقعدًا ويشكل حكومة، فالسؤال كم ستستمر، وإلى أين ستأخذ إسرائيل؟ والاحتمال الآخر أن يستطيع خليط بينيت السياسي العجيب الحصول على 61 مقعدًا فالأسئلة ذاتها كم ستستمر حكومته المهلهلة؟ وإلى أين ستأخذ إسرائيل؟ وما دام كلاهما يتهرب من الإجابة عن أسئلة الاحتلال والمساواة، فإن كليهما سيأخذ إسرائيل نحو مزيد من العتمة السياسية الغارقة بها إسرائيل الصهيونية. يقول بعض المحللين إن إسرائيل ستدخل في مرحلة جديدة من الشلل السياسي، هذا صحيح من حيث الشكل، ولكن هل ستتوقف إسرائيل عن الاستيطان، الجواب لا، بل ربما سنشهد حمى الاستيطان ستزداد لسببين، الأول التنافس الانتخابي، فالمعروف أن الأرض الفلسطينية والدم الفلسطيني هما ساحته باستمرار، والثاني، أن حكومة تسيير الأعمال ستحرر نفسها من أي ضغط خارجي، وبهذا المعنى تهرب إسرائيل إلى الأمام من سؤال الاحتلال. ثم هل يمكن أن يلجم «الشلل» السياسي عدوانية إسرائيل؟ الجواب لا، ولنفس الأسباب سابقة الذكر، فإن هناك احتمالًا وهو أن يلجأ بينيت إلى التصعيد على إحدى الجبهات ليؤكد صقوريته وتطرفه. كل ما سبق لن يخرج إسرائيل من أزمتها، بل من مأزقها السياسي، وإنما سيعمقه أكثر، فالطبقة السياسية في إسرائيل، المصابة بعمى الصهيونية المزمن، ستواصل سياسة الهروب إلى الأمام، وستواصل الغوص في أزمتها وتقود إسرائيل من فشل إلى فشل، أما نحن الفلسطينيين فسنتألم حقًا، ولكن كل فشل للعنصريين في إسرائيل هو أمل لنا. { كاتب من فلسطين
مشاركة :