يقول تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون (224) ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون (225) وأنهم يقولون ما لا يفعلون (226) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (227) الشعراء. هكذا صنف القرآن الكريم الشعراء إلى صنفين: المؤمنون وغير المؤمنين الذين يقولون مالا يفعلون، ويزعمون لأنفسهم القيادة والزعامة والشجاعة، فإذا حان وقت تحقيق هذه المزاعم فروا من المواجهة، وظهرت أخلاقهم الحقيقية، وحين ندرس أو نقرأ عن أمثال هؤلاء الشعراء نجد منهم الشجاع الذي يثبت عند المواجهة كالشاعر الجاهلي صاحب المعلقة عنترة بن شداد الذي جمع مع البلاغة في نظم الشعر، والشجاعة في مواجهة خصومه، ومنهم الذين يَدَّعُونَ الشجاعة وهم ليسوا من أهلها كأبي الطيب المتنبي الذي قال عن نفسه مادحا شجاعته عند المواجهة، وذلك حين قال: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم وعند المواجهة لم يُصَدِقْ فِعلُهُ قَولَهُ، وحاول الهروب من المواجهة ولكنه لم يفلح. ورغم ذلك، فنحن لا ننكر أن في الشعر بيانًا وحكمة يكونان نبراسًا للبشرية في سعيها الحثيث إلى معالي الأمور، وعظائم المواقف، وقد يُلَخِصْ الشاعر(الحكيم) في بيت واحد فن الشعر وفلسفته في الحياة كقول الشاعر جبران خليل جبران في قصيدته المشهورة «أعطني الناي وغني» حين لخص فلسفته في الإنسان، حين قال: أعطني الناي وغني وانس داء ودواء إنما الناس سطور كتبت لكن بماء هذه هي حقيقة الإنسان فردًا أو جماعة، إنه كالسطور التي نخطها على الماء سرعان ما تمحى، ويذهب أثرها.. هذه هي فلسفة الشاعر جبران خليل جبران في الحياة والأحياء، ونلاحظ القدرة الفائقة التي استطاع الشاعر الفيلسوف بها تجسيد نظرته إلى الناس، ومصير الإنسان ومسيره في هذه الحياة. ولنتأمل فهم أمير الشعراء في العصر الحديث، أحمد شوقي ورؤيته لمقومات الدولة الإسلامية في عهد الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفِي عهد الخلافة الراشدة، وبالأخص عهد الخليفتين أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، لخص ذلك في بيت واحد من الشعر حين قال: الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء وتضمن هذا البيت رؤية أمير الشعراء عن إمكانية عودة الحكم الإسلامي تحت أي عنوان إذا توفرت له البيئة الصالحة، والمناخ الملائم كما حدث في خلافة الحاكم الزاهد الصالح عمر بن عبدالعزيز (رضي الله عنه) خلال مدة قصيرة من الزمن لا تقاس في عمر الأمم، أما شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء محمد إقبال فنراه في بيتين من الشعر يتحدث عن الإيمان وأثره وجودًا أو عدمًا في حياة الأمة، فيقول: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينًا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينًا أمَّا الشاعر الفيلسوف عمر الخيام فله رؤية خاصة للأزمنة الماضي منها والحاضر والآتي، ولنستمع إليه وهو يحدد فلسفته في الحياة والأحياء من خلال تفاعل الزمان والمكان لنستمع إليه وهو يقول: لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان وقال أيضًا يحذر الإنسان من التمني وتعليل النفس بما يُخَبئُهُ الغيب له من بشارات، فيقول: غدٌ بظهر الغيب واليوم لي وكم يخيب الظن في المقبل ويشارك الشاعر المبدع صالح جودت الشعراء في تقرير حقيقة علمية لا سبيل إلى إنكارها، فيقول: اشهدي النور والظلال وانظري دورة الزمان كل شيء إلى زوال ليس للملتقى أمان لا تسأليني فكم أهل الهوى سألوا هل يصدق الدهر فيما يرسم الأمل وهل يطول بأحلام الهوى الأجل لا تسأليني فإني خائف وجل لا ينقص البدر إلا حين يكتمل ولتأمل قول الشاعر عزيز أباظة وهو يتحدث عن علاقة الحب بين المحبين وما ينبغي أن تكون عليه، فيقول: نغضي حياءً ونغضي عفة وتقى إن الحياء سياج الحب مذ كانا الشاعر يتحدث عن العفة والتقى، وأنهما خير سلاح يتسلح بهما المحبان ليحميا حبهما وعلاقتهما من الزلل، وهذ ما اشترطه الإسلام لنظم الشعر والتغني به، ألم يستثن الحق سبحانه وتعالى عند حديثه عن الشعراء المؤمنين منهم من عامة الشعراء؟ لقد صنفهم إلى صنفين: الغاوون الذين هم في كل وادٍ يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون، وأما الصنف الثاني فهم المؤمنون الذين يحرصون أشد الحرص على ألا ينحرفوا عن أخلاقيات الإسلام، وضوابطه، والشعر كلام منظوم حسنه حسن، وقبيحه قبيح. إذًا، فالإسلام لا يحرِّمْ الشعر على إطلاقه بدليل أنه أكرم المؤمنين منهم بتسمية سورة من سور القرآن باسمهم، وبلوغ شاعر منزلة كبيرة وهو حسان بن ثابت، الذي ارتقى منزلة بأن يكون شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم). لقد بلغ الشعراء منزلة عظيمة بمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولنستمع إلى أمير الشعراء في العصر الحديث، وهو أحمد شوقي، لنستمع إليه وهو يمدح رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيقول: مدحت المالكينا فزدت قدرًا فحين مدحتك اقتدت السحابا ذلكم هو الإسلام، وذلكم هو موقفه من الشعر والشعراء، وهذا شيء يسير من فلسفة القصيد.
مشاركة :