صحافة الجنازات في مصر: احزن الصورة تظهر حلوة

  • 6/28/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وسط حالة من الهلع أصابت شريحة كبيرة من المصريين بعد مقتل طالبة جامعة المنصورة بشمال القاهرة نيرة أشرف قبل أيام، كانت الصورة المهيمنة على مواقع التواصل الاجتماعي لعدد من الأشخاص وهم يمسكون بهواتفهم المحمولة ويحيطون بجدة الطالبة القتيلة لتصويرها بالقرب من قبرها في أثناء تشييع جثمانها. وحاول هؤلاء إيهام السيدة العجوز أنهم من أصدقاء الطالبة لتوافق على الحديث معهم، ثم شرعوا في توجيه أسئلة لا علاقة لها بالجوانب المهنية للتغطية الصحافية من نوعية هل كانت الضحية مرتبطة، وهل كان بينها وبين القتيل قصة حب؟ ما حدث في تشييع جثمان نيرة يتكرر في كل مرة تذهب فيها بعض وسائل الإعلام لتغطية مراسم تشييع جثامين عدد من المشهورين وفي سرادقات العزاء التي تقام لهم. وأصبحت مشاهد التفاف عشرات من المصورين حول الجثامين ومتابعتها منذ خروجها من المنزل أو المستشفى وحتى دخول المقبرة أمراً سائداً من دون مراعاة للضوابط المهنية في التغطيات الصحافية المعروفة، إلى الدرجة التي جعلت أقارب وأصدقاء المتوفين يظهرون غضبهم دائما خوفا من التقاط صورة على حين غرة تظهرهم كأنهم يبتسمون. مجدي إبراهيم: الجنازات باب يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى صورة مؤثرة وباتت مشاهد الاحتكاك والمشاحنات بين مشاهير وأهالي المتوفين والمصورين والمحررين معتادة في كل حالة وفاة تقريبا، وبقيت الصحافة متهمة باختراق الخصوصية، ولم تعد هناك قيمة للصحافي الذي يؤدي دوره بسبب مخالفة الأعراف المهنية أو انتشار صحافة “اللايف” التي تشكل عصبًا رئيسيًا لعمل الكثير من المواقع الإلكترونية ويجرى استغلالها لجذب المزيد من المتابعين. وتحولت الجنازات بالنسبة إلى الكثير من المواقع إلى “بيزنس” يقوم رأس ماله على تصوير الحدث ثم وضع محتوى الفيديوهات على يوتيوب وغيره من مواقع التواصل للحصول على الملايين من المشاهدات والإعجابات التي تتحول إلى دولارات. وأسهم الاستغراق في صحافة “اللايف” في انتهاك الخصوصية بعد أن ظلت الجهات القائمة على إدارة الإعلام في مصر عاجزة عن وضع ضوابط يمكن الالتزام بها في أثناء البث، وترتب عن ذلك حالة من الإفراط المعلوماتي بلا قيمة صحافية ولا يحقق المجتمع استفادة منها لأنها حاضرة في وقائع ترتبط بـ”الترند”. ومن وجهة نظر مصور صحافي مصري يعمل بإحدى الصحف الحكومية، يقع المصورون تحت ضغوط عديدة في مثل هذه المناسبات وتكون هناك تكليفات من القائمين على إدارة المواقع الإلكترونية بالجري وراء “الترند” بلا ضوابط مهنية، فالمهم أن يحقق المصور الهدف المطلوب منه وإلا سيجد نفسه أمام مساءلة مديره. وأضاف في تصريح لـ”العرب” (رفض ذكر اسمه) أن غالبية المصورين يفتقرون إلى خبرات التعامل مع مثل هذه المواقف، ولا توجد لديهم دراية بالضوابط الأخلاقية في تغطية الجنازات ولا يهتم أحد بتعريفهم، وقد نجد بعض المصورين يتحولون إلى محررين في أثناء البث المباشر بتوجيه أسئلة غير مهنية لأهالي المصاب أو المشاهير ويخترقون الخصوصية بلا أدنى دراية بالمسؤولية المهنية. وأشار إلى أن الاحتكاكات والمناوشات تبقى منطقية في تلك الحالة، ووصلت إلى أن أحد المصورين كاد يلقى حتفه على يد أهالي أحد القضاة الذي أقدم على الانتحار، وذلك في أثناء التغطية الصحافية لخروج الجثمان من المشرحة، ما يعني أن الأزمة لا تكمن في المصورين لكن في ثقافة التصوير التي تغيب عن المواطنين ويتعاملون مع كل من يمسك هاتفا أو كاميرا باعتباره يبحث عن الفضائح. ولدى العديد من الصحافيين قناعة أن الأزمة لها أبعاد تتعلق بواقع المهنة ذاته لأن هناك حالة من فقدان السيطرة على تدشين المواقع الإلكترونية وعملها. ومع أن المجلس الأعلى للإعلام وضع ضوابط للترخيص لها، فالغالبية لا تلتزم بذلك وهناك الكثير من المنصات تعمل في الخفاء ولا يعلم أحد عنها شيئاً، وأصحاب هذه المواقع والمشرفون عليها ليسوا أعضاء في نقابة الصحافيين. ولا يتورع هؤلاء عن مطالبة المصور بارتكاب أي تجاوز ولو كان به انتهاك لحرمة الموتى كي يكونوا في المقدمة ويتحصلون على فيديوهات يمكن أن تجذب إليهم ملايين من المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على رغبة بعض المصورين في اختلاس لحظات إنسانية صعبة لأهالي المتوفي أو مشهد لا يتواءم مع الموقف أو حديث عابر مع بعض الحاضرين المهمين، وكلها قد تقود إلى كوارث اجتماعية. مصر وتحظى مراسم تشييع جنازات المشاهير من رجال ونساء الفن والأدب والسياسة والإعلام والرياضة باهتمام كبير، حيث تتسابق كاميرات القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية لتغطية الحدث وتوثيقه، بداية من نقل الجثمان من مكانه إلى المسجد أو الكنيسة مرورًا بأداء صلاة الجنازة عليه، انتهاءً بنقله إلى مثواه الأخير. شهدت جنازة إحدى الفنانات قدرا كبيرا من الانتهاكات، تمثلت في محاولة أحد الحاضرين تصوير جثمان الراحلة خلال دخوله القبر، وانفعل أحد أقرباء الراحلة من هذا التصرف وأمسك بهاتف الشخص وألقى به على الأرض. وفي مقطع آخر تجمع عشرات من المصورين أمام قبر الفنانة الراحلة، وحاول البعض الدخول إليه، إلا أن العائلة منعتهم وأغلقت البوابة الحديدية إلى أن انتهت من مراسم الدفن، وبعد انتهاء عملية الدفن لاحقت كاميرات المصورين أقاربها. وكان المرصد المصري للصحافة والإعلام (حقوقي) رصد عددًا من المخالفات المهنية التي وقعت خلال جنازة الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز تلخصت في التصوير من مسافات قريبة، واقتحام خصوصيات أفراد عائلة الفنانة من خلال تصوير مشاعرهم الطبيعية والتعدي على حرمة الميت بتصويره داخل نعشه وأثناء الصلاة عليه وتصوير عملية الدفن، وملاحقة كبار النجوم الذين حضروا الجنازة وتصويرهم على غير رغبتهم. ورفض رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية مجدي إبراهيم تحميل المصورين بمفردهم مشكلات التصوير في الجنازات لأن التهافت يرجع إلى عدم وجود أنشطة أو أحداث مهمة تسمح بتواجد المصورين وثمة قيود على تحركاتهم في مناسبات عدة وتبقى الجنازات بابًا يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى صورة مؤثرة. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الصحافة تواجه ضغوطاً اقتصادية صعبة ولم تعد هناك موارد مالية تجعلها قادرة على البقاء أو الاستمرارية، ويكون اللجوء إلى الاستعانة بمتدربين قد لا يحصلون على رواتب أو تمنحهم الصحف مكافآت شهرية، ويجري الزج بهم في الجنازات دون الحصول على التدريب المناسب، بينما هذا النوع من التغطية هو الأصعب ويحتاج إلى مصورين لهم خبرات لعدم الاصطدام مع أهالي المتوفي. وأشار إلى أن المصورين يدفعون ثمن وجود مئات من المواطنين العاديين أو من ناشري المحتوى على المنصات الرقمية دون أن يكون لديهم علاقة مباشرة بالمؤسسات الإعلامية، وبمجرد أن يرفع هؤلاء هواتفهم المحمولة فإنه يتم حسابهم على الصحافيين، وهذا لا يعني الإعفاء من المسؤولية. وتابع قائلا “في تلك الحالة يكون الصحافي في حيرة من أمره، ففي حال التزم بالمعايير المهنية لن يستطيع تأدية مهام عمله وسيوجه إليه وصحيفته المزيد من اللوم، وفي حال أصر على التصوير فإنه ينتهك المعايير لأن هناك حاجزا من المواطنين وصانعي المحتوى سيكون عليه تجاوزه للوصول إلى الصورة”. ويُلقي البعض باللوم على الجهات القائمة على تنظيم الإعلام في مصر، لأنها لا تولي اهتماماً بتدريب الصحافيين كما أنها لم تبحث عن حلول للأزمة وتُعرض المهنة لمزيد من الاتهامات التي تنتقص من قيمتها، بجانب أن الأجهزة الأمنية أو الجهات المحلية الأخرى التي من المفترض أن تتولى عملية تنظيم جنازات المشاهير لا تقوم بواجبها وتترك المجال أمام استمرار حالة الفوضى. ولم تفرز اللقاءات التي عقدتها نقابة الصحافيين مع المهن التمثيلية وضع حداً للأزمة، ما يبرهن على أن هناك مشكلات في عملية التنظيم تتجاوز قدرة أي طرف على ضبط عملية التغطية، الأمر الذي يجعل العديد من الصحافيين يطالبون المشاهير بإعلان عدم رغبتهم في التصوير كي يكون هناك مبرر.

مشاركة :