غيَّب الموت اليوم، أحد أشهر الأدباء المعاصرين في المملكة العربية السعودية علوي بن طه الصافي، بعد أن أمضى أكثر من نصف قرن مع قلمه الذي عمَّر الذاكرة الثقافية عطاءً وثراءً، فكانت سيرته الذاتية غنيةً في منتجها وذخراً لثقافتنا. والصافي هو ابن الروابي والسفوح الخضراء، المكسوّة بعبق التاريخ، وُلد في جازان عام 1944، بين سبعة ذكور وبنتين، وتربى يتيم الأم، بعد أن تُوفيت وهو عند الثانية من عمره، فسال قلبه عطفاً وحناناً ممزوجَيْن بثقافةً متأرجّحةً بين جبال السروات شرقاً وشواطئ البحر الأحمر غرباً. وفي نهاية الخمسينيات الميلادية، توجّه إلى بيروت ليترعرع في بيت خاله سالم الزين، فنهل من مكتبته وقرأ مؤلفات تكبر سنه لعظماء التاريخ، ما صقل أدبياته وزاد ثقافته فأصبح ينسج بقلمه خيوط فن الصحافة، وكتب أولى مقالاته (جبران.. نابغة لبنان) ونشرها في صحيفة الرائد. وفي بداية أخرى من حذاقة القلم؛ كتب في جريدة قريش، ثم مجلة الجزيرة عن عميد الأدب العربي «طه حسين». انتقل في الستينيات الميلادية للعروس جُدَّة؛ التي أسدلت عليه من شواطئها قطرات إبداعية وشلالات أدبية، فالتحق بثانوية الشاطئ الليلية، وأصبح كاتباً في صحيفة البلاد، وبين لقب (أستاذ) أطلقه عليه عبدالله بن خميس قبل إتمامه (الإعدادية)، ومهنة (صحافي) قبل إكماله (الثانوية)، غادر إلى الرياض للدراسة الجامعية، فحضرته فرصة الالتحاق بجامعة بيروت منتسباً بقسم (القانون). في عام 1977، وبعد عام على زواجه، وشهرين على ولادة ابنته الكبرى، تم تعيينه كأول رئيس تحرير لـ(مجلة الفيصل)، فكانت بداية التألق على جميع الأصعدة، استمر بعطائه الزاخر 16 عامًا، ثم قدم استقالته لأنه على حد قوله «تعبت والجهد كان كبيراً»، تفرغ بعدها للقراءة والكتابة ليعتق نفسه من أي ارتباط مع أي جهة، رافعاً راية حريته وغائصاً بين الكتب التي كان يتوق إليها في كافة الأوقات. وللصافي إسهامات ثقافية غزيرة؛ وخاصة الصحافية منها، حيث أشرف على عدد من الأقسام الأدبية والثقافية في الصحافة المحلية؛ وهي صحيفة البلاد، مجلة اليمامة، صحيفة الجزيرة، كما عمل نائبًا لرئيس تحرير صحيفة المدينة ورئيسًا للقسم السياسي فيها، فحصل نتيجة ذلك على شهادة تقدير اتحاد الصحفيين الجزائريين. أما مؤلفاته فكانت متنوعة؛ فمن فن القصة القصيرة، الى أدب الرحلات، وأدب الأطفال والقضايا الإنسانية والاجتماعية، تنقَّل علوي الصافي بقلمه الذي كان ينساب في كل مجال بقيمة أدبية وثقافية زاخرة. علوي بن طه الصافي، ذو القلم الأثيل، غادرنا اليوم بجسده، لكن إرثه الثقافي وسيرته الأدبية سيظلان لأجيال ساطعة في سماء الأدب السعودي والعربي.
مشاركة :