قدمت الأغلبية البرلمانية في المغرب المتألفة من أحزاب “التجمع الوطني للأحرار” و”الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” تعديلات على قانون العمل الخيري تهدف إلى القطع مع فوضى جمع التبرعات في البلاد. ويبدو أنها تهدف أيضا إلى وضع حد للجدل الذي رافق إقرار هذا القانون بعد أن اعتبرته أحزاب سياسية وجمعيات تضييقا على العمل الخيري. وترمي التعديلات -التي قُدمت السبت إلى مجلس النواب المغربي- كذلك إلى تقليص أجل الحصول على ترخيص لدعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات من 30 يوما إلى 15 يوما، وذلك نظرا إلى أهمية بعض الحالات المستعجلة. كما اقترحت الأغلبية البرلمانية أن تكون الجمعية -أو الجمعيات الداعية إلى التبرع- مؤسسة طبقا للتشريع الجاري به العمل، ومسيّرة طبقا لأنظمتها الأساسية، وأن تكون نشيطة وفي وضعية قانونية سليمة في ما يخص أنظمتها الأساسية. وعلّلت هذا التعديل بكون بعض الجمعيات غير ناشطة ولا تعقد اجتماعاتها العامة ولا تجدد مكاتبها. رشيد لزرق: التعديل يحمي المواطن من أي استغلال وأكد عبدالعالي الرامي رئيس منتدى الطفولة أن “أي تعديل يسعى لتنظيم هذا المجال هو أمر جيد، كما يجب العمل على تبسيط القوانين ليظل التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن بناء على التربية الدينية والمجتمعية، وألا تكون الإجراءات الإدارية صعبة، بل يكفي ضبط الأمر مع السلطات المحلية ليظل التكافل الاجتماعي الذي نسعى إليه جميعا”. وأوضح الرامي في تصريح لـ”العرب” أن “الحالات المرضية هي التي تكون محل جمع التبرعات من أجل القيام بعلاجات أو عمليات جراحية”. واعتبر أن تنفيذ مشروع تعميم الحماية الاجتماعية من شأنه أن يخفف العبء عن أفراد المجتمع ويسهم في عدم استغلالِ ضعف الناس وعوزهم وعدم توظيف ذلك في التحايل على أساس أنه سيسهل التمتع بالخدمات الصحية. وتسعى الحكومة المغربية من خلال هذا القانون إلى تنظيم عمليات جمع التبرعات من المغاربة وتوزيع المساعدات الخيرية وتعزيز الآليات القانونية لمنع توظيف هذا المجال سياسيا وانتخابيا وحتى لا يتم استغلاله لتمويل الجماعات المتطرفة. وينص المشروع على إخضاع جميع عمليات جمع التبرعات لأحكام هذا القانون، مع استثناء عمليات جمع التبرعات بالطرق التقليدية والعرفية، وتحديد شروط دعوة العموم إلى التبرع، وحصر الجهات التي تدعو إليه. وترى تنسيقية ائتلاف مبادرة المجتمع المدني، التي تأسست بعد صدور مشروع القانون، أنه جاء لتضييق حرية ممارسة الجمعيات لأنشطتها، وأنه سينهي حياة الكثير من هذه الجمعيات. وأشارت التنسيقية إلى أنه لا خوف لديها من الرقابة، سواء القبلية أو البعدية، لكن ما ترفضه هو الرقابة التي تتهم جمعيات العمل الخيري دون دليل، فيما ترى السلطات أن مشروع القانون هو تنظيم للعمل الخيري والحد من عمليات التحايل. ونصت التعديلات على أن كل متبرع له الحق في الاطلاع لدى الجهة المرخص لها جمع التبرعات على حصيلة عمليات جمع التبرعات من العموم، والتأكد من إنفاقها في الأغراض المخصصة لها بأي وسيلة من الوسائل المتاحة. كما نصت على ضرورة الإدلاء بتقرير مالي حول استخدام أموال التبرعات في حالة تجاوز حصيلتها 500 ألف درهم، وإخضاعها لمراقبة محاسب معتمد يشهد بصحة الحسابات التي يتضمنها التقرير. ونصت أيضاً على إلزامية إيداع الأموال المجمعة من التبرعات في حساب بنكي، وإمكانية تخصيص جزء من التبرعات بصفة استثنائية لتغطية تكاليف تنظيم عمليات جمعها أو لدفع نفقات توزيع المساعدات، على ألا تتجاوز نسبة هذه المصاريف 1 في المئة من حجم التبرعات. عبدالعالي الرامي: أيُّ تعديل لتنظيم العمل الخيري أمرٌ جيّد وأشارت الأغلبية البرلمانية إلى أن هذه التعديلات تأتي خوفا من التوسع في الاستثناء الذي يتعلق بتخصيص جزء من التبرعات المتبقية لتغطية تكاليف تسيير الجهة الداعية إلى التبرع. ويمنع القانون دعوة العموم إلى التبرع وتنظيم عمليات جمع التبرعات أو توزيع المساعدات لتحقيق أهداف تجارية أو دعائية أو انتخابية، أو من أجل ترويج منتجات أو سلع أو خدمات، وخاصة استغلال حالة شخص أو عدة أشخاص يوجدون في وضعية هشة أو وضعية احتياج أو في حالة استغاثة. وشدد رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عبدالله بوانو على أن المجموعة “مع تقنين عمليات جمع التبرعات وتوزيعها لأغراض خيرية، كما تؤيد محاصرة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال”. لكنه حذر من أن تهدد هذه التعديلات قيمة التضامن داخل المجتمع، إذ تكبل عمليات جمع التبرعات من قبل الجمعيات التي ستكون في حاجة إلى ترخيص للقيام بهذا الأمر، ما سيعرقل عملها. وفي المقابل اعتبر وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت أن “هذا المشروع يسعى إلى تفعيل دور وسائل الدولة في التتبع والمراقبة وتمكين المجتمع المدني من تأطير التطوع وترسيخ قيم التكافل الاجتماعي، من خلال تشجيع الأفراد على التبرع والعمل الخيري والتنموي”. وأكد رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن “هذا التعديل يحمي المواطن من أي استغلال يطاله من طرف المتاجرين بالجانب الإنساني”. وأضاف لزرق في تصريح لـ”العرب” أن “العمل الخيري أصبح ورقة توظفها قوى التدين السياسي وغيرها من الأطراف على مدار السنة، مما شجع البعض على السير على منوالها في غياب الضبط القانوني”.
مشاركة :