بيروت - دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، أكبر رجال الدين المسيحيين في لبنان، إلى الإسراع في تشكيل حكومة وطنية لكي يتم التركيز فورا على التحضير لانتخابات رئاسة البلاد التي يتعين أن تجرى قبل انتهاء ولاية رئيس البلاد أي قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول. ويواجه لبنان عادة فراغا دستوري بسبب تعثر تشكيل الحكومة ومسار طويل لانتخاب رئيس للبلاد على غرار ما حدث بعد نهاية ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان، ففي31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أنتخب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، لينهي فراغا رئاسيا دام 29 شهرا. وبعد 45 محاولة فاشلة للوصول للنصاب القانوني بسبب مقاطعة نواب تحالف 8 آذار للجلسات لرفضهم المرشح الرئاسي الوحيد سمير جعجع، اجتمع الـ127 نائبا في 31 من الشهر ذاته تحت إدارة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكان الرئيس عون قد كلف مؤخرا رئيس حكومة تصريف الأعمال الملياردير السنّي نجيب ميقاتي، الذي سبق أن شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، بتشكيل حكومة جديدة وهي عملية تستمر عادة لأشهر مع قيام الفصائل السياسية بتوزيع الأدوار في الحكومة وخارجها. لكن مع احتدام الانقسامات بين النخبة الحاكمة في لبنان، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يواجه ميقاتي مشكلات جمة أمام تشكيل الحكومة مما سيمدد فترة الشلل السياسي ويقوض إصلاحات تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية. وقال البطريرك الراعي في عظة الأحد "إنا من جديد نطالب بالإسراع في تشكيل حكومة وطنية لحاجة البلاد إليها، ولكي يتركز الاهتمام فورا على التحضير لانتخاب رئيس إنقاذي للجمهورية فلا تفسير لأي تأخير في التشكيل سوى إلهاءنا عن هذا الاستحقاق الدستوري. لا يوجد أي سبب وجيه ووطني يحول دون تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس الجديد". وناشد الراعي "جميع الأطراف بأن تتعاون مع الرئيس المكلف بعيدا عن شروط لا تليق بهذه المرحلة الدقيقة ولا يتسع الوقت لها، ولا تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وصورة لبنان أمام العالم وننتظر من الرئيس المكلف بالمقابل، تشكيل حكومة على مستوى الأحداث تشجع القوى الوطنية على المشاركة فيها وتعزز الشرعية والنزعة السيادية والاستقلالية في البلاد وتجاه الخارج". ويتوقع محللون وسياسيون أن تزداد عملية تشكيل الحكومة تعقيدا بسبب الصراع الذي يلوح في الأفق بشأن من سيخلف عون، رئيس الدولة المسيحي الماروني المتحالف مع حزب الله، عندما تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول. وأدى الانهيار الاقتصادي المستمر منذ نحو ثلاث سنوات إلى فقدان الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها وزيادة الفقر وشل النظام المالي وتجميد أموال المودعين جراء أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وبدا البرلمان الذي ينتخب الرئيس الجديد، منقسما بشدة عقب الانتخابات العامة التي أجريت الشهر الماضي، إذ فقد حزب الله وحلفاؤه أغلبيتهم وحقق الوافدون الجدد ذوو العقلية الإصلاحية مكاسب قوية وحصل حزب القوات اللبنانية المسيحي المقرب من السعودية على مقاعد أكثر. وفي انعكاس للمشهد الجديد حصل ميقاتي الذي ينحدر من مدينة طرابلس الشمالية، على نحو 20 صوتا أقل مما حصل عليه عندما عُين رئيسا للوزراء في آخر مرة في سبتمبر/أيلول. وبالإضافة إلى حزب القوات اللبنانية، فإن التيار الوطني الحر المسيحي المتحالف مع حزب الله لم يسم أحدا لرئاسة الحكومة بينما تمت تسمية ميقاتي من كتلتي حزب الله وحركة أمل الشيعيتين وحلفاؤهما من النواب السنة بالإضافة إلى بعض المسيحيين. وقال الراعي "كنا نتمنى لو شاركت في تسمية الرئيس المكلف، أيا يكن المسمى، شرائح نيابية أوسع لتترجم بفعل إيجابي ودستوري وميثاقي، الوكالة التي منحها إياها الشعب منذ أسابيع قليلة، لاسيما أن الاستشارات هي إلزامية". وأشار إلى أن "هذه الأشهر الأربعة الباقية من عمر العهد، يجب أن تخصص لخفض نسبة الحقد والانتقام والكيدية والمطاردات القضائية البوليسية التي لم يألفها المجتمع اللبناني" في إشارة إلى ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي عمدت القوى الأمنية إلى مداهمة منزله في إطار تحقيق قضائي في مزاعم إساءة سلوك وفساد. وسلامة، الذي كان يُحتفى به باعتباره ساحرا ماليا، في موقف دفاعي منذ عام 2019 وتتم ملاحقته في بيروت وبعض الدول الأوروبية. وأصدرت القاضية غادة عون مذكرة الاستدعاء بحقه في وقت سابق من العام الحالي. وللبطريرك الراعي رأس الكنيسة المارونية، دور نافذ بوصفه رئيس أكبر الطوائف المسيحية في لبنان، حيث تتقاسم السلطة طوائفه الرئيسية المسيحية والإسلامية والدرزية. واستعرض الراعي الاستحقاقات التي ينبغي على الحكومة الجديدة خلال الأشهر الأربعة المقبلة ومنها تخفيف معاناة الناس اقتصاديا لضبط الأوضاع الأمنية وإحياء التحقيق القضائي المجمد في انفجار مرفأ بيروت. ولم يحرز التحقيق في انفجار المرفأ الذي أدى في الرابع من أغسطس/آب من العام 2020 إلى مقتل أكثر من 200 شخص وتسبب في دمار واسع في بيروت، تقدما يذكر وسط مقاومة من فصائل سياسية تتمتع بنفوذ كبير. وتقول جماعة حزب الله وحليفتها الشيعية حركة أمل إن القاضي طارق بيطار الذي يتولى إدارة التحقيق منحاز ومسيس. وقال البطريرك "إذا عجز السياسيون على ما يظهر، فإنا ننادي من جديد بمؤتمر دولي خاص بلبنان لمعالجة مرضه بعد تشخيصه بجرأة وشجاعة".
مشاركة :