الشعراء.. وفلسفة القصيد!

  • 6/26/2022
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يقول‭ ‬تعالى‭: (‬والشعراء‭ ‬يتبعهم‭ ‬الغاوون‭ (‬224‭) ‬ألم‭ ‬تر‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وادٍ‭ ‬يهيمون‭ (‬225‭) ‬وأنهم‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ (‬226‭) ‬إلا‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وعملوا‭ ‬الصالحات‭ ‬وذكروا‭ ‬الله‭ ‬كثيرًا‭ ‬وانتصروا‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬ظلموا‭ ‬وسيعلم‭ ‬الذين‭ ‬ظلموا‭ ‬أي‭ ‬منقلب‭ ‬ينقلبون‭ (‬227‭) ‬الشعراء‭.‬ هكذا‭ ‬صنف‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬صنفين‭: ‬المؤمنون‭ ‬وغير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬مالا‭ ‬يفعلون،‭ ‬ويزعمون‭ ‬لأنفسهم‭ ‬القيادة‭ ‬والزعامة‭ ‬والشجاعة،‭ ‬فإذا‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المزاعم‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬المواجهة،‭ ‬وظهرت‭ ‬أخلاقهم‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وحين‭ ‬ندرس‭ ‬أو‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬نجد‭ ‬منهم‭ ‬الشجاع‭ ‬الذي‭ ‬يثبت‭ ‬عند‭ ‬المواجهة‭ ‬كالشاعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬صاحب‭ ‬المعلقة‭ ‬عنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬مع‭ ‬البلاغة‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الشعر،‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصومه،‭ ‬ومنهم‭ ‬الذين‭ ‬يَدَّعُونَ‭ ‬الشجاعة‭ ‬وهم‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬كأبي‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬مادحا‭ ‬شجاعته‭ ‬عند‭ ‬المواجهة،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬ الخيل‭ ‬والليل‭ ‬والبيداء‭ ‬تعرفني ‭ ‬والسيف‭ ‬والرمح‭ ‬والقرطاس‭ ‬والقلم وعند‭ ‬المواجهة‭ ‬لم‭ ‬يُصَدِقْ‭ ‬فِعلُهُ‭ ‬قَولَهُ،‭ ‬وحاول‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭.‬ ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬بيانًا‭ ‬وحكمة‭ ‬يكونان‭ ‬نبراسًا‭ ‬للبشرية‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬الحثيث‭ ‬إلى‭ ‬معالي‭ ‬الأمور،‭ ‬وعظائم‭ ‬المواقف،‭ ‬وقد‭ ‬يُلَخِصْ‭ ‬الشاعر‭(‬الحكيم‭) ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬وفلسفته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬كقول‭ ‬الشاعر‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬المشهورة‭ ‬‮«‬أعطني‭ ‬الناي‭ ‬وغني‮»‬‭ ‬حين‭ ‬لخص‭ ‬فلسفته‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬ أعطني‭ ‬الناي‭ ‬وغني وانس‭ ‬داء‭ ‬ودواء‭ ‬ إنما‭ ‬الناس‭ ‬سطور كتبت‭ ‬لكن‭ ‬بماء هذه‭ ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬الإنسان‭ ‬فردًا‭ ‬أو‭ ‬جماعة،‭ ‬إنه‭ ‬كالسطور‭ ‬التي‭ ‬نخطها‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تمحى،‭ ‬ويذهب‭ ‬أثرها‭.. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬فلسفة‭ ‬الشاعر‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والأحياء،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬القدرة‭ ‬الفائقة‭ ‬التي‭ ‬استطاع‭ ‬الشاعر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬بها‭ ‬تجسيد‭ ‬نظرته‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬ومصير‭ ‬الإنسان‭ ‬ومسيره‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭.‬ ولنتأمل‭ ‬فهم‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬ورؤيته‭ ‬لمقومات‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وفِي‭ ‬عهد‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة،‭ ‬وبالأخص‭ ‬عهد‭ ‬الخليفتين‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭)‬،‭ ‬لخص‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬حين‭ ‬قال‭:‬ الدين‭ ‬يسر‭ ‬والخلافة‭ ‬بيعة‭ ‬ والأمر‭ ‬شورى‭ ‬والحقوق‭ ‬قضاء وتضمن‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬رؤية‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬عودة‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامي‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬عنوان‭ ‬إذا‭ ‬توفرت‭ ‬له‭ ‬البيئة‭ ‬الصالحة،‭ ‬والمناخ‭ ‬الملائم‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬الحاكم‭ ‬الزاهد‭ ‬الصالح‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لا‭ ‬تقاس‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الأمم،‭ ‬أما‭ ‬شاعر‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬وفيلسوف‭ ‬الشعراء‭ ‬محمد‭ ‬إقبال‭ ‬فنراه‭ ‬في‭ ‬بيتين‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬وأثره‭ ‬وجودًا‭ ‬أو‭ ‬عدمًا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأمة،‭ ‬فيقول‭:‬ إذا‭ ‬الإيمان‭ ‬ضاع‭ ‬فلا‭ ‬أمان ‭ ‬ولا‭ ‬دنيا‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يحي‭ ‬دينًا ومن‭ ‬رضي‭ ‬الحياة‭ ‬بغير‭ ‬دين‭ ‬ فقد‭ ‬جعل‭ ‬الفناء‭ ‬لها‭ ‬قرينًا أمَّا‭ ‬الشاعر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬عمر‭ ‬الخيام‭ ‬فله‭ ‬رؤية‭ ‬خاصة‭ ‬للأزمنة‭ ‬الماضي‭ ‬منها‭ ‬والحاضر‭ ‬والآتي،‭ ‬ولنستمع‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يحدد‭ ‬فلسفته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والأحياء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعل‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬لنستمع‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭:‬ لا‭ ‬تشغل‭ ‬البال‭ ‬بماضي‭ ‬الزمان‭ ‬ ولا‭ ‬بآتي‭ ‬العيش‭ ‬قبل‭ ‬الأوان واغنم‭ ‬من‭ ‬الحاضر‭ ‬لذاته ‭ ‬فليس‭ ‬في‭ ‬طبع‭ ‬الليالي‭ ‬الأمان وقال‭ ‬أيضًا‭ ‬يحذر‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬التمني‭ ‬وتعليل‭ ‬النفس‭ ‬بما‭ ‬يُخَبئُهُ‭ ‬الغيب‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬بشارات،‭ ‬فيقول‭:‬ غدٌ‭ ‬بظهر‭ ‬الغيب‭ ‬واليوم‭ ‬لي ‭ ‬وكم‭ ‬يخيب‭ ‬الظن‭ ‬في‭ ‬المقبل ويشارك‭ ‬الشاعر‭ ‬المبدع‭ ‬صالح‭ ‬جودت‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬حقيقة‭ ‬علمية‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬إنكارها،‭ ‬فيقول‭:‬ اشهدي‭ ‬النور‭ ‬والظلال‭ ‬ وانظري‭ ‬دورة‭ ‬الزمان كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬زوال‭ ‬ ليس‭ ‬للملتقى‭ ‬أمان لا‭ ‬تسأليني‭ ‬فكم‭ ‬أهل‭ ‬الهوى‭ ‬سألوا‭ ‬ هل‭ ‬يصدق‭ ‬الدهر‭ ‬فيما‭ ‬يرسم‭ ‬الأمل وهل‭ ‬يطول‭ ‬بأحلام‭ ‬الهوى‭ ‬الأجل ‭ ‬لا‭ ‬تسأليني‭ ‬فإني‭ ‬خائف‭ ‬وجل لا‭ ‬ينقص‭ ‬البدر‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يكتمل ولتأمل‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬عزيز‭ ‬أباظة‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬المحبين‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه،‭ ‬فيقول‭:‬ نغضي‭ ‬حياءً‭ ‬ونغضي‭ ‬عفة‭ ‬وتقى إن‭ ‬الحياء‭ ‬سياج‭ ‬الحب‭ ‬مذ‭ ‬كانا الشاعر‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬العفة‭ ‬والتقى،‭ ‬وأنهما‭ ‬خير‭ ‬سلاح‭ ‬يتسلح‭ ‬بهما‭ ‬المحبان‭ ‬ليحميا‭ ‬حبهما‭ ‬وعلاقتهما‭ ‬من‭ ‬الزلل،‭ ‬وهذ‭ ‬ما‭ ‬اشترطه‭ ‬الإسلام‭ ‬لنظم‭ ‬الشعر‭ ‬والتغني‭ ‬به،‭ ‬ألم‭ ‬يستثن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عند‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬الشعراء‭ ‬المؤمنين‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الشعراء؟‭ ‬لقد‭ ‬صنفهم‭ ‬إلى‭ ‬صنفين‭: ‬الغاوون‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وادٍ‭ ‬يهيمون،‭ ‬ويقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون،‭ ‬وأما‭ ‬الصنف‭ ‬الثاني‭ ‬فهم‭ ‬المؤمنون‭ ‬الذين‭ ‬يحرصون‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬ينحرفوا‭ ‬عن‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الإسلام،‭ ‬وضوابطه،‭ ‬والشعر‭ ‬كلام‭ ‬منظوم‭ ‬حسنه‭ ‬حسن،‭ ‬وقبيحه‭ ‬قبيح‭.‬ إذًا،‭ ‬فالإسلام‭ ‬لا‭ ‬يحرِّمْ‭ ‬الشعر‭ ‬على‭ ‬إطلاقه‭ ‬بدليل‭ ‬أنه‭ ‬أكرم‭ ‬المؤمنين‭ ‬منهم‭ ‬بتسمية‭ ‬سورة‭ ‬من‭ ‬سور‭ ‬القرآن‭ ‬باسمهم،‭ ‬وبلوغ‭ ‬شاعر‭ ‬منزلة‭ ‬كبيرة‭ ‬وهو‭ ‬حسان‭ ‬بن‭ ‬ثابت،‭ ‬الذي‭ ‬ارتقى‭ ‬منزلة‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬شاعر‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭).‬ لقد‭ ‬بلغ‭ ‬الشعراء‭ ‬منزلة‭ ‬عظيمة‭ ‬بمدح‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬ولنستمع‭ ‬إلى‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬وهو‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي،‭ ‬لنستمع‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يمدح‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فيقول‭:‬ مدحت‭ ‬المالكينا‭ ‬فزدت‭ ‬قدرًا‭ ‬ فحين‭ ‬مدحتك‭ ‬اقتدت‭ ‬السحابا ذلكم‭ ‬هو‭ ‬الإسلام،‭ ‬وذلكم‭ ‬هو‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬والشعراء،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬من‭ ‬فلسفة‭ ‬القصيد‭.‬

مشاركة :